إلى جانب المعركة العسكرية التي تخوضها المقاومة في مواجهة «سهام الشمال» الإسرائيلية، وجد لبنان نفسه في خضم معركة أخرى لا تقلّ أهمية، وتتصل باستيعاب تداعيات الهجوم الهمجي لكيان الاحتلال، وفي طليعتها تحدّي النزوح الاضطراري.
ليس خافياً أنّ العدو الإسرائيلي يحاول مضاعفة الضغط على قيادة «حزب الله» ودفعها إلى القبول بشروطه لوقف إطلاق النار، عبر إكراه كتلة كبيرة من أبناء الجنوب والبقاع على النزوح تحت وطأة القصف الجوي العنيف والواسع، مفترضاً أنّ تلك الكتلة ستتحوّل عبئاً ثقيلاً على الحزب والدولة في ظلّ الأزمة الاقتصادية من جهة والانقسامات الداخلية المعروفة من جهة أخرى.
ويظنّ العدو أنّ زيادة عدد النازحين اللبنانيِّين على نحو دراماتيكي سيحقّق توازناً مع ملف المستوطنين النازحين من شمال فلسطين المحتلة، وسيساعده في تأمين عودتهم إلى مستعمراتهم وفق الهدف الذي أدرجه «الكابينت» ضمن أجندة الحرب.
من هنا، فإنّ النجاح في احتواء موجة النزوح اللبناني وإدارتها بالشكل المناسب، على المستويَين الرسمي والشعبي، هو أمرٌ ضروري وحيوي، ليس فقط لأنّه يندرج في إطار الواجب الإنساني والأخلاقي، بل أيضاً لأنّه جزء من أسلحة المواجهة ومقتضيات تحسين شروط التفاوض حول تسوية تخدم مصالح لبنان.
ويُسجّل في هذا الإطار اندفاع البيئات اللبنانية، على اختلاف انتماءاتها وتلاوينها، إلى احتضان النازحين والترفّع عن الحساسيات والإصطفافات الطائفية والسياسية التي كانت توحي للبعض بأنّ الجبهة الداخلية في لبنان غير مهيأة للتعامل الإيجابي مع أي نزوح يترتب على اتساع العدوان الإسرائيلي، فإذا بالتجربة تُثبِت عدم صحة هذه الفرضية التي سقطت على أرض الواقع، من دون أن تنجح استثناءات نافرة وقليلة في تشويه صورة التعاضد والتكافل التي عكستها معظم المناطق.
لا ينفي ذلك أنّ هناك حاجة بالتأكيد إلى مزيد من التنظيم لعملية استضافة النازحين والاستجابة لمتطلّباتهم بعد استيعاب «الصدمة الأولى»، إذ إنّ المبادرات الفردية والعفوية، على الرغم من دلالاتها الغنية، لا تفي بالغرض في مواجهة تحَدٍّ كبير من هذا النوع ، بالتالي لا بُدّ من حضور أقوى لأجهزة الدولة وهيئات المجتمع الأهلي، إلى جانب الأطر الدولية المختصة.
وضمن سياق متصل، يشدّد الرئيس السابق للحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط، على ضرورة تحصين الجبهة الداخلية في هذه الظروف الصعبة، لمواجهة تحدّيات العدوان الإسرائيلي الذي يتعرّض له لبنان.
ويؤكّد جنبلاط لـ«الجمهورية»، أنّ الأولوية راهناً هي لتعزيز الصمود، بالتالي احتضان النازحين وتغطية متطلّبات حياتهم اليومية في الأماكن التي لجأوا إليها، «وهذا الآن أهم من أي أمر آخر».
ويضيف جنبلاط: «الهمّ الأساس والمركزي في الوقت الحاضر يجب أن يكون تأمين احتياجات النازحين الملحّة، بالتعاون مع المؤسسات الدولية المختصة، ومع الهيئة العليا للإغاثة التي ينبغي تفعيل دورها حتى تتمكن من الإحاطة بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها في هذه المرحلة الاستثنائية، وأنا أدعو الجهات المعنية في الدولة إلى تعزيز قدرات تلك الهيئة قدر المستطاع».
ويوضح جنبلاط، أنّ «الحزب التقدّمي الإشتراكي» يحاول المساعدة قدر الإمكان حيث يتواجد، «لكن لا تزال هناك نواقص كثيرة في الجبل ينبغي سدّها بالتعاون بين الجميع».
ويتساءل جنبلاط باستهجان: «أين حماسة تلك الجمعيات والهيئات المحلية والدولية، من NGOs وغيرها، التي ظهرت فجأة وراحت تنتشر كالفطر بعد انفجار المرفأ تحت شعارات إنسانية وخيرية؟ أين اختفى هؤلاء في وقت يفترض أن يكونوا حاضرين حالياً لمساعدة النازحين؟ إنّه أمرٌ مستغرب حقاً».