كلما اشتدت الازمات الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، ازدادت أعباء ملف النازحين السوريين وتقلّصت قدرة الدولة ومواطنيها على التحمل والصبر.
وبعدما كان اللبناني يتقاسم رغيف الخبز مع النازح طيلة السنوات الماضية، بات هذا الرغيف المفقود سببا إضافيا للنزاع المتصاعد بينهما على موارد شحيحة أصبحت تضيق أصلاً بـ»السكان الأصليين» منذ وقوع الانهيار عام 2019.
هذه الحقيقة المؤلمة ولّدت اخيراً، أقله في الظاهر، شبه إجماع داخلي على وجوب التعجيل في عودة النازحين وتفعيلها، وإن يكن هناك من يعتبر انّ النيات المضمرة لدى البعض هي مغايرة للمواقف المعلنة، «وإلا ما الذي يحول دون أن يتخذ المعنيون في السلطة قرارا سياديا بمنع أي نازح يزور سوريا لهذا السبب او ذاك من العودة عبر الحدود إلى لبنان، على قاعدة انّ مجرد انتقاله الى بلده ينزع عنه صفة النازح؟».
ويشير أصحاب هذا التساؤل الى انه توجد جهات في الدولة تُحاذِر الذهاب بعيدا في مواجهة تعسّف المقاربة المعتمدة من قبل المجتمع الدولي لملف النازحين، وتكتفي برفع الصوت من دون إقرانه بفِعل عملي، تخوّفاً من رد الفعل الخارجي المحتمل وسط إصرار الدول المانحة على إبقاء النازحين في لبنان وتمويل إقامتهم بالعملة الصعبة.
وضمن سياق رن جرس الإنذار، يؤكد وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين ل،»الجمهورية» انّ تلبية احتياجات النازحين السوريين من الخبز تتطلب شهريا نحو 12 الف طن من القمح المدعوم، «وهذا رقم كبير ومُكلف قياساً على الوضع المأساوي الذي يعانيه لبنان».
ويلفت شرف الدين الى انّ لبنان كله، بتلاوينه المختلفة، أصبح متّفقاً على وجوب ان يرجع النازحون الى بلدهم بعدما انتفت اسباب بقاء معظمهم، «لكن المشكلة ان الضوء الأخضر الدولي لم يُعط بعد لدوافع سياسية ومصلحية».
وبينما كان مقررا ان يزور شرف الدين دمشق عقب عيد الأضحى للتداول معها في تفاصيل الخطة المقترحة لإعادة 15 ألف نازح شهريا، يبدو أنّ اعتبارات طارئة أخّرت إتمام ترتيبات تلك الزيارة.
واستكمالاً لرسم معالم الواقع الصعب، أبلغ بدوره وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار الى «الجمهورية» ان الوضع دقيق على الأرض نتيجة مزاحمة النازحين السوريين للمواطنين اللبنانيين على ربطة الخبز أمام الأفران في ظل شح هذه المادة الحيوية، «الأمر الذي يمكن أن يرتّب تداعيات وخيمة ما لم تتم معالجة الموقف».
ويشير الى انه يتلقّى عبر هاتفه يومياً «صوراً مُقلقة تعكس ما يجري على الأرض من توتر واحتقان»، لافتاً الى انّ إشكالات متزايدة وحساسيات متفاقمة تُسجل بين السوريين واللبنانيين، «كذلك حصلت حرائق في عدد من المخيمات، وأخشى من أن نتّجه نحو الأسوأ اذا لم تؤخذ تحذيراتنا بجدية».
ويكشف انه نَبّه ممثلي الأمم المتحدة والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين الى ان الفقر يولّد النقار «ونحن الآن نقف على فوهة انفجار اجتماعي، فكان الرد بأنني استخدمُ خطابا عنصريا وتحريضيا يزيد التوتر، بدل ان يتعاطوا مع تنبيهاتنا بمسؤولية».
ويوضح انه اقترح على المفوضية العليا ان تتولى تسديد جزء من كلفة القمح المدعوم المستهلك شهرياً في لبنان، بنسبة تُعادل 6 ملايين دولار من أصل 12,5 مليون دولار، وذلك لتغطية احتياجات السوريين وتخفيف الاعباء عن الدولة اللبنانية، «لكن وللأسف لم تصلنا ليرة واحدة».
ويلفت الى انّ قرض الـ 150 مليون دولار المقدّم من البنك الدولي لشراء القمح، والذي أقرّه مجلس النواب في جلسته التشريعية، سيذهب 40 بالمئة منه، أي نحو 60 مليون دولار، لسد متطلبات النازحين من الخبز، «فهل يجوز هذا النزف فيما اللبنانيون يواجهون أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخهم؟»
ويحذّر حجار من انّ الأمن الغذائي في لبنان بات مهدداً، تحت وطأة الضغط المتزايد عليه في ظل وجود عدد كبير من النازحين الذي أصبح بإمكان الكثيرين منهم العودة إلى وطنهم، مشيراً الى انه طلبَ انتشار القوى الأمنية أمام الأفران لمنع «الاحتكاكات التي قد تكون شرارة لِما هو أخطر».