اعتباراً من ساعات ليل الاثنين الثلاثاء كانت بدأت العملية العسكرية الاسرائيلية في تدرّج متسارع في اتجاه الجانب اللبناني من الحدود، ما يفتح على مرحلة جديدة اكثر خطورة وتعقيداً، لما قد ينطوي على هذه العملية من احتمالات مجهولة.
وعلى الخط الداخلي، اعلن لبنان التزامه بالخطة الدولية لوقف إطلاق النار والتزامه بتنفيذ القرار 1701 واستعداده لنشر الجيش في الجنوب»، وبرز في موازاة ذلك، إعلان «حزب الله» على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم «استمرار الحزب في جبهة إسناد غزة والدفاع عن لبنان، وانّ إسرائيل لم تَطَل قدراتنا»، كما اكّد «جهوزية الحزب للالتحام البري اذا قرّر الاسرائيلي ان يدخل برياً».
العملية البرّية
وسط تصاعد الحديث عن العملية البرّية الاسرائيلية في لبنان، كان لافتاً للانتباه في هذا الاطار، إعلان البيت الابيض «اننا لا نزال نتحدث مع اسرائيل عن الحل الديبلوماسي، ومحادثاتنا لم تتوقف، ونعتقد أن الحل الديبلوماسي هو الطريق لوقف اطلاق النار، وهو كفيل بخلق مساحة للمحادثات الديبلوماسية بشأن لبنان». فيما برز في موازاة ما اعلنته وزارة الخارجية الاميركية بأنّ الولايات المتحدة الاميركية لا تزال تدعم وقف اطلاق النار في لبنان، ولكن في الوقت نفسه يمكن للضغط العسكري في بعض الأحيان تمكين الديبلوماسية». وقالت: «اطلعنا على تقارير بعملية بريّة، وإسرائيل ابلغتنا انّها محدودة وتركّز على بنية «حزب الله» التحتية.
واما على الجبهة الاسرائيلية، فبدت الأمور تنحى بسرعة فائقة نحو العملية البرية، بدأت باجتماعات متتالية عقدها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مع طاقمه الحربي ووزراء الكابينيت. وذكر الاعلام الاسرائيلي انّ نتنياهو طلب من وزرائه التزام الصمت حيال اي عمل عسكري في لبنان. فيما ذكرت صحيفة «معاريف»، «انّ وزراء الكابينيت وافقوا رسمياً خلال اجتماع ليلاً على المرحلة التالية من العمليات في لبنان، وهي شن عملية بريّة محدودة».
في غضون ذلك، أعلن الجيش الاسرائيلي مستوطنة المطلة وما حولها منطقة عسكرية، ولوحظت فيها حشود عسكرية وآلية، واتبع ذلك في ساعات المساء بقصف مدفعي وغارات جوية مكثفة على المناطق اللبنانية القريبة من الحدود، ولاسيما في الوزاني والخيام وكفر كلا وسهل الخيام، إضافة الى مختلف البلدات الجنوبية وصولا الى البقاع. واعلن «حزب الله» ان المقاومة الاسلامية استهدفت عند الحادية عشرة والنصف ليلا تحرّكات لجيش العدو الاسرائيلي في البساتين المقابلة لبلدتي العديسة وكفر كلا بالاسلحة المناسبة وتمكنت من تحقيق اصابات مؤكدة»، كما استهدفت عند منتصف الليل قوة لجنود العدو عند بوابة مستعمرة شتولا بالقذائف المدفعية وحققت فيها اصابات مباشرة. وسبقتهما سلسلة عمليات استهدفت قوة مشاة في موقع الصدح، وقاعدة الناعورة بصواريخ فادي 2، ومستعمرة جيشر هزيف، ومستعمرة ساعر، ومستعمرة كابري، ومستعمرة كفر جلعاد بصاروخ «نور»، تجمعاً للجنود في بيت سيدا، تجمعاً للجنود في مستعمرة يفتاح، تجمعاً للعدو في مربض الزاعورة، عدداً من الكريات شمال شرق حيفا بصواريخ فادي 1.
واعلن الجيش الاسرائيلي انه يوسّع القصف ليشمل مناطق اضافية على طول الحدود مع لبنان. وترافق ذلك مع تحليق على علو منخفض جدا للطيران الحربي الاسرائيلي في اجواء بيروت والضاحية الجنوبية ملقيا بالونات حرارية. وتبعت ذلك تحذيرات اطلقها جيش الاحتلال لسكان مبان في الليلكي وحارة حريك وبرج البراجنة في الضاحية الجنوبية أتبعها قبيل منتصف الليل بسلسلة غارات جوية عنيفة عليها».
وأفيد عن أنّ وحدات الجيش اللبناني المنتشرة في المنطقة قامت بإعادة انتشار في المنطقة، نقلت قناة «الجزيرة» عن مصدر عسكري انّه جاء نتيجة للتهديدات الاسرائيلية. وليلاً نفى مصدر عسكري المعلومات عن انسحاب الجيش لمسافة 5 كيلومترات، بل تمّت إعادة تمركز للعناصر المنتشرة عند نقاط حدودية الى مراكز اكبر.
وتضاربت معلومات الإعلام الاسرائيلي حول توقيت العملية، حيث برز ما بثه هذا الإعلام قرابة منتصف ليل امس، بأنّه «خلافاً للتقارير، لا يوجد حالياً اي دخول بري للجيش الاسرائيلي إلى لبنان»، وكذلك ما نشرته صحيفة «يديعوت احرونوت» العبرية بأنّ العملية البرية لم تبدأ بعد، خلافاً للتقارير التي نشرها هذا الاعلام على مدى نهار امس، نقلاً عن مسؤولين اسرائيليين واميركيين تؤكّد أنّ هذه العملية توشك ان تنطلق.
وليلاً نقل موقع «اكسيوس الاميركي» عن مسؤولين إسرائيليين قولهم «انّهم يستعدّون لغزو بري وشيك يركّز على القرى القريبة من الحدود في جنوب لبنان». كما نقل الموقع عن مسؤولين اميركيين بأنّ واشنطن حذّرت اسرائيل من انّ الغزو سيزيد من دعم «حزب الله» بين اللبنانيين». وسبقت ذلك جملة تقارير اسرائيلية طيلة يوم امس، حيث اكّدت صحيفة «هآرتس» العبرية «انّ نتنياهو ليس مهتماً بوقف اطلاق النار الآن»، فيما اعلن وزير الخارجية الاسرائيلية يسرائيل كاتس «اننا نرفض مقترح التسوية مع «حزب الله» ولن نوافق على وقف اطلاق النار. والطريقة الوحيدة للوصول الى اتفاق هي نقل «حزب الله» إلى شمال الليطاني ونزع سلاحه». وذكر موقع «كان» العبري انّ كاتس ابلغ وزراء خارجية 25 دولة انّ اسرائيل لا تريد وقف اطلاق النار في لبنان». يُضاف الى ذلك ما اعلنه وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت من الحدود الشمالية امس، عن «انّ اغتيال نصرالله مرحلة مهمّة لكنها ليست النهاية، وهدفنا اعادة سكان الشمال وسنفعّل لأجل ذلك قواتنا براً وبحراً وجواً». وتوجّه الى قوات سلاح المدرعات على الحدود قائلاً: «سنستخدم كل قواتنا بما فيها انتم».
وفي السياق ذاته، قالت صحيفة «جيروزاليم بوست» العبرية نقلاً عن مصادر «انّ غزو لبنان قد يكون وشيكاً وربما خلال ايام». فيما كشفت هيئة البث «الإسرائيلية» انّ الجيش يستعد لعملية برية محدّدة في لبنان، وسط ضغوط أميركية غير مسبوقة لمنع هذه الخطوة». واشار موقع «كان» العبري الى «انّ الولايات المتحدة حذّرت إسرائيل من نتائج الاجتياح البري لجنوب لبنان».
لبنان: القرار 1701
في موازاة العدوانية الاسرائيلية، والتهديدات المتتالية التي يطلقها المستويان السياسي والعسكري في اسرائيل بالاستمرار في رفع وتيرة التصعيد اكثر والتلويح بعملية برية ضدّ لبنان، وجّه لبنان ما بدت انّها رسالة إلى المجتمع الدولي، بتأكيد تجاوبه مجدّدا مع المبادرة الدوليّة لوقف إطلاق النار، وإبداء الإلتزام الكامل بالقرار 1701 وتنفيذه، وإرسال الجيش إلى المنطقة الحدودية ليقوم بمهامه بالتعاون والتنسيق مع قوات «اليونيفيل». وقرن هذه الرسالة الخارجية برسالة الى الداخل اللبناني تؤكّد على الشروع فوراً في انتخاب رئيس توافقي للجمهورية لا يشكّل تحدّياً لأي طرف، فور الاعلان عن وقف إطلاق النار.
الكأس المرّة
وقالت مصادر حكومية لـ«الجمهورية» إنّ الوضع بصورة عامة على شفير حريق كبير لا حدود له على مستوى المنطقة، وإسرائيل بعد حرب الإبادة لقطاع غزة، تهرب إلى الأمام من فشلها في تحقيق أهداف حربها على غزّة، إلى الإشعال المتعمّد لشرارة هذا الحريق إنطلاقاً من لبنان، بارتكابها المجازر الفظيعة بحق المدنيين.
واشارت المصادر الى انّ لبنان، على كل مستوياته السياسية، يبذل جهوداً جبارة لإبعاد الكأس المرّة عنه، التي يدفعه العدو الاسرائيلي الى تجرّعها، وتوخّى من رسالته الى الدول، أن يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في ممارسة الضغوط الجديّة والحازمة على اسرائيل لوقف عدوانها الهمجي على لبنان، والسبيل الى ذلك كما نراه، محدّد في خطة وقف إطلاق النار التي تتصدّرها الولايات المتحّدة وفرنسا، ووقّعت عليها مجموعة من الدول الاجنبية والعربية، ونحن ملتزمون بمندرجات هذه الخطة بحذافيرها.
باريس: تحرّك
الى ذلك، أبلغت مصادر واسعة الاطلاع الى «الجمهورية» قولها إنّ زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو الى بيروت منسقة مع الأميركيين، حيث انّه قبل وصوله ناقش مع وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن أهمية الدفع بقوة لتجنّب تصعيد الصراع في لبنان».
واشارت المصادر الى انّ لهذه الزيارة اربعة عناوين رئيسية؛
العنوان الأول، التعبير عن تضامن فرنسا العميق مع لبنان وشعبه، والوقوف الى جانبه على كل الصعد في هذه المحنة.
العنوان الثاني، التعبير عن القلق البالغ لدى فرنسا من توسّع نطاق الحرب، وتوجيه رسالة الى كلّ الاطراف لوقف المواجهات وتجنّب التصعيد وإشعال حرب مفتوحة على أن تتعدّد جبهاتها وتتمدّد إلى مديات واسعة، بما يجعلها بعيدة عن نطاق السيطرة، وتترتب عليها تداعيات تتجاوز الإضرار الكارثي الأكيد بمصالح جميع الاطراف، الى تهديد الاستقرار والسلام الدوليين.
العنوان الثالث، التأكيد على انّ المبادرة التي طرحتها فرنسا وشاركتها بها الولايات المتحدة الاميركية والعديد من الدول لوقف اطلاق النار لمدة ثلاثة اسابيع تواكبه فوراً مفاوضات عاجلة تفضي إلى تسوية وصفقة تبادل في غزة، وإلى حلّ سياسي على حدود لبنان على أساس القرار 1701، هي السبيل المتاح لاعادة الهدوء ومنع الانزلاق الى حرب واسعة، وباريس متمسكة بهذه المبادرة. واكّد في هذا السياق اهتمام فرنسا العميق بدعم الجيش اللبناني ومساعدته في هذه الظروف الدقيقة. كذلك نقل تأكيدات عن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بأنّ فرنسا عازمة مع شركائها على الاستمرار بالدفع بهذه المبادرة، التي تشكّل مصلحة لكل الاطراف.
العنوان الرابع، رئاسي، تؤكّد من خلاله باريس على انّ المستجدات التي طرأت، وما يحوط بلبنان من مخاطر، باتت توجب وضع الملف الرئاسي في لبنان على سكة الحسم السريع وانتخاب رئيس للجمهورية.
بارو: ثمة حلول
وكان وزير الخارجية الفرنسية قد التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي والبطريرك الماروني مار بشارة الراعي. وقال الوزير الفرنسي: «ثمة حلول ديبلوماسية في لبنان، على الرغم من الضربات الاسرائيلية المكثفة». اضاف: «يجب وقف اطلاق النار واحترام القانون الدولي والانساني وتنفيذ القرار 1701، وفرنسا مستعدة للمساعدة في تطبيقه». وحضّ اسرائيل «على تجنّب شنّ عمليّة بريّة في لبنان».
بري: إسرائيل تطيح الجهود
خلال لقاء الوزير بارو مع الرئيس بري جرى البحث في تطورات الأوضاع في لبنان والمنطقة على ضوء تصاعد العدوان الاسرائيلي على لبنان والمستجدات السياسية. وشكر رئيس المجلس لفرنسا والرئيس ماكرون حرصهما ودعمهما للبنان لا سيما في هذه المرحلة العصيبة التي يمرّ فيها جراء العدوان المتواصل والحصار الذي تفرضه إسرائيل على لبنان مانعة إيصال المساعدات لإغاثة النازحين.
وأكّد بري للوزير بارو على موقف لبنان الإيجابي الذي أعلنه رئيس الحكومة في نيويورك حيال النداء الرئاسي لوقف النار في أعقاب القمه الرئاسية الفرنسية الاميركية والذي يحظى بدعم دولي واسع».
ولفت بري، «أنّ اسرائيل هي المسؤولة عن الإطاحة بكل الجهود الرامية لوقف العدوان، مؤكّداً أنّ كرة النار الإسرائيلية تطال لبنان كل لبنان، ومشيداً بتماسك اللبنانيين ووحدتهم وتضامنهم ضد العدوان الإسرائيلي».
بدوره وافق الوزير الفرنسي الرئيس بري على عرضه، مؤكّداً أنّ الحل الوحيد هو تطبيق القرار الأممي رقم 1701.
ميقاتي: مستعدون
وعقب جولة الوزير الفرنسي، زار الرئيس ميقاتي الرئيس بري، وقال بعد اللقاء: «اكّدنا خلال هذا اللقاء موقفنا الذي اعلناه في نيويورك وخلاصته الموافقة على الالتزام بالنداء الذي صدر عن الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والاتحاد الاوروبي واليابان والمملكة العربية السعودية وقطر والمانيا واوستراليا وكندا وايطاليا. كل هذه الدول اصدرت بياناً ونحن كحكومة، وبعد الاتصال مع الرئيس بري، نؤكّد تعهدنا بتطبيق كل النقاط التي وردت في البيان ومنها وقف اطلاق النار فوراً من اجل بداية البحث في تطبيق القرار 1701 كاملاً. ونحن نرحّب بكل ما ورد في النداء ونتعهد بتطبيقه فورا».
اضاف: «نحن مستعدون لتطبيق القرار 1701، وفور وقف اطلاق النار نحن مستعدون لارسال الجيش الى منطقة جنوب الليطاني ليقوم بمهامه كاملة بالتنسيق مع قوات حفظ السلام الدولية في الجنوب».
تابع: «كذلك بحثنا في المواضيع الداخلية وخاصة موضوع النازحين الذي يهمّ الرئيس بري، وهو كان حريصاً على تأمين كل ما يلزم لهم. تحدثنا ايضاً عن المسار الرئاسي وضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في اقرب وقت. اكّد لي الرئيس بري خلال اللقاء انّه فور حصول وقف اطلاق النار ستتمّ دعوة مجلس النواب الى انتخاب رئيس توافقي وليس رئيس تحدٍ لأحد. وهذا الامر هو من الايجابيات التي يجب ان نستفيد منها في اسرع وقت من اجل استقامة المؤسسات الدستورية واكتمال عقدها وانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة».
«حزب الله»
في هذا الوقت، اكّد «حزب الله» انّه «مستمر في جبهة الإسناد لغزة ودفاعاً عن لبنان، وعلى جهوزية تامة للالتحام البري مع اي عدوان بري اسرائيلي على الجنوب، معلناً أنّه سيختار أميناً عاماً في اقرب فرصة».
موقف «حزب الله» عبّر عنه نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم في كلمة اشار فيها الى انّه «خلافًا لما يزعمه العدو لم يكن هناك اجتماع لـ20 من القادة مع السيد نصرالله، ونحن نعمل كل ما في وسعنا ونعالج الاغتيال للكوادر بالكوادر البديلة، ولم تتمكن اسرائيل من ان تطال قدراتنا العسكرية وما يقوله اعلامها حلم لم يصلوا اليه ولن يصلوا. وقدرتنا متينة وكبيرة وجهوزيتنا كاملة».
وقال: «رغم فقدان عدد من القادة، والإعتداءات على المدنيين، والتضحيات الكبيرة، لن نتزحزح قيد أنملة عن مواقفنا، وستواصل المقاومة مساندة غزة وفلسطين ودفاعًا عن لبنان وشعبه». مشيرا الى أنّ «الإخوة يتابعون عملهم وفق الهيكلية المنظمة ويعملون وفق الخطط البديلة للأفراد والقادة، وما نقوم به هو الحدّ الأدنى كجزء من خطة متابعة المعركة وما يتطلبه الميدان».