

هذا الفيلم، المستند إلى رواية روبرت هاريس الصادرة عام 2016 والتي تحمل العنوان نفسه، يتمحوَر حول كاردينال بريطاني (رالف فاينس الرائع)، وحملة لاختيار بابا جديد.
لا توجد ملصقات تأييد لكامالا هاريس أو دونالد ترامب تُزيِّن السيارات التي تنطلق بين الحين والآخر في فيلم Conclave. فسباق الرئاسة الحالي أكثر إثارة وأهمية، لكن لا يزال هناك الكثير على المِحَك في هذا الفيلم الانتخابي الماكر والأنيق، الذي يدور حول اختيار بابا جديد للكنيسة الكاثوليكية.
بمزيج من الفخامة والبروتوكولات، وأميال من القماش القرمزي، وأداءات مذهلة من طاقم الممثلين، يتسلّل الفيلم عبر الممرّات الرخامية لمدينة الفاتيكان، ويتوقف في غرف نوم باردة كالمقابر، ويغوص في أعمق أسرار القلب البشري. إنّها رحلة مثيرة، على رغم من أنّها غير مقنعة بقدر ما هي مسلية.
لطالما كانت قصص الفاتيكان مصدر جذب لهوليوود. من السهل فهم جاذبية هذه الدولة-المدينة الصغيرة، بما يتجاوز روائعها الفنية التي لا تُحصى. السينما تعشق القصص التي تتناول مؤسسات أبوية غامضة (على الأقل بالنسبة إلى العامة)، هرمية للغاية، ثرية بشكل يفوق الخيال، تحكمها قواعد سلوك صارمة، وتتمتع بسلطة هائلة.
قد يبدو هذا الوصف شبيهاً بالمافيا، لكنّه ينطبق أيضاً على هوليوود نفسها. وما تُحبِّه السينما أكثر هو القصص الساخرة برفق، التي تمدح ذاتها في نهاية المطاف، وتساهم في خلق الأساطير - وهو ما ينطبق تماماً على هذا الفيلم.
يُركّز Conclave، المستند إلى رواية روبرت هاريس عن المؤامرات الفاتيكانية، على الكاردينال البريطاني لورانس (رالف فاينس في أداء مذهل).
رجل دين تتسمّ عقيدته بالشك، لكنّه يتمسك بقناعاته الراسخة في كل شيء آخر. عيناه المنهكتان تنضحان بالحزن، وحساسيّته الرفيعة تتجلّى بوضوح، وهو يشغل منصب عميد مجمع الكرادلة، الهيئة المسؤولة عن اختيار البابا الجديد بعد وفاة البابا الحالي.
يبدأ الفيلم بمشهد للورانس يُهروِل في شوارع مظلمة، ليجد نفسه وسط دراما متسارعة تعجّ بالرجال الهامسين والمسرعين - رجالٌ سيكون أحدهم الزعيم الجديد للكنيسة الكاثوليكية. هناك حضور نسائي أيضاً، لكنّه مقتصر تقريباً على إيزابيلا روسيليني، التي تتقن فنَ النظرات الجانبية كالأخت أغنيس.
بينما يتصاعد الإيقاع السردي، يُواصل الكرادلة الهَمس والتحرّك بسرعة. يعاني لورانس من أزمة شخصية - يصفها هاريس بـ"أرق روحي من نوع ما" - وكان قد طلب من البابا السماح له بمغادرة روما للقيام بخلوة دينية.
لكنّ البابا رفض، قائلاً إنّ البعض مختارون ليكونوا رعاة، بينما آخرون يجب أن يُديروا المزرعة. ومع وفاة البابا، يجد لورانس نفسه مضطراً لأداء واجبه، متولياً مسؤولية إدارة العملية المعقّدة لانتخاب البابا، وهي مهمّة تتطلّب إبقاء الكرادلة معزولين حتى الإعلان عن Habemus papam ("لدينا بابا") - لكن حتى ذلك الحين، كل كاردينال يقاتل لمصلحته الخاصة.
تدور القصة حول المرشحين الرئيسيين، وهم مجموعة متوازنة من الشخصيات المخلصة والمخادعة والمحنّكة، الذين يُحيطون بلورانس، بألسنتهم الفضية وأيديهم المتشابكة، وهم يُخطِّطون لتحرّكاتهم.
المُخرِج إدوارد بيرغر وفريقه ملأوا الفيلم بوجوه تعبيرية متنوّعة، بعضها ناعم وحليق، وبعضها الآخر مشدود ولحيَوي. يضمّ الطاقم الأساسي نخبة من الممثلين، مثل ستانلي توتشي، جون ليثغو، لوسيان مساماتي، وسيرجيو كاستيليتو الرائع، الذي يُؤدّي دور كاردينال متجهِّم متحمِّس لاستعادة أيام القداس اللاتيني. القصة كان يمكن أن تستفيد من حضوره بشكل أكبر، ومن غضبه المريب الذي يُضفي أجواء تهديدية.
حُوِّلت العديد من روايات هاريس إلى أفلام، وهنا يُخدَم عمله بشكل جيد بفضل بيرغر وكاتب السيناريو بيتر ستروغان، الذي شارك في كتابة النسخة المتميّزة لعام 2011 من فيلم "الجاسوس الذي جاء من البرد" لجون لو كاريه.
الفيلم مليء بالحوار، وليس فقط همسات في الزوايا المعتمة، لكنّه يظل طبيعياً إلى حدٍ كبير. حتى عندما تصاعدت التوترات، ونفخ الكرادلة صدورهم المغلّفة باللون الأحمر، أو اشتبكوا في مواجهات، فإنّ الحوار نادراً ما ينزلق إلى الشرح الفج.
مع ذلك، في لحظة معيّنة، يُقدِّم أحد الشخصيات خطاباً وعظياً مثيراً للشفقة، وهو مشهد يكاد يكون إلزامياً في الأفلام السائدة التي تنتقد المؤسسات من دون أن تذهب بعيداً جداً، حتى تتمكن من تمجيدها في النهاية.
عندما يجتمع الكرادلة في كنيسة سيستين لعقد المجمع، جالسين على طاولات طويلة في مواجهة بعضهم البعض، يمكنك أن تشعر بالديناميكية في نظراتهم المتبادلة وفي تصلّبهم الصارم.
لا يبالغ بيرغر في هذه النقطة، لكنّه يحب أن يضع الشخصيات، وخصوصاً لورانس، في منتصف الكادر، وهي إشارة ذكية ربما إلى منظور عصر النهضة، لكنّها تتماشى أيضاً مع النظام الاحتفالي للعالم الذي يُصوّره، ومع الطقوس الكئيبة للمجمع السرّي.
تستمر أزمة لورانس الروحية في التذبذب بينما يقترب التصويت من مرحلته الحاسمة. فايينس، بمهاراته التمثيلية الاستثنائية، يجعل صراع الشخصية ملموساً؛ يمكنك أن ترى حزنه، الذي لا يقتصر فقط على البابا الراحل، بل يكاد يسحبه للأسفل كطاحونة حجرية.
تتفرّع هذه الأسئلة في حبكات فرعية عدة، من بينها التلاعب الانتخابي التقليدي، وسوء استخدام السلطة. لكن، وبسبب سيطرة الأداءات القوية على الفيلم، تظهر هذه الأزمات وكأنّها مشاكل شخصية أكثر من كونها إخفاقات مؤسسية.
يظلّ هذا الشعور قائماً حتى عندما يبدأ العالم الخارجي بالضغط على رجال الدين المعزولين، وتبدأ القنابل - حرفياً ومجازياً - بالانفجار. واحدة منها كان يُفترض أن تلقي الضوء على كل تلك التساؤلات والتطوّرات، لكنّها تأتي متأخّرة، وبطريقة غير أنيقة وغير مقنعة، ممّا يتسبّب فقط في إحداث ثغرة كبيرة في الفيلم، فيكون الدمار واضحاً، لكنّ تأثيره العاطفي والمعنوي لا يُستغل بعمق.








