لا صوت يعلو على هدير جلسة 14 حزيران المخصّصة نظرياً لانتخاب رئيس الجمهورية، وعمليّاً لإجراء «مُقاصّة» سياسية تفرز الكتل وخياراتها.
على رغم من انّ جميع القوى الداخلية تدرك ضمناً انه من شبه المستحيل ولادة الرئيس يوم غد في ظل المعادلات الحالية والفيتوات المتبادلة القادرة على الرفض لا الفرض، الا انها في الوقت نفسه «تَتهيّب» الجلسة التي ستكون مسرحاً لكل التكتيكات والتكتكات الانتخابية.
وبناءً عليه، فإنّ كل فريق يضع ثقله في موقعة الأربعاء ليس لتأمين فوزٍ لم يحن أوانه بعد، وإنما لضمان الخروج منها بأقل الخسائر وبأفضل الشروط التي من شأنها تحسين الموقع التفاوضي على اسم الرئيس في المرحلة المقبلة.
لا رابح غداً بـ«الضربة القاضية»، لكن كل معسكر سيسعى الى تحقيق مكسب معنوي بالنقاط من خلال طريقة ادارته للمعركة ومردود هذه الإدارة على حساباته ومرشحه.
ولذلك، فإنّ جانباً كبيراً من اللعبة يدور حالياً تحت الطاولة وليس فوقها، حيث يَعمد طرفا المبارزة الانتخابية في المهلة الفاصلة عن الغد الى تجميع الأوراق المكشوفة والمُستترة، وإجراء هندسات تصويتية في الكواليس، لسبر أغوار الجلسة المرتقبة ومحاولة إبقائها تحت السيطرة قدر الإمكان، تفادياً لأي مفاجأة غير سعيدة.
الا انّ طبيعة المجلس الحالي تحول دون ضمان القدرة على ضبط إيقاعه بكامله، وتُفسح في المجال أمام هوامش واسعة للكتل المُتموضِعَة في الوسط والتي تحولت «بيض قبّان» بدل البيضة الواحدة.
ولعل ما يزيد من تعقيدات مبارزة الأربعاء انها اتخذت بُعداً يتجاوز التنافس الانتخابي المَحض الى الاشتباك السياسي الاوسع والاخطر، وسط شعور حركة «أمل» و»حزب الله» بأن هناك محاولة لاستهدافهما وعزلهما، تُحاكي تجربة 2006 - 2008.
ويؤكد المطلعون على موقف الثنائي الشيعي انّ هذا الاصطفاف المُريب في مواجهته يُعطي انطباعاً بأن المعركة ليست ضد فرنجية وحسب، بل ضد المشروع او الخيار الذي يمثّله «الثنائي» على المستوى الاستراتيجي.
ويلفت هؤلاء الى ان الواقع المُستجد دفعَ «أمل» و«الحزب» الى التمسّك بدعم ترشيح فرنجية أكثر من اي وقت مضى، واستطراداً الإصرار القاطع على منع انتخاب أزعور مهما كلّف الأمر.
ويجزم العارفون بأنّ «الحزب» لا يمكنه أن يَتهاوَن او يتساهل في موقفه، وهو الذي يعلم انه اذا نجح خصومه في «كَسرِه» وإمرار أزعور، فإنّ ذلك سيشجعهم لاحقاً على مزيد من التجرؤ طَمَعاً في إجبار الحزب على تقديم تنازلات إضافية في ملفات أخرى، تأسيساً على سابِقة الاستحقاق الرئاسي.
ويعتبر المطلعون ان «الحزب» لن يقبل ولن يسمح بأن تؤول رئاسة الجمهورية الى شخصية لا يحبّذها، لأنّ هذا الموقع هو جزء من التوازن الدقيق مع رئاسة الحكومة والمراكز الحيوية الأخرى في الدولة. ومن هنا، يفضّل «الثنائي» وحلفاؤه حصول حوار مُسبق حول سلة متكاملة تكون انتخابات رئاسة الجمهورية إحدى مكوناتها.
ويلفت القريبون من «الثنائي» الى انّ التفاهم على هويّة الرئيس هو بالدرجة الأولى في مصلحة من يعارضه، لأنه اذا فرطَ نظام الديموقراطية التوافقية الذي يحمي مصالح الجميع في ظل التركيبة الطائفية، فليس معروفاً أي نظام بديل سيَنشأ مكانه وعلى أنقاضه.
جنبلاط وبري
لكن، وفي مقابل الهواجس التي أنتجَتها تركيبة الاصطفاف المُستجد الى جانب أزعور، ووسط تزايد الكلام حول فتورٍ أصابَ العلاقة بين كليمنصو وعين التينة، يقول رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لـ«الجمهورية»: «لا شيء يمكنه أن يهزّ علاقتي مع الرئيس نبيه بري».
وبينما ستقترع كتلة «اللقاء الديموقراطي» لأزعور، تُشدّد مصادر «اللقاء» على انّ هذا الاقتراع ليس استهدافاً للمكوّن الشيعي ولا يرمي بتاتاً الى عَزله، «إذ نحن نعرف جيداً توازنات هذا البلد وتركيبته، وبالتالي لا جدوى من ان يَعمد أحد الى استهداف أحد، ولذلك أكدنا في سياق دعمنا لأزعور ضرورة التفاهم والتوافق حوله بعيداً مِن نهج التحدي والفرض».
َوتلفت المصادر إلى أنّ جنبلاط كان اوّل مَن طرحَ أزعور لرئاسة الجمهورية، «ولذا لا بد من ان نكون مُنسجمين مع أنفسنا في جلسة يوم غد، مع الاشارة الى انه ربما كان من الأفضل لو اعتمَد أزعور تكتيكاً مختلفاً في إدارة ترشيحه».