صفحات من حرب لبنان: حذارِ من بوسطة جديدة!
صفحات من حرب لبنان: حذارِ من بوسطة جديدة!
اخبار مباشرة
  • 23:09
    الوكالة الوطنية: العدو الإسرائيلي يلقي قنابل مضيئة بين بلدتي علما الشعب والضهيرة
  • 22:36
    ‎“خُلاصة "الجمهورية
  • 22:10
    الخارجية البريطانية: محادثات لندن أحرزت تقدمًا لتوحيد الرؤى بشأن أوكرانيا
  • 21:31
    البيت الأبيض: لن نخفض الرسوم على الصين من جانب واحد
  • 21:12
    نتنياهو: النظام الإيراني ليس خطرًا علينا فقط بل على البشرية كلّها
  • 21:12
    نتنياهو: الضغط العسكري على "حماس" سيستمرّ وسنُعيد جميع الرهائن
  • 20:56
    وزير الدفاع الأوكراني: وفدنا بحث وقف إطلاق النار والضمانات الأمنية مع المبعوث الأمريكي كيلوغ واللقاء كان مثمرا
  • 20:11
    رويترز عن المتحدث باسم السفارة الصينية: الصين لا تقبل أبدا سياسة القوة أو الهيمنة
  • 19:40
    جيروزاليم بوست: من المتوقع أن يغادر وفد إسرائيلي خلال أيام لإجراء محادثات لدفع صفقة تبادل الأسرى
  • 19:00
    أبرز الأخبار العالمية والمحلية
  • 18:11
    وزير الخارجية الإيراني: تصلنا رسائل أميركية متناقضة ومتضاربة بشأن المفاوضات النووية
  • 17:56
    وزير الخارجية الإيراني: تقرر أن نطلع الصين وروسيا على نتائج الجولة الثالثة من التفاوض غير المباشر مع أميركا
  • 17:28
    عراقجي من بكين: عام 2025 سيكون عاماً ذهبياً في العلاقات بين إيران والصين
  • 17:24
    النائب فيصل الصايغ: أسحب توقيعي عن اقتراح تعديل قانون الانتخاب لبلدية بيروت
جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة
Monday, 14-Apr-2025 07:13

كنت شاهداً على الحرب اللبنانية منذ الشرارة الأولى في الثالث عشر من نيسان 1975 إلى الثالث عشر من تشرين الأول 1990، وما بينهما من حروب ومجازر ومعارك، ومواجهات بين أبناء الصف الواحد الذين أطلق عليهم الكاردينال البطريرك مار نصرالله بطرس صفير لقب « الإخوة- الأعداء».

وعلى رغم من أني كنت في تلك الفترة أنتمي إلى «حزب الكتائب اللبنانية» وأحد ناشطي مصلحة الطلاب، وخصوصاً دائرة الجامعة اللبنانية فيها، كنت أحد صلات الوصل على طريقتي وبمعرفة المسؤولين الكبار في الحزب، بزملائي في الضفة السياسية الأخرى الذين استظلّوا خيمة «الحركة الوطنية»، وكان لهذا التواصل الأثر الإيجابي في استبقاء بعض الجسور سالكة بين الأطراف المتنازعين. ومنذ أن وضعت الحرب أوزارها، كتبت في صحف: «السفير»، «العمل»، «الديار»، «الكفاح العربي»، «البيرق»، «النهار» ومجلتي «الحوادث» و«لا ريفي دو ليبان»، داعياً إلى المصالحة الوطنية الكبرى على أساس المصارحة وتنقية الذاكرة، وتجديد الحياة معاً بالوحدة لا بالتشرذم والاستمرار في سياسة التقية والحذر والكمون، والانتظار عند أول مفترق أو سانحة للانقضاض على آلاخر.

 

وفي مناسبة الذكرى الخمسين على نشوب الحرب في لبنان، سمحت لنفسي بالعودة إلى أوراق احتفظت بها عن المناسبة التي عشتها منذ اللحظة الأولى، مرافقاً رئيس حزب «الكتائب» يومذاك في جولته إلى عين الرمانة وفرن الشباك بعيد وقوع حادثة «البوسطة»، حيث تبينت ملامح القلق والفزع على مستقبل لبنان في عينيه. ومواكباً له كما غيري من المعنيين في محطات أخرى، كان فيها المدافع الأول عن «صيغة لبنان الفريدة» و»لبنان - الرسالة».

 

أقول هذا الكلام من باب الشاهد على أحداث جرت كنت أتولى تدوينها بصفتي كصحافي وكناشط ومسؤول حزبي، وذلك بعد 17 عاماً على استقالتي من «الكتائب».

 

قبل حلول الذكرى الثالثة والعشرين للحرب اللبنانية في 13 نيسان 1998، طلب مني رئيس الحزب عامذاك قبل ان يتمكن منه المرض، وضع مسودة لبيان - وثيقة لتوجيهها إلى اللبنانيين في هذه الذكرى، لتكون الكلمة الفصل في موضوع تشعب الحديث عنه، وأصابت شظاياه «الكتائب»، وجاء هذا الحرص في وقت كان يتلقّى كثيراً من السهام يسدّدها ضدّه رفاق درب ونضال. الوثيقة التي احتفظ بها مكتوبة بخط اليد، شدّت على آلاتي: «يهمّ حزب الكتائب وللمرّة الأخيرة، أن يمحو ما علق في أذهان كثيرين، بعدما أثبتت التحقيقات القضائية وشهادات المعنيين أنّ الحزب ليس مسؤولاً عن حادثة عين الرمانة في 13 نيسان 1975، وأنّ أحداً من الكتائبيين لم يشارك فيها». وتضيف الوثيقة: «فهذه الحادثة لم تتسبب بها «الكتائب»، ولا هي افتعلت الاستفزازات لأنّها كانت تدرك خطورة الظرف، وهي كانت قد بادرت إلى التفاهم مع قيادة الثورة الفلسطينية على تشكيل لجان مشتركة، بهدف تطويق الفتنة التي كانت تلوح في الأفق وتتبدّى بأشكال شتى على الاراضي اللبنانية كافة، ولذلك فأنّها تعتبر أنّ هذه الحادثة كانت مدبّرة لضرب الحزب وإعاقة تياره الوطني».

 

ويورد البيان- الوثيقة سلسلة من المواقف الصادرة عن ياسر عرفات، والأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية التي طالبت ليل 13-14 نيسان 1975 بـ«معاقبة رؤوس المجزرة والمخططين لها واقتحام المناطق التي تحتلها ميليشيا الكتائب وتطهيرها واعتقال المجرمين جميعهم، حل حزب الكتائب، طرد وزراء الكتائب من الحكم ومقاطعة هذا الحزب وطنياً وسياسياً وقطع كل حوار معه...».

 

إلّا أنّ المفارقة التي سنوردها من دون الدخول في التفاصيل الكثيرة التي تضمنها البيان ـ الوثيقة، هو سعي المسؤولين الكبار في ذلك الحين إلى «تجاوز الحادثة وطيها على الطريقة اللبنانية وذلك بحمل الكتائب على تسليم أي كان».

 

ويتوسع البيان - الوثيقة في إلقاء الضوء على الاجتماع الذي عُقد ليلة الحادثة في مقر قوى الأمن الداخلي. وعن هذا الموضع جاء: «أخذ رئيس الحكومة يبحث عن مخرج وإخراج، فطلب من الوزيرين الكتائبيين جورج سعادة ولويس ابو شرف المساعدة في تسليم كم واحد مقابل تسليم العناصر الفلسطينية التي سببت الحادث ومهّدت له، فكان جواب الوزيرين أن لا معلومات لديها، وقالا: «على كل حال نحن مستعدون لتسليم أي كتائبي تثبت علاقته بالموضوع». وطلب الوزيران من رئيس الحكومة تزويدهما بأسماء الأشخاص الذين أظهر التحقيق علاقتهم. ويؤكّد البيان - الوثيقة أنّ ما كان يهمّ الرئيس رشيد الصلح: «لائحة ببعض الأشخاص كيفما كان، لأنّ المقصود تقديمهم بغرض التهدئة». ويضيف البيان، أنّه مع معرفة الجميل أنّ القضية هي أكبر وأبعد من «تسليم «كم واحد»، وتأكّده من أنّ لا حل سوى بقيام السلطة بأنواعها، وأنّ المسألة لن تتوقف بمجرد تسليم من أطلق عليهم أبطال الحادثة، فإنّه نزل عند إلحاح الوسطاء الذين خالوا عن حسن نية أو سوء تقدير وقصر نظر أنّ الذيول ستنحسر، ومسلسل الأحداث سيتوقف عندما يدخل «الكم واحد» إلى السجن. فأوعز بتسليم من يثبت انّه كتائبي من بين لائحة الأسماء السبعة التي وضعتها مديرية الأمن الداخلي. وهكذا تمّ تسليم مارون الشيتي وحنا عون، في عملية مؤثرة لم يتمالك خلالها الشيخ بيار من إرسال دمعة غالية، لأنّه يعرف انّه يسلّم بريئين، لا بل فديتين، أو قل فدائيين لا علاقة لهما من قريب أو بعيد بالحادثة. لكن للتهدئة ظروفها وأسبابها... لعل وعسى. وقد أمضى الشيتي وعون أربعة أشهر موقوفين في النظارة بتهمة عجز التحقيق عن إثباتها فتمت تبرئتهما».

 

وأورد البيان - الوثيقة سلسلة اعترافات وشهادات على لسان ياسر عرفات (ابو عمار) صلاح خلف (ابو أياد) خالد الحسن (ابو سعيد)، محسن دلول، سائق بوسطة عين الرمانة مصطفى رضا حسين (ابو رضا) الذي نفى في حديث له نشرته مجلة «الأفكار» عدد 765 الصادر نهار الاثنين 14 نيسان 1997 في صورة قاطعة أن يكون أحد الكتائبيين في الحادثة، مؤكّداً تمام التأكيد معرفته بالجهة التي قامت بها لعلاقة تربطه بعناصرها والتي قد تكون سبباً في نجاته من الموت. وقد أورد في الحديث تفاصيل عن فرار معاون البوسطة قبل أمتار قليلة من مكان الحادثة، بعدما ألحّ عليه سلوك هذا الطريق. وكأنّ المقصود الوصول إلى النتيجة التي أوصلت إليها هذه الحادثة البلاد».

 

في الواقع، كانت حادثة «البوسطة» الشماعة أو «راجح الكذبة» التي مهّدت لحرب طال أمدها، وتشعبت زواريبها، وكان اللبنانيون من كل الطوائف وقودها، وباعدت بين المناطق، وشطرت العاصمة، وفرّخت حروباً جوّالة، وتسببت باستشهاد مئات آلالاف وتهجيرهم. ولا يبدو أنّ لبنان تعافى من آثار الحرب وذيولها.

 

ومن الواضح أنّ لبنان وقع في براثن مؤامرة دولية - إقليمية جعلت منه منصة للانطلاق إلى ملفات أخرى ومعبراً إلى خطط أوسع، ومنها بناء منظومة من الاتفاقات والمصالح تنسجم مع طبيعة تلك المرحلة. وثمة من يجزم من المحللين، أنّ الحرب اللبنانية مهّدت لاتفاق «كمب ديفيد»، وكانت مدرجة لتفاهمات بين دول المنطقة، فتحت نار القذائف كانت ترسم بدم اللبنانيين والفلسطينيين الذين وقعوا وأُوقعوا في فخ الحرب، واستُدرجوا إلى مستنقع أُغرقوا فيه، ولم يجنوا منه إلّا خسارة إستراتيجية شرعوا يتلمسون نتائجها اليوم. لكن ذلك كله لا يحجب أنّ خلافات جوهرية وأساسية لا تزال تحكم علاقات اللبنانيين بعضهم ببعض، وأنّ عليهم تقديم المشتركات في ما بينهم والانطلاق منها لبناء مستقبل جديد لوطنهم لا يحمل بذور الانفجار الذاتي، لئلا تعود المأساة بوجه أو بآخر. وإذا كان لا بدّ من دعاء، فليكن: «تنذكر وما تنعاد». ففي الإعادة تدمير شامل للوطن والإنسان. فحذارِ، حذارِ من «بوسطة» جديدة و«معاون» يحرفها عمداً عن مسارها.

theme::common.loader_icon