ضاقت المساحة الزمنية الفاصلة عن موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المحدّدة في التاسع من كانون الثاني المقبل، من دون أن يوازيها حتى الآن، الإنطلاق الفعلي نحو بناء الأرضية التوافقية الإلزامية التي يفترض أنْ يقوم عليها هذا الإستحقاق. وسط حديث في الصالونات والمجالس السياسيّة عن بدء دوران العجلة التوافقيّة في فترة ما بعد عطلتي عيدي الميلاد ورأس السنة. وإذا كان التوافق على مرشّح او عدد من المرشّحين يعدّ مهمّة صعبة، الاّ انّ ما لا يقلّ صعوبة عن ذلك هو ضمان النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقرّرة في 9 كانون الثاني، والتزام الاطراف السياسية بالحفاظ على نصاب الجلسة انعقاداً وانتخاباً.
الجلسة مثمرة
رئيس مجلس النواب نبيه بري يؤكّد «أن لا تغيير أو تعديل في موعد الجلسة الإنتخابيّة»، ويذهب إلى حدّ الجزم بـ«أنّها ستكون منتجة ومثمرة، ولاسيما انّ موجبات حسم الاستحقاق الرئاسي باتت تضغط بقوة شديدة على الواقع اللبناني، وتفرض اولوية احتواء آثار العدوان الاسرائيلي، وتدارك ما قد يفرزه المشهد السوري الجديد من تداعيات، تضع كلّ المكونات السياسية في لبنان من دون استثناء، أمام امتحان القدرة الوطنية على تحصين البلد في وجه عواصف المنطقة».
منسوب التفاؤل عالي المستوى في عين التينة، الّا انّه، لكي لا يبقى حتى الآن تفاؤلاً من طرف واحد، يقتضي أن تتلقف الأطراف السياسية الكرة وتنخرط في مسار الحسم الرئاسي في جلسة 9 كانون الثاني. وبحسب مصادر عين التينة، فإنّ الرئيس بري كما يعوّل على انتخاب رئيس للجمهورية في 9 كانون الثاني، بحيث يشكّل هذا التاريخ حداً فاصلاً ونهائياً للوضع الشاذ في موقع الرئاسة الاولى، وللتراكم المتوالي للسلبيات والتعقيدات والمشكلات منذ بدء الشغور الرئاسي قبل أكثر من سنتين، وبالتالي فرصة ثمينة جداً للانتقال بالبلد إلى مرحلة النهوض من جديد، فإنّه يعوّل بالقدر نفسه على الخطوة التالية لهذا الانتخاب المتمثلة بتشكيل حكومة جديدة، يرى وجوب أنْ تتحقق تكليفاً وتأليفاً، في غضون أيّام قليلة لا تتجاوز نهاية الشهر الاول من السنة الجديدة».
لا خروج حتى الانتخاب
المرسوم لجلسة 9 كانون الثاني، على ما تقول مصادر مجلسية لـ«الجمهورية»، هو انّه إن أمكن حسم الانتخاب في جلسة اولى فذلك إنجاز كبير، اما اذا تعذّر ذلك، فالجلسات ستتوالى بدورات متتالية اولى وثانية وثالثة ورابعة وربما اكثر، ولا خروج للنواب من القاعة العامة لمجلس النواب الّا بعد انتخاب رئيس للجمهورية. وامّا الشرط الأساس لكل ذلك، فهو توفّر الإرادة التوافقيّة التي ينبغي أن تعبّر عن نفسها بكلّ وضوح في الفترة الحالية الفاصلة عن موعد الجلسة، والتي تتجلّى في التزام الاطراف السياسية والنيابية بنصاب تلك الجلسة انعقاداً وانتخاباً (نصاب الثلثين من عدد أعضاء مجلس النوّاب أي 86 نائباً فما فوق).
تجميع الصّورة
وفي انتظار إطلاق عجلة المشاورات التوافقية، فإنّ رصد الأجواء السياسية المرتبطة بالملف الرئاسي يفيد بأنّ النقاش السياسي يتحرك حالياً ضمن نطاقات ضيّقة في ما تبدو انّها محاولة لتجميع الصورة الرئاسية، ويغلب عليه المنحى الاستطلاعي في اتجاهات متعددة:
الاول، لمدى استعداد الأطراف إلى التوافق على مرشّح او اثنين او اكثر. ويلحظ في هذا الاطار، أنّ حزب «القوات اللبنانية» وحلفاءه لم يعبّروا عن رغبة صريحة بالتوافق. كما أنّ «حزب الله» لا يزال صامتاً حتى الآن. علماً انّ موقفه يتلخص باستمرار تمسّكه بترشيح فرنجية، وثمة من يؤكّد انّه ليس في وارد التخلّي عن هذا الترشيح او الدخول في توافق على مرشّح آخر.
الثاني، لمدى رغبة الاطراف في التجاوب مع الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية في جلسة 9 كانون الثاني، وتأكيد الالتزام بالمشاركة في تلك الجلسة والحفاظ على نصابها انعقاداً وانتخاباً.
الثالث، لمدى استعداد الأطراف على عدم وضع فيتوات على أي من المرشحين، وبالتالي ترك اللعبة البرلمانية والديموقراطية تأخذ مجراها، وليربح من يربح من المرشحين.
الرابع، للإطلاع على أجندة الشخصيات الثابتة جدّياً في نادي المرشحين لرئاسة الجمهورية. وللاستفسار عمّن هي الشخصية أو الشخصيات التي تنطبق عليها مواصفات التوافق وعدم التحدّي لأي طرف، وأيها الأوفر حظاً لكي يقع عليها الاختيار.
لا تبدّل حتى الآن
مصادر سياسية واسعة الإطلاع أكّدت لـ«الجمهورية» أنّه بناءً على استطلاع مواقف القوى السياسية، فإنّ الصّورة تتلخّص بما يلي:
اولاً، وجهة التوافق المسبق على مرشح أو مرشّحين ما زال يشوبها تعسّر، كونها لم تحسم من حيث المبدأ حتى الآن. حيث انّ قوى سياسية فاعلة لم تبدر منها أي اشارة تفيد بأنّها تقبل بهذا التوافق الذي اعتبرته يخلق آلية مخالفة للدستور، وشكّل رفضها له قاعدة ارتكاز لموقفها من الملف الرئاسي منذ بدء الفراغ الرئاسي وحتى الآن.
ثانياً، عدم حسم وجهة التوافق، نتيجته الطبيعية بقاء موضوع النصاب معلّقا حتى إشعار آخر. واكثر من ذلك، ما خلا الرئيس بري، فإنّ أيّ طرف لم يقدّم حتى الآن إشارة او إيحاء او تصريحاً يؤكّد التزامه بتوفير نصاب الجلسة الانتخابية في كل دورات الانتخاب.
ثالثاً، على مستوى المرشحين، لا يوجد أي تبديل في ما خصّ الترشيحات او الانسحابات، فثم العديد من الأسماء مدرجة في قائمة المرشحين: قائد الجيش العماد جوزف عون، رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، المدير العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، الوزير السابق زياد بارود، فريد الخازن، العميد جورج خوري، الوزير السابق ناصيف حتي، سمير عساف وغيرهم. وقد انضمّ بالأمس إلى النادي النائب نعمة افرام الذي اعلن ترشيحه رسميّاً لرئاسة الجمهورية. وحتى الآن، كل تلك الأسماء ثابتة في النادي، ولكن من دون ترجيح كفة أيّ من هذه الأسماء، بالإضافة الى أنّ احداً منهم لم يعلن انسحابه، (ضمن هذا السياق ليس ما يؤشر الى أنّ الوزير فرنجية سينسحب من السباق الرئاسي).
رابعاً، ليس مستبعداً أن يكون ما يتمّ تداوله من أسماء لمرشحين معيّنين في الإعلام عملية متعمّدة لحرق مرشحين، وخصوصاً في موازاة ما يبدو انّه همس متجدّد لترجيح أحد الخيارات الرئاسية. وثمة كلام كثير داخل الغرف المغلقة عن دخول «قوى دولية كبرى» على الخطّ الرئاسي، وتشدّ نحو تغليب خيار أحد المرشّحين البارزين، ويتردّد في هذا الاطار أنّ اتصالات مباشرة بهذا المعنى تركّزت على عدد من النواب. وضمن هذا السياق يندرج موقف بعض سفراء اللجنة الخماسية.
يُشار في هذا السياق، إلى معلومات تفيد بتجدّد النقاشات في بعض المجالس حول ترشيح قائد الجيش، حيث أنّ ثمة آراءً سابقة أكّدت انّ ترشيحه يتطلب تعديلاً للدستور، وهو ما أكّد عليه الثنائي الشيعي، الّا أنّ رأياً آخر أُعيد طرحه في هذه المرحلة، ويفيد بأنّ الدستور لا يشكّل حائلاً دون ترشّحه، حيث أنّ في الإمكان استنساخ سيناريو انتخاب الرئيس ميشال سليمان في ايار من العام 2008.
رئيس توافق
إلى ذلك، أكّد السفير المصري في لبنان علاء موسى، أنّ «الرئيس القادم يجب أن يحمل معه مواصفات معينة تسهّل عمله، فالمطلوب منه أمور عدة ينبغي ان يتعامل معها وان يكون لديه تكاتف من القوى السياسية».
وأوضح موسى أنّ «المقصود بالرئيس الجامع أن يكون حاصلًا على التوافق بين الكتل النيابية، وبالتالي يجب ان يأتي بأكبر عدد من الأصوات». وكشف عن أنّ «الاجتماع الأخير بين اللجنة الخماسية والرئيس نبيه بري كان من أفضل وأكثر الاجتماعات وضوحاً، وبري أكّد التزامه بجلسة 9 كانون الثاني، وأنّه يسعى إلى الوصول لرئيس توافقي، وانّ الرئيس سيدعم القرار 1701».
ميقاتي يلتقي البابا
على صعيد سياسي آخر، التقى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في الفاتيكان أمس، البابا فرنسيس في مكتبه في الكرسي الرسولي، وعُقدت بينهما خلوة استمرت نصف ساعة.
وقال ميقاتي، انّه عرض مع قداسته «تطورات الوضع اللبناني من جوانبه كافة، وشدّدت على الوحدة الوطنية التي لا تزال تميّز وطننا وشعبنا رغم كل الظروف والتطورات. كما عبّرت عن تمسكنا بالعيش الواحد وبدور لبنان الرسالة في المنطقة، وكذلك بالوجود المسيحي الذي هو ضمانة لوحدة لبنان، أرضاً وشعباً. وعلى هذا الأساس، تمنينا أن نصل إلى وضع حدّ للشغور في سدّة الرئاسة في القريب العاجل، وأبلغت قداسته أنَّ الدور المطلوب من القيادات المسيحية في هذا الملف هو الأساس بالشراكة والتعاون مع كل المكوّنات اللبنانية».
أضاف: «إنّ رئاسة الجمهورية لا تعني المسيحيين وحدهم بل هي استحقاق وطني بامتياز تتشارك فيه كل مكوّنات المجتمع اللبناني.. هذا ما نؤمن به ونتمنى أن يتحقق في القريب العاجل».
وتابع: «كذلك، أثرت مع قداسة البابا والمسؤولين في الكرسي الرسولي عدداً من المواضيع ومنها الضغط على إسرائيل لجلاء موضوع الأسرى اللبنانيين في اسرائيل والإسراع في الانسحاب من الاراضي اللبنانية، تنفيذاً لتفاهم وقف اطلاق النار».
وقال: «أثرت أيضاً مع قداسته ما يجري حالياً في سوريا، وشدّدت على ما سبق وصرّحنا به كوننا نتمنى للشعب السوري الاستقرار والمحافظة على وحدة الشعب السوري ومشاركة كل مكوّناته في اختيار نظام سياسي يتناسب مع طموحاتهم لمستقبل سوريا، مع الحفاظ على وحدة هذا البلد وسيادته». وأردف: «إنّ لبنان بكل فئاته وعلى المستويات كافة يكنّ لقداسة البابا كل احترام ومحبة وتقدير، كما أنّ الشعب اللبناني ممتنّ لقداسته لمواقفه الداعمة دوماً للبنان ورسالته ووحدة أبنائه. نحنُ نثمّن عالياً الجهود التي يبذلها الكرسي الرسولي لدى دول القرار للحفاظ على لبنان وإيجاد الحلول المناسبة لأزماته». وختم: «كرّرنا لقداسته رغبة لبنان بكل أطيافه بأن يزور وطننا حالما يرى الأمر مناسباً، لأننا نعتبر زيارته أملاً ورجاء للشعب اللبناني».
والتقى ميقاتي ايضاً، أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بياترو بارولين الذي شدّد على أنّ «لبنان كان على الدوام مثالاً للعالم حول كيفية تعايش المجتمعات مع بعضها البعض». وأشار الى أنّ «لبنان يحظى باهتمام خاص من الكرسي الرسولي». وقال: «نحن منذ سنتين ننادي بانتخاب رئيس للجمهورية ونتمنى حصول ذلك في الموعد المحدّد وان يكون رئيساً قادراً على أن يجمع اللبنانيين تحت سقف الدستور». وشدّد على أنّ الفاتيكان سيبذل جهوداً لدعم لبنان في المحافل الدولية.
الوضع الميداني
ميدانياً، على الوتيرة ذاتها منذ الإعلان عن اتفاق وقف اطلاق النار، استمرت الخروقات الاسرائيلية لهذا الاتفاق، والجديد في هذا السياق اعتداءات متتالية على القرى والبلدات المتاخمة لخط الحدود الدولية وسلسلة غارات جوية نفّذها الطيران الاسرائيلي المسيّر على بعض البلدات، بالتوازي مع تحذيرات إسرائيلية متتالية لأبناء القرى الحدودية من العودة اليها. واكّدت مصادر أمنية لـ«الجمهورية» انّ الجانب اللبناني أعدّ جدولاً موسعاً بهذه الخروقات، سواء الاعتداءات بالقصف والغارات او بالخرق المتواصل للأجواء اللبنانية وتحليق الطيران الحربي والمسيّر على علو منخفض وصولاً إلى أجواء العاصمة بيروت. وأحاله الى لجنة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار لإجراء المقتضى حول هذه الخروقات ومنعها.
في هذه الاجواء تواصل وحدات الجيش اللبناني عملية انتشارها في البلدات الحدودية، وسُجّل في هذا الاطار انتشار في بلدة الخيام، ترافق مع كشف ميداني على المفخخات التي خلّفها الجيش الاسرائيلي في البلدة التي توغل إلى أحيائها بعد الاعلان عن اتفاق وقف النار.
وفي سياق متصل، عُقد لقاء أمس، بين وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم، وقائد الجيش العماد جوزف عون ورئيس الأركان اللواء حسان عودة. وجرى بحث في الأوضاع الأمنية في البلاد، لا سيما في الجنوب وبدء انتشار الجيش إنفاذاً لترتيبات وقف إطلاق النار وخطة الإنتشار في المنطقة بالتنسيق مع اللجنة الخماسية لمراقبة تنفيذ هذه الترتيبات.
وأشار سليم الى «مواصلة الجيش الإسرائيلي تنفيذ خروقاته واعتداءاته على قرى الجنوب، في خرق فاضح لبنود ترتيبات وقف إطلاق النار وللتعهدات التي قدّمتها الدول الراعية لها، وفي انتهاك صارخ للسيادة اللبنانية وللقرار 1701». وأكّد أنّ «على المجتمع الدولي، لا سيما الدول الراعية لوقف اطلاق النار، الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف انتهاكاته والالتزام بالترتيبات التي تقضي بوقف الأعمال العدائية والإنسحاب الى ما وراء الحدود الدولية تطبيقًا للقرار 1701».