ينقسم المشهد السياسي هذا الأسبوع إلى شقين أساسيين: الشق الأول يتعلّق بزيارة الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس وما سيتخللها من لقاءات ومواقف وقراءات في أبعادها، والشق الثاني يرتبط بالقرار المتوقّع صدوره عن المجلس الدستوري في الطعن الذي قدمه امامه تكتل "لبنان القوي" في تعديلات قانون الانتخاب، وما بينهما اليوميات السياسية المكررة التي تبدأ من سعر الدولار والحكومة المعطلة ولا تنتهي بالكلام عن مقايضات وصفقات وتسويات بين قانون الانتخاب والتحقيق في انفجار المرفأ.
من المتوقع ان تملأ زيارة غوتيريس الفضاء السياسي والإعلامي بسبب غياب الحيوية السياسية الداخلية مع استمرار التعطيل الحكومي، وعلى رغم عدم توقّع اي تأثير فوري ومباشر لهذه الزيارة، إلا ان أهميتها تكمن في ثلاث رسائل أساسية:
ـ الرسالة الأولى، إلى اللبنانيين وهي أنهم غير متروكين لقدرهم ومصيرهم، وانه على رغم الانهيار المالي والصعوبات الاقتصادية عليهم التحلي بالصبر والأمل، الصبر من أجل الصمود، والأمل في ان الغد سيكون أفضل، وان هذه الزيارة تأتي في سياق زيارات دولية حصلت قبلها وستحصل بعدها وكلها تصبّ في إطار واحد هو الحرص على الاستقرار اللبناني.
ـ الرسالة الثانية، إلى المسؤولين الرسميين والقوى الممسكة بالسلطة وهي ان ممارستهم السياسية قادت البلد وتقوده إلى المجهول في ظل سياسة وحيدة عنوانها التعطيل، وبالتالي سيوجه الدعوة إلى تحييد الناس والمؤسسات عن الخلافات السياسية.
ـ الرسالة الثالثة، إلى المجتمعين الغربي والعربي وهي ان لبنان يحظى باهتمام أرفع مرجع أممي، وان على الدول المعنية به ان تدعم استقراره وتحول دون تحويله ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية، وبالتالي رسالة أممية إلى المجتمعين الدولي والإقليمي برفع اليد عن لبنان ودعم استقراره.
وفي موازاة زيارة الأمين العام للأمم المتحدة فإنّ الأنظار المحلية ستبقى شاخصة على قرار المجلس الدستوري الذي سيُطلق العد العكسي للانتخابات النيابية، والذي يبدأ عملياً مع مطلع السنة الجديدة، ولكن أهمية هذا القرار انه يتوقّف عليه مصير اقتراع المغتربين إمّا باقتراعهم لجميع النواب في الداخل، أو في ربط هذا الاقتراع بستة نواب في الخارج والتعقيدات التي يمكن ان تنجم عن توجّه من هذا القبيل في ظل غياب الآليات وطريقة ترجمة هذا التوجه على أرض الواقع.
ولكن الأكيد ان الانتخابات النيابية ستشق طريقها نحو رأس سلّم الأولويات لدى القوى السياسية التي تتعامل معها وكأنها حاصلة حتما بمعزل عن مصيرها الفعلي، انطلاقاً من حاجتها للتهيئة لهذه الانتخابات بتعبئة قواعدها وإعداد ترشيحاتها ونسج تحالفاتها.
وبالتزامن، يواصل "التيار الوطني الحر" الضغط على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من أجل الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء في رسالة مباشرة وضمنية ضد "الثنائي الشيعي" وموقفه المعطِّل لجلسات الحكومة في مؤشرٍ إلى مزيد من افتراق المصالح بين التيار و"حزب الله" الذي يرفض الدخول في اي مواجهة مع العهد وتياره، فيما ميقاتي يرفض الانتقال من التعطيل إلى الانقسام، ومن التبريد إلى السخونة، ومن الانتظار إلى المواجهة، ولا يبدو انّ ما يحكى عن مقايضات في تحقيق المرفأ ستجد ترجماتها، والحل او المخرج الوحيد يبقى في صدور القرار الظني الذي يعيد وحده انتظام عمل الحكومة.
وكان غوتيريس قد وصل الى بيروت بعد ظهر امس في زيارة رسميّة للبنان تستمرّ حتى الأربعاء المقبل، وقد استقبله في المطار وزير الخارجيّة والمغتربين عبدالله بوحبيب ومندوبة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة أمال مدللي والمنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا.
وأعلن مكتب فرونتسكا، في بيان، أن غوتيريش قال وفور وصوله: "عندما كنتُ المفوض السامي لشؤون اللاجئين جئت إلى لبنان مرات عدة، ولمست وقتها تضامن شعب لبنان مع العديد من اللاجئين. أعتقد أن الوقت قد حان لنا جميعاً، في العالم، للتعبير عن التضامن نفسه مع شعب لبنان. لذلك، إذا أردت وصف زيارتي للبنان بكلمة واحدة ستكون كلمة "تضامن".
وشدّد غوتيريس من القصر الجمهوري، حيث استقبله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اثر وصوله الى بيروت، على أنّه "نظراً الى معاناة الشعب اللبناني، لا يحق للقادة السياسيين أن يكونوا منقسمين ويشلوا البلد"، لافتاً الى أن اللبنانيين يتوقعون منهم "إعادة احياء الاقتصاد" وضمان "حكومة فاعلة". ودعاهم "الى العمل معاً لحل الأزمة". كما دعا المجتمع الدولي إلى "تعزيز دعمه للبنان".
وشدد على أن هدف لقاءاته في لبنان هو "مناقشة أفضل السبل لدعم شعب لبنان في تجاوز الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية وتعزيز السلام والاستقرار والتنمية المستدامة". واعتبر أن الانتخابات النيابية المقررة في الربيع المقبل ستشكل محطة "رئيسية، وعلى الشعب اللبناني أن يلتزم بشكل كامل في اختيار كيفية دفع البلاد قدماً".
من جهته، أكد عون في كلمة ألقاها بالفرنسية أنه ستُوفّر للانتخابات "كل الأسباب كي تكون شفافة ونزيهة تعكس الإرادة الحقيقية للبنانيين في اختيار ممثليهم". ورحّب "بأي دور يمكن ان تلعبه الأمم المتحدة في متابعة هذه الانتخابات". وقال: "نعمل على تجاوز الأزمات ولو تدريجياً من خلال وضع خطة التعافي الاقتصادي لعرضها على صندوق النقد الدولي والتفاوض بشأنها كذلك بالتزامن مع إصلاحات متعددة في المجالات الاقتصادية والمالية والإدارية". وشدَّد على "تمّسك لبنان بممارسة سيادته على كامل أراضيه، وحقوقه الكاملة في استثمار ثرواته الطبيعية ولا سيما منها في حقلي الغاز والنفط، والاستعداد الدائم لمتابعة المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية".
وفي برنامجه اليوم يزور غوتيريس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عند الحادية عشرة والنصف في السرايا الحكومية، فيعقد اجتماعا موسعا بداية ثم يليه لقاء ثنائي بينهما يتوجهان بعده الى قاعة الاستقبال وتكون لكل منهما كلمة، ثم كلمة لممثلة امين عام الامم المتحدة يوانا فرونتيسكا واخرى لنجاة رشدي ويجري عرض لمختلف منظمات الامم المتحدة. على ان يعقب ذلك مؤتمر صحافي ويليه غداء يقيمه ميقاتي على شرف غوتيريس والوفد المرافق.
برنامج الزيارة
ويشمل برنامج غوتيريس اليوم ايضا زيارة مرفأ بيروت "للوقوف دقيقة صمت تكريماً لأرواح ضحايا انفجار مرفأ بيروت وعائلاتهم". كما يلتقي عدداً من المسؤولين الكبار والقادة الروحيين وممثّلين للمجتمع المدني. ويجري كذلك زيارات ميدانية، إحداها لمدينة طرابلس، يلتقي خلالها متضرّرين من الأزمات المتعدّدة التي تواجهها البلاد. على ان يتفقّد غداً قوة الأمم المتحدة الموقتة (اليونيفيل) العاملة في الجنوب ويجول على طول الخط الأزرق، ثم يعقد مؤتمراً صحافياً مساء اليوم نفسه، قبل أن يختتم زيارته الأربعاء.
ترقب قرار "الدستوري"
في غضون ذلك خطفت زيارة غوتيريس الاضواء، لكن يبدو انها لن تكون كافية للتغطية على العتمة الداخلية التي تسود على كل المستويات في انتظار بصيص نور يخرج من آخر النفق. وفي انتظار اتّضاح النتائج التي يمكن أن تؤول اليها هذه الزيارة، تترقب الاوساط السياسية قرار المجلس الدستوري في الطعن الانتخابي المقدم من تكتل "لبنان القوي"، والمتوقع صدوره غداً.
وقالت مصادر مواكبة لهذا الملف لـ"الجمهورية" انّ المفتاح الأساسي الذي من شأنه ان يحدد مصير الطعن يكمن في الموقف الذي سيتخذه المجلس من طريقة احتساب الأكثرية في الجلسة النيابية التي أقرت التعديلات على قانون الانتخاب.
البحث عن مخرج
الى ذلك، أبلغت اوساط مطلعة الى "الجمهورية" انّ المعالجات الجارية للازمة الحكومية ـ القضائية ما تزال صفراً، لكن البحث لم يتوقف في الكواليس عن مخرج او إخراج لتسوية تسمح باستئناف جلسات مجلس الوزراء، مشيرة الى انّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي و"الثنائي الشيعي" و"التيار الوطني الحر" وحتى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يحاولون الدفع في اتجاه معالجة المأزق على قاعدة انّ وضع البلد لم يعد يتحمّل توقف مجلس الوزراء عن الانعقاد، لكن لم يتم بعد التوصل الى نتيجة إيجابية.
ولفتت الى ان الجميع تقريباً، ما عدا "الثنائي الشيعي"، يتهيّب مواجهة المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار والضغط لضبط سلوكه في ملف التحقيق في انفجار المرفأ، الامر الذي لا يزال يحول حتى الآن دون تحقيق خرق حقيقي.
في المواقف
وفي المواقف امس سأل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد من بكركي: "أليس من المعيب أن يُصبح انعقاد الحكومة مطلباً عربياً دولياً وكيف تُمعن فئة نافذة بتعطيله باسم الميثاقية؟".
وقال: "ليت المسؤولين عندنا والنافذين يعودون إلى انسانيتهم ليخلّصوا لبنان وتلتقي مساعيهم مع المساعي الدولية لإنقاذ لبنان، متوقفين عن نهج الثأر السياسي والحقد الشخصي والاستهتار المطلق بالمواطنين".
واضاف: "المطلوب منهم جمعيا الاقرار بالاخطاء والقيام بفعل توبة، اما اعتبارهم ان الخطأ عند غيرهم فهذا نوع من الكبرياء القاتل"، متسائلاً: "أليس من المعيب ان يصبح انعقاد مجلس الوزراء مطلبا عربيا ودوليا بينما هو واجب لبناني دستوري يُلزم الحكومة، فكيف تمعن فئة نافذة بتعطيله باسم الميثاقية التي تشوه بينما هي ارتقاء بالتجربة التاريخية؟".
وشدد الراعي على انه "بعدم انعقاد الحكومة تتعطل السلطة الاجرائية ومعها تتعطل الحركة الاقتصادية بكل قطاعاتها والحركة المالية والحياة المصرفية وبنتيجتها يفتقر الشعب، فهل هذا ما يقصده معطّلو انعقاد مجلس الوزارء؟".
ودعا الى "وقفِ التشكيكِ المتصاعِد بعملِ القضاء". وشدد على "استمرارِ التحقيقِ القضائيِّ، وأن تَسقُطَ الحَصاناتُ عن الجميع، ولو بشكلٍ محصور وخاصٍّ بجريمةِ المرفأ، ليَتمكّنَ القضاءُ العدليُّ الذي تَقدّمَ كفايةً من أن يَستمعَ إلى الجميعِ من دونِ استثناءٍ، أي إلى كلِّ من يَعتبره المحقِّقُ معنيّا وشاهدا ومتّهما مهما كان موقِعُه، ومهما علا إذا كان كلُّ مواطنٍ تحت سلطةِ القانون"، متسائلاً: "كم بالحريّ بالمسؤولين الذين تَولّوا ويتولّون مناصبَ ومواقعَ وحقائبَ وإداراتٍ وأجهزةً في هذه المراحلِ الملتَبِسة؟".
الخطيب
وطالب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب المسؤولين، في بيان، بـ"اتخاذ خطوات سريعة تنقذ وطنهم من خطر الانهيار وتداعياته، وتستجيب للمساعي والجهود المبذولة لتصحيح المسار القضائي بما يحقق العدالة في قضية المرفأ ويمهّد لإنتاج حل السياسي يصوّب المسار القضائي ويعيد التضامن الحكومي الذي يحتاجه لبنان في هذا الظرف الصعب".
وراى أن "تجاهل البعض لسبب المشكلة الاساسية واصراره على تسييس القضاء، من خلال الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء مجافاة لحقيقة الازمة وإمعان في تعقيدها، وتجاوز لطائفة اساسية حفظت النسيج الوطني بغية تغييبها عن المشهد السياسي خدمة لأهداف ومآرب خارجية لا تخدم المصلحة الوطنية".
وشدد على "ضرورة القيام بالاستحقاقات الدستورية ومنها الانتخابات النيابية في مواعيدها المقررة دستوريا"، مشيراً الى أن "الحل في القيام بالاصلاحات السياسية وفق ما نص عليه اتفاق الطائف من إلغاء الطائفية السياسية وتأليف مجلس شيوخ يحفظ للطوائف اللبنانية حقوقها وقانون انتخابي خال من القيد الطائفي، وإلا فإنّ الانتخابات النيابية، من دون القيام بهذه الاصلاحات، لن تحل المشكلة بل ستعقدها، لأن ذلك سيستدعي اصطفافا طائفيا واستخداما للقضاء كورقة انتخابية تزيد في التشنجات الطائفية كما يحدث الآن ويمكن ان يؤدي الى حرب أهلية لا سمح الله".
عودة
بدوره، قال متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده في قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس للروم الارثوذكس في بيروت: "ان بلدنا كان مهدا للديموقراطية، إلا أنه تحول إلى ديكتاتورية مقنعة، تحكمها شريعة الغاب. أصبح من يلجأ إلى القانون في بلدنا هو الضعيف والمهان والمظلوم، أما القوي والمتسلط فلا يأبه للقانون ولا يعير أحكامه أي أهمية أو احترام. حتى إن البعض أصبح يستهين بثقة الناس الممنوحة لهم، وبواجباتهم التي تفرضها عليهم مسؤوليتهم".
وأضاف: "الأمان المجتمعي أصبح مفقودا بوجود عصابات السرقة واقتحام المؤسسات، والمسؤولون متربعون على عروشهم يطلقون المواقف ويتراشقون الإتهامات، إنما لا يحركون ساكنا من أجل وقف الإنهيار وتصويب الإتجاه وإطلاق عملية الإنقاذ".
واعتبر أن "المواقف الكلامية لا تجدي وإلقاء المسؤولية على الآخرين لا ينفع. الجميع مسؤولون. من ارتضى المسؤولية عليه القيام بواجبه، وإلا فليترك مكانه لمن يريد العمل والإنقاذ". وسأل: "إلى متى ستبقى الحكومة محتجزة وجلد الذات مستمراً؟ هل يدري من يعطلون عمل المؤسسات أنهم يدفعون البلد دفعا إلى الإنهيار الكامل؟ هل يمكن التصدي للكارثة بحكومة مشلولة وانعدام قرار؟ أليست الحكومة فريق عمل يدير شؤون البلاد، وهي ليست مكانا للمناكفات وتصفية الحسابات؟".
كورونا
على الصعيد الصحي أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي امس حول مستجدات فيروس كورونا تسجيل 1479 إصابة جديدة (1373 محلية و106 وافدة) ليرتفع العدد الإجمالي للإصابات منذ تفشي الوباء في شباط 2020 الى 700943. كذلك سجل التقرير 12 حالة وفاة جديدة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 8936.