


قصة يسوع، تُروى من خلال عيون تشارلز ديكنز، وهي قصة لم يطلبها أحد. «ملك الملوك» هو فيلم رسوم متحرّكة عن حياة يسوع، يَرويها تشارلز ديكنز لطفله وقطته، وهو أمر ليس عشوائياً أو شبيهاً بألعاب «ماد ليبز» كما قد يبدو.
في الواقع، كتب ديكنز كتاباً صغيراً بعنوان «حياة ربنا»، يُعيد فيه سرد القصة المألوفة جداً، وكان يقرأها بصوت عالٍ لأطفاله كل عام. لم يُنشر الكتاب حتى عام 1934، بعد وفاة آخر أبناء ديكنز، تنفيذاً لوصيّته.
بات متاحاً مجاناً (موقع Internet Archive)، وستجد أنّ ديكنز ظل، إلى حدٍ كبير، أمينٌ لسردية الكتاب المقدّس، مع التركيز على يسوع كمعلّم أخلاقي عظيم بلغة تناسب الأطفال الإنكليز في منتصف القرن الـ19.
يبدأ الكتاب بالقول: «أنا حريص جداً أن تعرف شيئاً عن تاريخ يسوع المسيح، فالجميع يجب أن يعرف عنه. لم يَعِش أحد من قبل بهذه الطيبة، اللطف، الرقة، والأسف على كل مَن ارتكب خطأ أو كان مريضاً أو تعيساً بأي شكل، مثله».
يشعر كتاب ديكنز بروح العصر الفيكتوري، إذ أنّ يسوع فيه رجل صالح للغاية، وينتهي الكتاب بمَوعظة صغيرة حول جوهر المسيحية: «أن نفعل الخير دائماً، حتى لِمَن يُسيئون إلينا»، وأن «نكون لطفاء، رُحماء ومتسامحين، ونحتفظ بتلك الصفات في قلوبنا من دون تفاخر بها». ببساطة، أن تكون مسيحياً هو أن تحاول أن تكون طيّباً ومحترماً مع الجميع، ثم تأمل أن يُخلّصك الله.
أمّا فيلم «ملك الملوك»، فيتبنّى نهجاً مختلفاً. أخرجه جانغ سيونغ-هو، المعروف بعمله الرائد في المؤثرات البصرية في السينما الكورية، ووزّعته شركة Angel Studios، التي باتت نجماً صاعداً في مجال الأفلام المسيحية.
يصوّر الفيلم يسوع كرجل يدعو من حوله لاختبار «قوة الإيمان» بالله. وجدتُ نفسي أحياناً أفكّر في ذلك الإيمان الأعمّ، الذي يدعو إليه أنصار «التفكير الإيجابي والتجلّي». يمكنك أن تُفسّر الأمر كما تشاء، مع أنّ الفيلم يوضّح أن الإيمان بقوة الله هو على الأرجح المقصود.
تبدأ الحكاية بمشهد إبنيزر سكروج يترنّح نحو شاهد قبره، الذي يتبيّن أنّه في ذهن تشارلز ديكنز (بصوت كينيث براناه) أثناء تقديمه قراءة درامية لرواية «أنشودة عيد الميلاد» أمام جمهور مشدوه.
تقتحم قطة أداء ديكنز، ممّا يُزعجه. إنّها قطة العائلة الماكرة (المصمّمة على غرار قطط أفلام Pets المعاصرة غليظة الرأس)، وتعيث فساداً وراء الكواليس حيث تنتظره زوجته كاثرين (أوما ثورمان) وأطفاله الثلاثة الظرفاء المشاغبون حتى ينهي عرضه.
أحد هؤلاء الأطفال، وولتر (رومان غريفين ديفيس)، مَهووس بالملك آرثر. وعندما يعود ديكنز إلى المنزل تلك الليلة، تعلن كاثرين أنّ وولتر ينتظره في مكتبه، راغباً أنّ يحكي له قصة «ملك الملوك»، الذي يفوق آرثر عظمة، على رغم من أنّه لم يقتل تنّيناً قط.
نعم، إنّه يسوع. ومن هنا تبدأ الحكاية، بصوت طاقم مذهل من نجوم هوليوود: أوسكار إسحاق يؤدّي صَوت المسيح نفسه، لكن هناك أيضاً بطرس الرسول (فورست ويتاكر)، بيلاطس البنطي (بيرس بروسنان)، الملك هيرودس (مارك هاميل)، ورئيس الكهنة قيافا (بن كينغسلي).
لطالما حيّرني سبب استعانة أفلام الرسوم المتحرّكة بنجوم من الصف الأول للأداء الصوتي، فالأطفال لا يحتاجون إلى اسم كريس برات ليقنعهم بمشاهدة The Lego Movie أو Garfield أو Onward. لكن في هذه الحالة، يبدو الأمر منطقياً من ناحية شباك التذاكر. فهذه الأسماء تضفي صدقية معيّنة على المشروع، وتُعطي إحساساً بأنّه ليس مجرّد فيلم مسيحي عابر، بل عمل شرعي تقف وراءه أسماء كبيرة، من النوع الذي قد يجذب حتى غير المتديّنين إلى صالة العرض في موسم عيد الفصح.
لنكن صريحين: كمسيحية، أشعر بأنّ هناك سقفاً طبيعياً لمقدار إحباطي من فيلم يتناول، في النهاية، قصة مِحوَرية في تقليدي الإيماني بتبجيل واحترام، وينفّذ ذلك بطريقة متقنة. (صحيح أنّه يخطئ في توقيت وصول المجوس من الشرق إلى المِذوَد في بيت لحم، لكنّه بالتأكيد ليس أول عمل يُعيد سرد القصة ويقع في هذا الخطأ).
لكن أيضاً، كمسيحية، وكناقدة سينمائية، أرغب في أن أقول بصوت عالٍ: لا داعي لوجود هذا الفيلم. لقد سئمتُ من سماع الناس يقولون لي إنّ هوليوود «نفدت أفكارها» في عصر الإعادات والنسخ (وهي مقولة أتفق معها) بينما تُنتج أفلام كهذا، غالباً بهدف إرضاء أولئك أنفسهم الذين يشتكون من الأمر.
تشارلز ديكنز لا يُقدِّم لأي أحد منظوراً جديداً عن حياة يسوع. لا شيء يحدث لم يحدث من قبل. إنّه ليس مسلسل The Chosen الناجح الذي وزّعته Angel Studios في مواسمه الأولى، وطرح رؤية جديدة لشخصيات الحكاية المتعدّدة. إنّها القصة عينها: كل تفصيل متوقع، وكل لحظة محسوبة مسبقاً.
هناك عشرات الأفلام عن حياة يسوع، بدأ صانعو الأفلام بإعادة سردها تقريباً منذ اختراع الكاميرا السينمائية. وكلها لا تزال موجودة.
ينبع إحباطي من إحساسي، سواء كان مبرّراً أم لا، بأنّ الفيلم محاولة لاستنزاف جيوب المشاهدين المحتملين. يبدو وكأنّه صُمِّم بعناية لاستغلال جمهور يشعر بالتزام أخلاقي لشراء تذاكر كل فيلم يُعيد سرد حياة يسوع. ولم يُيدِّد هذا الانطباع دعوة الفيلم بعد قيامة المسيح، حين تُعرض لقطات لأطفال صغار لطيفين يقولون كَم أحبوا الفيلم، ويطلبون منك أن تُخرج هاتفك وتمسح الـQR Code لشراء تذكرة لشخص آخر ليشاهده.
كل ما يمكنني قوله هو: عندما طلب مني الطفل الثالث أو الرابع أن أُخرج هاتفي وأشتري تذكرة، وجدتُ نفسي أفكّر في مشهد من وقت سابق في الفيلم، مألوف لقُرّاء الكتاب المقدّس. فيه، يدخل يسوع الهيكل في أورشليم، ويكتشف العديد من الباعة يستغلّون المؤمنين ويبتزّونهم. فيَغضب، ويقلب طاولاتهم، معلناً أنّ هؤلاء الباعة حوّلوا بيت أبيه، أي بيت الله، إلى مغارة لصوص.
ولا أعتقد أنّ هناك سرقة تحدث هنا، حتى أكون واضحة تماماً. فهذه الأفلام تجني الأرباح لأنّ الناس يتبرّعون بأموالهم طوعاً. لكنّني أتمنّى بشدة أن يستغل مَن يُريد سرد قصص الكتاب المقدّس للمؤمنين العديد من الخيارات الأخرى المتاحة: الأمثال، الأنبياء، والرؤى. القصص الكثيرة التي لم تُروَ، لأسباب لا يمكنني إلّا أن أتخيّلها.








