مضى يوم آخر من المواجهات بين المقاومة وقوات الاحتلال الاسرائيلي على الحدود الجنوبية ولكنه تميّز باتّساع رقعة هذه المواجهات لتتجاوز المدى الجغرافي لقواعد الاشتباك المعمول بها بموجب القرار ١٧٠١، حيث بادرت اسرائيل إلى قصف مدفعي وجوي في عمق بعض المناطق الجنوبية، لتتلقى ردوداً صاروخية في عمق المنطقة الشمالية من الاراضي الفسطينية المحتلة ما أثار توقعات بأن تتّسِع تلك الرقعة أكثر فأكثر في قابل الايام، خصوصاً اذا استمر القصف الاسرائيلي التدميري لغزة ومحاولات اقتحامها التي فشلت حتى الآن. وفيما لاحَت في الافق مؤشرات على لجم التصعيد لَمسَتها مصادر قريبة من رئيس الحكومة الذي زار قطر أمس، أعلن رسمياً مساء امس انّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله سيتحدث عند الثالثة بعد ظهر الجمعة المقبل خلال «الاحتفال التكريمي للشهداء الذين ارتقوا على طريق القدس دفاعاً عن غزة والشعب الفلسطيني والمقدسات».
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ الاعلان عن موعد اطلالة السيد نصرالله، وهي الاولى له منذ ما قبل عملية «طوفان الاقصى»، وضع حداً لتساؤلات الداخل والخارج عن اسباب صمته الذي اقلق اسرائيل وحلفائها وكل المهتمّين بالحرب الاسرائيلية على غزة والمواجهات بين «حزب الله» واسرائيل على الحدود الجنوبية. وتوقعت المصادر ان تشهد الايام الفاصلة عن هذه الاطلالة مزيداً من التطورات في الجنوب وفي غزة خصوصاً، في ظل «التبدّل ـ التراجع» في مواقف الولايات اللمتحدة الاميركية وحلفائها الداعمين لاسرائيل في ضوء فشل الاخيرة في اقتحام غزة لـ»سَحق» حماس كما هددت، واتساع الغضب العالمي على جرائمها في قتل نحو 8000 من الغزّاويين وغالبيتهم من الاطفال والنساء. واكدت هذه المصادر ان ما سيعلنه السيد نصرالله من مواقف سيُبنى عليه للمرحلة الراهنة والمقبلة بوجوهها الداخلية والاقليمية والدولية.
جولة عربية لميقاتي
في غضون ذلك بدأ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي جولة عربية امس استهَلّها بزيارة سريعة الى قطر التي عاد منها قرابة الخامسة عصرا، وافادت مصادر قريبة منه لـ«الجمهورية» ان الزيارة هي من ضمن خطته لزيارة عدد من الدول العربية تباعاً بهدف متابعة المساعي والضغوط العربية والدولية لوقف الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة ومنع توسّعها الى لبنان، ولا نعرف الدولة التالية التي سيزورها وهو يقرر «كل مشوار بمشواره» بحسب ظروف كل دولة وارتباطات مسؤوليها.
ورجّحت معلومات «الجمهورية» ان تكون سلطنة عمان المحطة الثانية بعد قطر في جولة ميقاتي.
واشارت المصادر الى مؤشرات الى لجم التصعيد في جنوب لبنان صدرت عن الادارة الاميركية وايران، ما يؤكد استمرار المواجهات بين المقاومة وقوات الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب ضمن المواقع الامامية الحدودية وعدم امتدادها. وردّت المصادر اسباب التغاضي الغربي عن القصف الاسرائيلي العنيف على غزة الى «محاولة استرضاء اسرائيل لفترة من الوقت لاستعادة هيبتها المكسورة بعد عملية «طوفان الاقصى» التي نفذتها حركة «حماس» في 7 تشرين الاول الجاري».
وكان ميقاتي قد التقى في دولة قطر أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ورئيس الحكومة ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وتناولت المحادثات آخر تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وتداعياتها على لبنان والمنطقة بالاضافة إلى العلاقات الثنائية بين لبنان وقطر وسبل تعزيزها وتطويرها في ضوء ما تقدمه قطر من مساعدات مختلفة على اكثر من مستوى خصوصا للجيش والقوى الامنية.
بعد ذلك عقد ميقاتي لقاء مع نظيره القطري في حضور القائمة بأعمال سفارة لبنان لدى دولة قطر السفيرة فرح بري، قبل ان تعقد خلوة ثنائية بينهما.
الحملة الديبلوماسية مستمرة
وفي إطار الحملة الديبلوماسية التي تقودها وزارة الخارجية، من المقرر ان يلتقي الوزير عبدالله بوحبيب اليوم الاثنين كلّاً من السفيرين الروسي لدى لبنان ألكسندر روداكوف والبابوي المونسنيور باولو بورجيا، وذلك بهدف مناقشة التطورات الناجمة عن الحرب في غزة وتداعياتها على لبنان والمنطقة بالإضافة الى ما يجري في الامم المتحدة من مناقشات تناولت الوضع في غزة وما يجري على الحدود اللبنانية الجنوبية ولا سيما المواجهات الاخيرة التي شهدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بُغية توضيح موقف لبنان مما يجري، والتأكيد على اهمية السعي الى وقف النار ووقف المجازر في غزة لتكون الخطوة الأولى للتهدئة تمهيداً للبحث في الحلول السياسية والديبلوماسية.
وتلقّى الوزير بوحبيب اتصالاً من وزيرة خارجية مملكة هولندا هانكي برونزي حيث تشاورا خلاله في آخر التطورات في الجنوب اللبناني، والتصعيد الاسرائيلي الكلامي والعسكري. وشدد بوحبيب على ضرورة الضغط على إسرائيل لوقف استفزازاتها وتهديداتها الصادرة عن مسؤولين حكوميين وعسكريين بتدمير لبنان وإعادته الى العصر الحجري، ما قد يؤجّج النزاع ويزيد مخاطر تحوّله الى مواجهة إقليمية تهدد السلم والأمن في جنوب لبنان والمنطقة بأجمعها، وذلك بعكس التصريحات الصادرة عن المسؤولين اللبنانيين التي تشدد على عدم رغبة لبنان بالحرب أو السعي اليها. واكد بوحبيب لنظيرته الهولندية قلقه الشديد من التصعيد الاخير في غزة مشدداً على ضرورة وقف الحرب، واحترام اسرائيل للقانون الدولي الإنساني. واتفق الوزيران على انّ السلام والاستقرار في المنطقة ككل يبدأان بتنفيذ «حل الدولتين» وبإقامة دولة فلسطينية تمنح الشعب الفلسطيني السيادة وتحفظ كرامته.
وزير الجيوش الفرنسية
الى ذلك يزور وزير الجيوش الفرنسية سيباستيان لوكورنو لبنان الأربعاء المقبل حيث سيتقفد قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب البلاد.
وأفاد مكتب لوكورنو امس أنّ زيارته التي تستمر حتى الجمعة المقبل تهدف إلى «إعادة تأكيد تمسّكنا باستقرار لبنان»، في أوج النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين، موضحاً أنّ الوزير الفرنسي سيلتقي قادة لبنانيين بينهم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي. كذلك سيلتقي وزير الدفاع العميد موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون.
وسيزور لوكورنو صباح الخميس، قوة الأمم المتحدة الموقتة (اليونيفيل) العاملة في جنوب لبنان منذ العام 1978 وتضم أكثر من 10 آلاف جندي، بينهم نحو 700 جندي فرنسي. على ان يكرّم في بيروت الجمعة ضحايا هجوم «دراكار» الذي أودى بحياة 58 جنديًا فرنسيًا عام 1983.
مواقف
على صعيد المواقف الداخلية رأى رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أن «إسرائيل لم تكن يوماً بحاجة الى عذر لتعتدي علينا، و7 تشرين الأول سيفرض معادلة جديدة، والخسارة سجّلت على اسرائيل بعدما كرّست في حرب تموز وبدأت في الـ 2008»، معتبراً أن «لا حل إلا بالدولتين ونحن مع مبادرة بيروت، ونحن بتفكيرنا شعب السلام والأخوة بين البشر، وما يهمني هو لبنان».
وقال باسيل في مقابلة مع قناة LBCI مساء امس: «لا نريد جَر لبنان للحرب ولكن نرفض جرّه إلى هزيمة لأن الهزيمة أمام اسرائيل هي استعباد. «حزب الله» يمكن ان يخطئ بالسياسة الداخلية وانتقدناه كثيراً، لكن لا نخطئ بالاستراتيجية ولا نستطيع ان لا نرى أن هناك لبنانيين يعيشون حياتهم بشكل طبيعي بينما هناك شهداء يسقطون في الجنوب». وأضاف: «على رغم صعوبة الأمر في ظل سقوط شهداء أبلغتُ الى السيد نصرالله، خلال الاتصال به، بموقفي ومخاوفي بوضوح، والحزب حريص على مصلحة لبنان».
وقال: «حركة «حماس» لديها بنيتها داخل فلسطين فلتستخدمها هناك، هي أو غيرها، وتجربة «فتح لاند» لا نريد تكرارها. وما يجري لا يزال تحت السقف و«حزب الله» يضبط الأمر، لكن مهما كان صغيراً لا نقبل به. لبنان القوي يساهم في تحرير القدس وليس لبنان «المكسَّر».
وردا على سؤال قال باسيل: «لا ازال على موقفي برفض انتخاب فرنجية، وهو عبّر عن ذلك، ولا اعرف ماذا قصَد بكلامه حول الاتفاق على 99% من الأمور. إلا اذا كان المقصود النقاط الخمس التي طرحناها، ومستعد للموافقة على ميثاق شرف بأن لا نتصرف كما تصرّف معنا البعض خلال العهد». واضاف: «انا اتصلت بميقاتي وزرته ولا تغيير بالموقف بالنسبة لمشاركة الوزراء في الحكومة، واذا كان هناك حاجة لموقف مبدئي هناك الجلسات التشاورية. وفي حال الحاجة لصدور قرارات لا حاجة لجلسات بل لصدور المراسيم وفق الطريقة المطلوبة».
وأردف: «ميقاتي هو من طرح معي موضوع قيادة الجيش. من الآخر هذه القصة لماذا لم تحصل في الاجهزة الاخرى؟ لأنّ خلفية التمديد لقائد الجيش سياسية، على صِلة بالرئاسة، وأحدهم في الزيارات السبع التي قمتُ بها قال لي: «عم يعملوها نكاية فيك»... بالعسكر لا فراغ بل التراتبية تحكم». واضاف: «بالموضوع الرئاسي لمستُ وعياً لناحية «إنو ما فينا نضل هيك» والحرب لم تغير المعطى الداخلي وسمعتُ بأن المبادرة القطرية قائمة ونحن علينا القيام بجهدنا في الداخل لملاقاتها».
حيث يجب ان نكون
وأكد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أنّ «ما فعلناه إبّان حرب غزة هو رفعُ مستوى جهوزيّتنا وتصدّينا لكلّ محاولةٍ أرادها العدو أن تُطيح بقواعد الإشتباك التي أنجزناها وفرضناها عليه». وقال: «ثَبَتنا في ساحتنا وأشَرْنا الى كلّ العالم أننا جاهزون لاتخاذ الموقف الذي يحقق مصلحتنا في ردع العدوّ، لكن هذا الموقف نقرره نحن ونقدّر مصلحتنا الكبرى الوطنية والقومية فيه». واضاف: «حيثُ يجب أن نتحرّك سنتحرّك وحيث يجب أن نكون سنكون، وحيث يجب أن نفعل فِعْلَنا الرادع سنفعل ضمن رؤية تُساهم في ردع العدوان وفي ضبط غريزيّته الوحشيّة في الدفاع عن الذين يتعرضون لهمجية لم ير التاريخ مثلها على الأقل في العصر الحاضر».
الآتي أصعب
وقال الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، خلال جولة في بلدة بيصور: «مررنا بمراحل صعبة ودقيقة وخطيرة، لكن يبدو أن القادم أصعب بكثير، لا أستطيع أن أتنبأ بما سيحدث، لعبة الأمم كبيرة، نرى كيف أن شعوبا بأسرها يُضَحّى بها، لكن سيبقى الشعب الفلسطيني رغم الظروف». وأضاف: «كل ما أتمناه وأسعى إليه ألا نُستدَرج إلى الحرب، ندافع عن أنفسنا بالمدى الممكن، لكن ألا نستدرج للحرب».
الوضع الميداني
جنوباً وعلى الصعيد الميداني، توسعت دائرة الرد على طول الجبهة الجنوبية حيث نفذ «حزب الله» و«كتائب القسام» و«قوات الفجر» سلسلة عمليات ضد مواقع اسرائيل ومستوطناتها في القطاعين الغربي والأوسط. وأعلن «حزب الله» في بيان مسائي عن «استهداف مسيّرة إسرائيلية في منطقة شرق الخيام بصاروخ أرض جو وإصابتها إصابة مباشرة، وشوهِدت بالعين المجردة وهي تسقط داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة». كذلك، أعلن «حزب الله» عن استهداف قوة مشاة إسرائيلية في موقع بركة ريشا بالأسلحة الصاروخية الموجّهة، وأوقعَ فيها اصابات مؤكدة. وقد نعى الحزب شهيداً جديداً هو محمد نجيب حلاوي من بلدة كفركلا الحدودية.
وفي سياق القصف المتبادل أُفيد عن سقوط صاروخ على مبنى في مستوطنة كريات شمونة، ما أدّى إلى احتراقه. وفي وقت لاحق، أعلنت «قوات الفجر» (الجناح العسكري للجماعة الإسلامية)، في بيان، أنها وجّهت «صليات صاروخية جديدة ومركّزة استهدفت مواقع العدو الصهيوني في محيط مغتصبة كريات شمونة وداخلها في شمال فلسطين المحتلة». كذلك أعلنت «كتائب القسّام» في لبنان أنّها قصفت «نهاريا شمال فلسطين المحتلة بـ16 صاروخاً رداً على جرائم الاحتلال في حق أهلنا بغزة».
وبدوره، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه رصد «10 عمليات إطلاق صواريخ عبر الحدود من لبنان وقام بالرد على مصادر الإطلاق». وطاولَ القصف المدفعي الاسرائيلي أطراف بلدات البستان، مروحين، ام التوت، زبقين ومحيط منطقة اللبونة، وسقطت قنابل مضيئة فوق بلدة علما الشعب. فيما استهدفت غارات الطيران الحربي الإسرائيلي برعشيت في المنطقة الواقعة بين عيترون وبليدا في قضاء مرجعيون، وخراج رميش - هرمون، وأطراف يارون في قضاء بنت جبيل، ووادي طير هرما خراج بلدة ياطر، والشعيتية، وبلدة عيتا الشعب.
وفي تطور لافت، نقلت قناة «سي إن إن» عن مصادر أميركية أنّ «قوة رد سريع تابعة لمشاة البحرية الأميركية تتحرك في اتجاه شرق البحر المتوسط».
توقيف سوري
وفي سياق متصل علمت «الجمهورية» من مصادر جنوبية موثوقة متابِعة للوضع الميداني، انّ المقاومة اوقفت قبل نحو اسبوعين في مدينة بنت جبيل شخصاً سورياً كان يقوم بالتصوير في المدينة وفي بعض القرى المحيطة، لا سيما لمراكز المقاومة، ويرسلها الى العدو الاسرائيلي. لكنها نَفت ما تردد عن توقيف اعداد كبيرة من السوريين، مؤكدة انه شخص واحد وليس ثلاثين كما تردّد عبر مواقع التواصل.
واشارت المصادر الى ان المقاومة وبلديات منطقة بنت جبيل قاموا بترحيل اعداد من السوريين، الذين دخلوا لبنان بصورة غير شرعية او يُشتبه بأمرهم او ارتكبوا مخالفات كبيرة وفاضحة.
وجاء ذلك بعد معلومات ايضا عن «احتلال» سوريين لعدد من المنازل في بلدة رميش قرب بنت جبيل، تركها اصحابها، إمّا لاضطرارهم الى النزوح بسبب التصعيد الامني، او لأنهم اصلاً خارج البلدة او خارج لبنان. لكن جرى طردهم منها بسرعة، نظراً للمخاوف ممّا قد يرتكبونه.