ككرة الثلج تتصاعد الحركة الرئاسية منذ تشغيل عدّاد الوقت الفاصل عن جلسة التاسع من الشهر المقبل، وقد كسر ترشيح النائب نعمة افرام لنفسه، مرحلة الاستكشاف وجسّ القدرة على تسويق الخيارات، وبدأ البحث جدّياً في الأسماء ونقاط الإجماع حولها، وباتت هناك أسماء من الماضي وأسماء جديدة. وفي الموازاة تنصّب الاهتمامات على المشهد السوري وما يمكن ان يكون عليه مستقبل العلاقة اللبنانية ـ السورية.
وسط هذا الحراك الداخلي الآخذ بالتوسع برزت حركة رديفة للمجموعة الخماسية ولكن ليس على شاكلة الحراك السابق الذي كانت تتسلّم فيه القيادة، إذ اكتفت اللجنة بلقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل ان تنصرف إلى عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة، حيث علمت «الجمهورية» انّ السفيرة الأميركية ليزا جونسون ستغادر خلال الساعات المقبلة إلى الولايات المتحدة وسيتبعها السفير السعودي وليد البخاري إلى بلاده ثم السفير المصري علاء موسى والسفير الفرنسي هيرفيه ماغرو تباعاً...
وقال السفير المصري علاء موسى لـ«الجمهورية»: «اكّدنا انّ العمل الآن ليس للخماسية إنما للقوى السياسية وهي فعلاً بدأت تعمل ثم في مرحلة ما إذا ما طُلب منا المساعدة في بعض الأمور نحن مستعدون، ومن خلال الحركة التي نراها اليوم يمكن أن تصل هذه القوى إلى مستوى من التواصل والقرار لا تحتاج فيه إلى تدخّل الخماسية، لكن نحن جاهزون للمساعدة إذا ما طلب منا ذلك بعد ان يكون الأفرقاء قد قطعوا شوطاً مهمّاً في الحوار داخل كل تكتل سياسي في ما بينهم ومع الكتل الأخرى».
واكّد موسى مجدداً «انّ الخماسية لم تتحدث مع الرئيس بري في الأسماء، واكّدت وجوب أن يدعم الرئيس المقبل تطبيق وقف إطلاق النار والالتزام بالقرار 1701، ولا بدّ من العمل على تطبيق اتفاق الطائف بكامله، وهذه هي العناوين الأساسية والرسالة التي أوصلتها الخماسية إلى الرئيس بري الذي اكّد لنا التزامه بجلسة التاسع من كانون الثاني وأنّه يسعى إلى رئيس توافقي وانّ جميع القوى السياسية في لبنان تؤكّد أهمية الالتزام بتطبيق القرار 1701 وأنّ الفترة المقبلة سيكون فيها حوار بين القوى السياسية وأنّه يسعى بكل جهده للتوصل إلى رئيس توافقي، لأنّ لبنان في هذه المرحلة يحتاج إلى رئيس توافقي وليس رئيس تحدّي».
ورأى موسى «انّ التطورات تستدعي سرعة العمل من داخل لبنان على انتخاب رئيس وتشكيل الحكومة لتفعيل مؤسسات الدولة بكاملها، لأنّ الظرف يتطلّب لبنان قوياً يمكن له أن يواجه ما يحوط به من تعقيدات».
حقل تجارب
وإلى ذلك، قالت اوساط سياسية لـ«الجمهورية» انّ جلسة 9 كانون الثاني الانتخابية باتت محور الاهتمام الداخلي، وهي ستظل عنصر الجذب السياسي حتى موعد انعقادها. ولفتت إلى انّ الفترة الفاصلة عن تاريخ انعقاد الجلسة ستكون أقرب إلى «حقل تجارب»، وانّ بورصة الاسماء ستظل عرضة للتقلّبات الى حين ان تستقر الأمور في نهاية المطاف على واحد من أمرين: إما التوافق في ربع الساعة الأخير على اسم مقبول من معظم القوى الاساسية بغطاء خارجي، وإما ترك الجلسة لدينامية المعركة الديموقراطية حتى انتخاب رئيس يحظى بالأكثرية المطلوبة.
واشارت الاوساط إلى انّ الرئيس نبيه بري مصمم على أن تنتهي جلسة 9 كانون الثاني إلى انتخاب رئيس الجمهورية مهما كلّف الأمر وهو سيسعى إلى ضمان البيئة الملائمة لنجاحها عبر المشاورات التي يجريها سواء مع القوى الداخلية او مع اعضاء اللجنة الخماسية لإعطاء خيار التوافق كل الفرص الممكنة، في اعتباره الأنسب بغية ضمان انطلاقة قوية للرئيس المقبل. واعتبرت الاوساط انّه اذا تعذّر تحقيق التوافق على اسم محدّد، فإنّ مسار الجلسة سيكون مرشحاً لكل الاحتمالات.
بدء الانسحاب الإسرائيلي
وعلى الصعيد الجنوبي، بدا أنّ واشنطن تعمل لمنح اتفاق وقف النار زخماً استثنائياً من خلال الحضور المفاجئ لرئيس هيئة القيادة الأميركية الوسطى الجنرال مايكل كوريلا إلى لبنان، ومواكبته الحثيثة للمجريات في الخيام، حيث بدأ الجيش اللبناني ينفذ أولى خطوات الانتشار جنوباً.
ولكن في الموازاة، أبدت المصادر المواكبة عبر «الجمهورية» قلقها الشديد من طريقة التعاطي الإسرائيلية مع هذا الملف. وعلى الأرجح، تعمّدت إسرائيل في الأيام الأخيرة تكثيف خروقاتها للاتفاق، سواء بالغارات وعمليات القصف والنسف التي أدّت إلى سقوط مزيد من الشهداء، أو بمنع الأهالي في عدد من قرى الجنوب من الدخول إليها، أو من خلال التحليق المتواصل للطائرات والمسيّرات في الأجواء اللبنانية وصولاً إلى بيروت.
واعتبرت المصادر أنّ هذا الإمعان الإسرائيلي في خرق الاتفاق، على مرأى ومسمع من أركان لجنة المراقبة وقيادتها الأميركية، هو سلوك متعمّد يهدف إلى إحراج الجانب اللبناني ووضعه أمام أحد خيارين مريرين: فإما أن يقوم بالردّ على الخروقات ويتمّ تحميله المسؤولية عن انهيار وقف النار وعودة الحرب، وإما أن يرضخ للأمر فيكرّس اعترافه بحق إسرائيل في خرق الاتفاق والتصرف بمضمونه وفق ما يناسبها، من دون أي رادع. وهذا الأمر يُخشى أن تكون له عواقب وخيمة في مراحل لاحقة.
وفي هذا السياق، لاحظ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في بيان انّه «لم تمرّ اربع وعشرون ساعة على بدء الجيش الانتشار في منطقتي الخيام ومرجعيون تطبيقاً لقرار وقف إطلاق النار حتى عاود العدو الاسرائيلي استهداف بلدة الخيام بغارة أدّت الى سقوط شهداء وجرحى». وشدّد على «أنّ هذا الغدر الموصوف يخالف كل التعهدات التي قدّمتها الجهات التي رعت اتفاق وقف النار وهي الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا، والمطلوب منهما تقديم موقف واضح مما حصل ولجم العدوان الاسرائيلي». وقال: «انّ هذه الخروقات المتمادية برسم لجنة المراقبة المكلّفة الاشراف على تنفيذ وقف اطلاق النار والمطلوب منها معالجة ما حصل فوراً وبحزم ومنع تكراره».
أول انسحاب
في غضون ذلك اعلنت القيادة المركزية الأميركية «سنتكوم» في بيان، أنّ قائدها الجنرال إريك كوريلا «كان حاضراً في مقر التنفيذ والمراقبة أثناء أول انسحاب تنفّذه القوات الإسرائيلية وحلول القوات المسلحة اللبنانية محلّها في الخيام بلبنان في إطار اتّفاق» وقف إطلاق النار. ونقل البيان عن كوريلا قوله «هذه خطوة أولى مهمّة في تنفيذ وقف دائم للأعمال العدائية، وهي تضع الأساس لتقدّم مستمر».
وحسب «سنتكوم» فقد التقى كوريلا في بيروت قائد الجيش العماد جوزف عون، وناقش وإياه «الوضع الأمني الراهن والمتغيّر في سوريا، وتأثيره على الاستقرار في المنطقة، وسبل تعزيز الشراكة العسكرية بين الجيش اللبناني والقيادة المركزية الأميركية».
وسبق ذلك اعلان الجيش الإسرائيلي في بيان، إنّ لواءه السابع «أنجز مهّمته في الخيام في جنوب لبنان». وأضاف «وفقاً لتفاهمات وقف إطلاق النار وبتنسيق من الولايات المتحدة، ينتشر جنود من القوات المسلحة اللبنانية في المنطقة بالاشتراك» مع جنود من قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل)» في جنوب لبنان.
سوليفان
وفي هذه الأثناء، أشار مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان الذي يزور اسرائيل الى «أننا نقف إلى جانب إسرائيل وقدّمنا لها يد العون في التصدّي للاعتداءات الإيرانية، و«حزب الله» لم يعد في إمكانه بناء قدراته العسكرية». ولفت الى أنّ «هدف زيارتي هو التأكّد من أنّ وقف إطلاق النار ينفّذ بشكل كامل والاستفادة من الفرصة بعد انهيار نظام الأسد، وبايدن ملتزم بعدم حصول إيران على السلاح النووي». وأضاف: «نعمل الآن على التوصل لاتفاق لإطلاق الرهائن في غزة وآن أوان التوصل الى اتفاق لاستعادتهم جميعاً»، مؤكّداً أنّ «اتفاق وقف إطلاق النار سيسمح بإطلاق الرهائن وإدخال المساعدات الإنسانية لغزة». وقال: «اتفاق وقف إطلاق النار سيبدأ بإعادة الرهائن إلى الوطن وزيادة المساعدات بشكل كبير لغزة».
الموقف الإيراني
وفي المقابل، اكّد قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، أنّ «جبهة المقاومة مستقلة عن الجغرافيا الإيرانية، و«حزب الله» ما زال فاعلاً ونشطاً وحياً»، مشيراً الى «أننا كنا نعلم بحركة المسلحين في سوريا وأخبرنا قيادتها، لكن غياب إرادة المقاومة أدّى الى ما حدث». ولفت إلى أنّ «طرق دعم المقاومة لا تزال مفتوحة وليست محصورة بسوريا وقد يتغيّر الوضع هناك تدريجياً»، معتبراً أنّ «إيران لم تفقد أذرعها الإقليمية وتتخذ قراراتها بناءً على قدراتها الداخلية». واوضح أنّ «الحرس الثوري كان آخر من غادر جبهة المقاومة في سوريا».