يقترب لبنان من لحظة السقوط في كارثة وبائية، فالأرقام التي وُصفت بالصادمة، لعدد الحالات التي يحصدها الوباء الخبيث يومياً (85 حالة جديدة امس)، تحضّر لبنان لأن يتحوّل الى بلد موبوء بالكامل.
يبدو جلياً مع التصاعد الخطير في ارقام الاصابات، انّ الوباء الخبيث هزم السلطة، بضعف إجراءاتها الاحتوائية. وما من شك انّ المسؤولية الكاملة تقع عليها لعدم مبادرتها الى وضع التحصينات الاستباقية لكسر موجة الوباء التي تضرب البلد، بصورة اعنف مما كانت عليه مع بدء ظهور الفيروس، ولكن جانباً كبيراً من هذه المسؤولية يقع على المواطن نفسه، الذي قدّم نماذج فاقعة من التراخي، وعدم الادراك لحجم الخطر، لا بل المصيبة التي تتهدّده، ومن الإصرار على العبث بحياته وحياة اهله وعائلته ومحيطه. وهذا ليس مبرّرا على الإطلاق، خصوصاً وانّه يوفّر الارضية الخصبة لانتشار الوباء وبالتالي الانتحار الجماعي.
سياسياً، يُفترض ان يشكّل الأسبوع الجاري، منطلقاً في اتجاهين؛ الأول، نحو بدء تلمّس ايجابيات تحمل معها تباشير توجّه البلد نحو حلحلة في الازمة الاقتصادية والمالية الخانقة. والثاني، نحو الثبات في متاهة الأزمة، وما يحمل معه من نُذر سلبية تزيد من تعقيدات هذه الازمة وتعدم كل المخارج المفترضة والمؤدية الى انفراجات.
واذا كانت السلطة قد اصيبت بشيء من الحيوية، جراء ما سُمّيت «ليونة» حيالها، في الموقف الخارجي، والاميركي على وجه التحديد، فإنّ رهانها الأول، هو على بدء سريان مفعول «السلّة المدعومة»، وتأثيراتها المباشرة على الاسعار والدولار، حيث تفترض السلطة انّها ستهوي بهما نحو الانخفاض الحتمي. والثاني، على نتائج «الاستعانة بالشقيق»، وما اذا كان طرق ابواب الاشقاء سينجح في فتح بيوت المال لإعانة لبنان، ورسم طريقه نحو الانفراج والانتعاش.
ابواب الخليج
ما هو مضمون بالنسبة الى السلطة، ما تصفها السرايا الحكومية بـ»الرغبة العراقية الصادقة، في تسريع خطوات الدعم للبنان في المدى القصير جداً»، بالتوازي مع تأكيد شبه يقيني في اوساط السرايا عن مبادرة قطرية وشيكة تجاه لبنان، وهو امر لم تؤكّده قطر لا صراحة ولا بالإيحاء، لكن التعويل الاساس بالنسبة للسلطة، يبقى على دول الخليج، التي توجّهت اليها الحكومة، دخولاً من الباب الكويتي، وليس ما يؤشّر حتى الآن، الى انّ الباب الخليجي سيتمّ فتحه في المدى المنظور.
عودة ابراهيم
وقد عاد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الى بيروت مساء امس، آتياً من الكويت، وتوجّه فور وصوله مباشرة الى القصر الجمهوري ووضع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في اجواء زيارته التي كلّفه بها رسمياً موفداً منه.
ووصف اللواء ابراهيم اللقاءات التي اجراها بالايجابية جداً، وقال لـ»الجمهورية»، انّه سمع الكلام الطيب من كبار المسؤولين في الكويت وكل الاستعداد لمساعدة لبنان ضمن الإمكانات المتاحة.
وعلمت «الجمهورية»، انّ البحث تركّز على زيادة تزويد لبنان بالمشتقات النفطية، كذلك رفع الدعم في الهبات والاستثمارات ومساعدات الصندوق الكويتي للتنمية العربية. وكشف اللواء ابراهيم، انّ جزءاً من لقاءاته خُصّص للتنسيق الامني بين لبنان والكويت، خصوصاً بعدما تعهّد امير الكويت بالإيعاز الى السياح الكويتيين التوجّه الى بيروت للسياحة والاصطياف، فكان البحث بسبل حفظ امنهم والاهتمام بهم.
وكان اللواء ابراهيم قد التقى في الكويت امس، رئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح. واكتفت المعلومات الرسمية التي اعلنتها وكالة الانباء الكويتية (كونا) بالإشارة الى «انّ صاحب السمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح خالد الحمد الصباح في قصر السيف استقبل، وبحضور معالي وزير الخارجية الشيخ الدكتور احمد ناصر المحمد الصباح امس الاثنين، مبعوث فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية الشقيقة مدير عام المديرية العامة للأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم والوفد المرافق له، وذلك لمناسبة زياراته البلاد. حضر المقابلة وكيل وزارة الداخلية الفريق عصام سالم التهام، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الوطن العربي السفير فهد احمد العوضي»
الى ذلك، ابلغت مصادر موثوقة الى «الجمهورية»، انّ «محادثات اللواء ابراهيم في الكويت كانت ناجحة، وانّه لمس تجاوباً صادقاً لمدّ يد العون للبنان وتمكينه من تجاوز محنته».
هذه الأجواء تمّ استخلاصها من سلسلة اتصالات جرت في الساعات الماضية على خط بيروت الكويت، بين اللواء ابراهيم وكبار المسؤولين في لبنان.
واوضحت المصادر، انّ زيارة ابراهيم الى الكويت، انطلقت في الاساس على اجواء مشجعة ابداها الجانب الكويتي، وعبّر عنها السفير الكويتي في لبنان عبد العال القناعي امام رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
ونقلت صحيفة «الرأي» الكويتية عن مصادر ديبلوماسية كويتية واكبت لقاءات المبعوث الرئاسي اللواء عباس ابراهيم في الكويت قولها: «إنّ المحادثات التي أجراها مع كبار المسؤولين الكويتيين كانت إيجابية، وتخلّلها تفهم لوجهات النظر وتقدير كبير للوضع اللبناني والتحدّيات التي يمرّ بها لبنان على مختلف الصعد».
وكشفت المصادر، «أنّ الجانب الكويتي وعد بمتابعة المواضيع والملفات التي طُرحت من خلال مجلس الوزراء والمؤسسات ذات الصلة، نافية ان تكون الاجتماعات أفضت الى قرارات فورية، ومؤكّدة ان رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد أكّد للواء إبراهيم أنّ الهمّ اللبناني هو همّ كويتي وعربي بطبيعة الحال، متمنياً عودة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي عبر خطوات إصلاحية جدّية».
بعبدا
وفي المعلومات التي توفّرت ليلاً، وبعد زيارته الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، عُلم انّ زيارة الموفد الرئاسي الى العاصمة الكويتية اللواء عباس ابراهيم كانت ناجحة وايجابية بكل المقاييس التي رافقت اللقاءات التي شملت الأمير ورئيس الحكومة ورئيس مجلس الامة ووزير الخارجية. وتبلّغ اللواء ابراهيم بوضوح انّ الكويت لن تتخلى عن لبنان ولن تتركه في هذه الأزمة، فالكويتيون لم ينسوا الموقف اللبناني المتضامن مع الإمارة أثناء الاجتياح العراقي لها في نهاية القرن الماضي. وانّ لبنان دولة شقيقة، وأهل الكويت حاضرون للمساعدة.
وقبل ان يلتقي اللواء ابراهيم المسؤولين الكويتيين بعد لقاء الامير، كانت تعليماته قد سبقت اللقاءات، فنقلوا إليه مضمون التعليمات الأميرية ودعوة للدخول في التفاصيل التي يحملها الضيف لِفهم حاجات لبنان الملحّة كما يراها رئيس الجمهورية العماد عون ووفق الاولويات التي يحددها.
وعلمت «الجمهورية» انّ الافكار المتداولة تناولت ابواباً مختلفة، منها إمكان ان تساهم الكويت بوديعة مالية في مصرف لبنان لتعزيز مخزونه من العملات الصعبة، او اللجوء الى الاستثمار في مؤسسات كبيرة وبحجم يُنعش الوضع الاقتصادي والنقدي، كما بالنسبة الى إمكان تقسيط الدفعات المالية المستحقة لقاء تزويد لبنان بالمشتقات النفطية بموجب الاتفاقية السابقة من دولة لدولة ولآجال طويلة الامد وعلى دفعات متباعدة، والى حين تجاوز الازمة النقدية التي تمر بها البلاد.
وفي المعلومات انّ رئيس الحكومة الكويتية ووزير الخارجية ورئيس مجلس الأمة وعدوا اللواء ابراهيم بالتداول سريعاً في ما حمله من مقترحات، ليكون الجواب لدى الجانب اللبناني في وقت قريب.
وسمع اللواء ابراهيم في لقائه مع رئيس الحكومة كلاماً واضحاً مفاده بأنه لا يمكن لموفد رئيس الجمهورية اللبنانية ان يعود الى بيروت من الكويت بغير ما يريده بالحد الاقصى، وان يكون مرتاحاً للزيارة، وأن يكون متيقّناً من الدعم الكويتي، فللبنان معزّة خاصة في قلوب الكويتيين.
وفي المعلومات انّ الموفد الرئاسي تبلّغ من وزير الخارجية وجود توجيهات أميرية بتوفير الدعم الدبلوماسي للبنان، وعُلم أن وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان أضاف الكويت ضمن جولته إلى العراق ولبنان، وسيكون ملف لبنان حاضراً في صلب المباحثات فلا يمكن للكويت أن تدّخِر جهداً يوفر الإسراع لمساندة لبنان للخروج من الازمة التي يعيشها في اسرع وقت ممكن، ولا سيما على مستوى الدعم الفرنسي المتمثّل بالسعي القائم لتوفير الظروف المؤاتية لتنفيذ مقررات «سيدر واحد».
باريس
وتزامناً مع الموقف الكويتي، تتوالى الإشارات الفرنسية تجاه لبنان، وحث الحكومة على إصلاحات سريعة.
وقالت مصادر ديبلوماسية فرنسية لـ»الجمهورية»: «انّ باريس الى جانب لبنان، وهي معنية بأن تراه وقد غادر ازمته، وهي ماضية في استعدادها لمساعدته في تجاوز ازمته القاسية. وضمن هذا التوجّه تأتي زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان الى بيروت قبل نهاية الاسبوع الجاري».
ورداً على سؤال حول «سيدر»، نفت المصادر ما قيل عن انّه قد تعطّل او تجمّد وقالت: «انّ باريس ما زالت تأمل في أن ترى خطوات انقاذية من قِبل الحكومة اللبنانية وإجراء الاصلاحات اللازمة والضرورية، والّا فإنّ الوضع في لبنان قد يخرج عن السيطرة».
فوشيه
من جهّة ثانية، أكد السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه أنّ فرنسا تهتم للبنان وهي قَلقة، وتشعر بخيبة الأمل لأنّ سياسة الحكومة منذ سنوات فشلت في تحقيق النتائج التي كانت متوقعة.
وقال فوشيه في برنامج تلفزيوني إنّ «الميزانية العامة سيئة جداً ويجب تحديدها، لهذا السبب طلبنا من لبنان وشجّعناه للتعاون مع صندوق النقد الدولي، والمفاوضات لا تحرز تقدماً بسبب أمور أولوية كتوضيح حالة الحسابات والخسائر المالية».
وشرح أنّ صندوق النقد الدولي صبور، ووضعَ عدداً من الشروط على طاولة المفاوضات وينتظر موقفاً لبنانياً موحداً، وما سيقدمه للبنان لن يحل الأزمة المالية برمّتها ولكنه عودة إلى المسار الصحيح».
وفي ملف أزمة الكهرباء، رأى فوشيه أنّ «قطاع الكهرباء مسؤول عن 40 % من العجز المالي والدين العام اللبناني»، لافتاً الى أنّ «تعيين أعضاء مجلس إدارة جدداً ليس الإصلاح المطلوب، بل ببساطة الصيانة وآلية العمل».
وبالنسبة للاصلاحات، لفت الى أنّه «يجب بذل مجهود أكبر في إصلاحات السياسة المالية وسياسة الموازنة، فالنفقات باهظة للغاية وهناك تدابير يمكن اتخاذها على صعيد الأسواق العامة والإصلاح القضائي والإصلاح على صعيد السرية المصرفية».
وردّاً على سؤال إذا كانت فرنسا والإتحاد الأوروبي سيمرران مساعدات إنسانية طارئة للبنان، أجاب: «نعم نبحث في الأمر، أمّا الجيش فقد جدّدت فرنسا التزامها بدعمها له».
الهجرة
الى ذلك، كشفت مصادر ديبلوماسية غربية لـ»الجمهورية»، انّ الوضع في لبنان كان محور نقاش على اكثر من مستوى دولي في الآونة الاخيرة، وخلص الى رسم علامات تشاؤمية حياله. والتقى على التخوّف من تفاقم الامور اكثر في هذا البلد، ما لم تبادر السلطات فيه الى اجراءات احترازية واصلاحات جذرية تمنع عنه الانهيار.
وبحسب المصادر، فإنّ تقارير ديبلوماسية غربية من بيروت، جرى عرضها في هذا النقاش، وزرع مضمونها التخوّف من ازدياد الهجرة من لبنان. واشارت تلك التقارير الى معلومات من مصادر رسمية لبنانية ومراجع روحية ، تفيد عن حجوزات بالآلاف لمغادرة لبنان، وجلّهم من الشباب وعائلات بكاملها، هرباً من الأزمة، والمقصد الاساس هو اوروبا وفرنسا على وجه الخصوص، وغالبية هؤلاء من المسيحيين».
الموقف الاميركي
على صعيد آخر، علمت «الجمهورية»، انّ مسؤولاً كبيراً استمزج رأي بعض الديبلوماسيين الاجانب حيال الموقف الاميركي، وما اذا كانت واشنطن قد قرّرت ابداء ليونة حيال الوضع في لبنان.
وبحسب المعلومات، فإنّ الاجابات التي وقف عليها المسؤول المذكور، افادت بالآتي:
اولاً، من السابق لأوانه الحديث عن ليونة اميركية تجاه الحكومة اللبنانية.
ثانياً، انّ الثقة الاميركية بالحكومة مشروطة بمجموعة خطوات اصلاحية لم تبادر اليها، وهذه الاصلاحات يعبّر عنها المجتمع الدولي وتشدّد عليها المؤسسات المالية الدولية التي ترى انّ لبنان لا يستطيع ان يصمد اكثر من دونها، وانّ صندوق النقد الدولي اكّد على هذا الامر مرات عديدة في جلسات التفاوض مع لبنان للتفاهم حول برنامج لمساعدته، والمؤسف انّ لبنان هو الذي يؤخّر الوصول الى هذا البرنامج.
ثالثاً، على الجانب اللبناني ان يدرك بأنّ واشنطن لا تعطي مجاناً، وعلى لبنان ان يتعمق بهذا الامر ملياً.
الى ذلك، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية لقناة «العربية: «إن على الزعماء اللبنانيين أن يلتزموا بالإصلاحات الضرورية وأن يطبّقوها تلبيةً لمطالب الشعب اللبناني بالقضاء على الفساد المستشري وبحكم أفضل وفرص اقتصادية».
وأضاف، إنّ «صندوق النقد الدولي لديه الخبراء التقنيين لمساعدة الدول في مواجهة التحدّيات، لكن لبنان مسؤول عن وضع برنامج ذي صدقية، وأن يطبّقه».
وشدّد المتحدث باسم الخارجية الأميركية بالقول، إنّ «التطبيق يتطلب التزاماً من الأطراف السياسية»، وانّ الولايات المتحدة مستعدة «للعمل مع الأسرة الدولية في تطبيق هذه الإصلاحات».
سترخي الحبل
الّا انّ خبيراً في السياسة الاميركية ابلغ الى «الجمهورية» قوله انّ السياسة المتشددة التي تنتهجها الادارة الاميركية تجاه لبنان، لا تعني انها ماضية فيها نحو خنقه، بل هي تترك منافذ له لكي يتنفس. ذلك انّ لبنان بالنسبة الى واشنطن دولة في غاية الاهمية، ولذلك لن تتركه يسقط.
وقال الخبير: انّ واشنطن هي اكثر من يدرك التركيبة اللبنانية، والعدد الغالب من المسؤولين في الخارجية الاميركية خدموا في لبنان ويعرفون حساسية التركيبة اللبنانية والتوازنات فيها، وموقع وحجم كل مكوّن من المكونات اللبنانية».
وجزم الخبير عينه بأنّ الحبل، وإن بَدا انّ واشنطن تشدّه الآن على رقبة لبنان، فإنها في لحظات معينة قد تبادر الى ان ترخيه قليلاً، لأنّ لها، في نهاية الأمر، مصالحها وحلفاءها وأصدقاءها في لبنان، ولا اعتقد انّ ابواب التمويل والمساعدات الخارجية ودخول الدولار إليه ستبقى مقفلة، وبيد السلطة اللبنانية ان تعجّل في هذا الفتح لأنّ المفتاح في يدها، وان تقدّم للعالم جرعة إصلاحات مقنعة.
ورداً على سؤال عن العقوبات الاميركية على لبنان، اكد الخبير انها محصورة فقط بـ»حزب الله»، وبالتالي لا عقوبات اميركية شاملة على لبنان، فواشنطن تعرف انّ وضع لبنان مختلف جذريّاً عن دول عدوة لأميركا، مثل ايران وفنزويلا، ففي هاتين الدولتين لا يوجد اصدقاء للولايات المتحدة، بل هناك مجتمع مُعاد بغالبيته الساحقة لواشنطن، خلافاً للبنان، حيث من تعتبرهم واشنطن اعداؤها يشكلون أقلية في لبنان، فيما الاكثرية هم اصدقاؤها وحلفاؤها.
في هذا الاطار لاحظ مراقبون انّ الحكومة اللبنانية غارقة في التخبّط، حتى في تعاطيها مع الولايات المتحدة الاميركية، «ففي وقت تُطالب بمساعدة لبنان وكذلك بمنحه استثناء من قانون قيصر، نراها تُبادر الى خطوات استفزازية لواشنطن عبر السماح بإقامة تظاهرة ضد السفارة الاميركية في عوكر، ترافقت مع خطوات مشبوهة واستفزاز لشريحة واسعة من اللبنانيين عبر التطاول على الرئيس الشهيد بشير الجميّل، وكأنها تستدعي الحرب الاهلية من جديد».
عقلنة الخطاب
الى ذلك، وفي الوقت الذي تتوالى الاصوات الداخلية لعقلنة الخطاب السياسي في هذا الظرف الذي يتطلب اعلى درجات الوعي، أكدت اوساط السرايا الحكومية لـ»الجمهورية» انّ «الحكومة، وعلى الرغم من استهدافها المنظّم، ماضية على طريق الانجاز، وهذا ما سيلمسه المواطن اللبناني في وقت قريب جداً».
وفي هذا السياق اكدت اوساط عين التينة لـ»الجمهورية» انّ على الحكومة ان تدخل عملياً الى مدار الانتاجية الفعلية، علماً انّ السلة الغذائية والاستهلاكية التي وضعتها تستحق الثناء، ويعوّل عليها في أن تزيل بعض العبء عن كاهل اللبنانيين، لكنّ الاهم هو الّا نكتفي بهذا المقدار، إذ المطلوب وبإلحاح مواكبتها بخطوات اضافية وولوج باب الاصلاحات الحقيقية والنوعية.
تطويل عمرها
إلّا انّ الصورة تختلف لدى المعارضة التي تعتبر انها لا تأمل خيراً من حكومة فاشلة.
وقال مصدر قيادي في المعارضة لـ»الجمهورية»: الأمل مقطوع من هذه التركيبة الحكومية، والتعويل عليها هو خطأ جسيم، فمنذ تأليف حكومة الاكثرية الحالية، أثبتت هذه الحكومة انها لا تجيد سوى أمر وحيد، وهو استهلاك الوقت وعدم الوصول الى إنجازات، وهي بدل ان تعمل من أجل لبنان، تعمل فقط من اجل تطويل عمرها، وهي بالتالي ليست فقط عبئاً على البلد وعلى المعارضة، بل أصبحت عبئاً حتى على من يدعمها».
الصندوق يحذّر
في سياق متصل، تتوالى تحذيرات صندوق النقد الدولي للحكومة، وجديدها ما ذكرته وكالة «رويترز» من انّ صندوق النقد يُناشد السلطات اللبنانية التوافق حول خطة الإنقاذ المالي الحكومية، ويقول إنه «جاهز للعمل على تحسينها إذا قضَت الحاجة».
ونقلت «رويترز» عن الصندوق قوله: «نحن قلقون حيال محاولات لبنان تقديم خسائر أقلّ لأزمته المالية، ونحذّر من أنّ هذا لن يؤدّي إلّا إلى زيادة تكلفة الأزمة بتأجيل التعافي».
وتعقيباً على هذا الموقف، قال مصدر متابع انّ طبيعة عمل صندوق النقد تقضي بالتشكيك في أية أرقام تقدّمها جهات رسمية تفاوضه للحصول على مساعدات، ذلك انّ الدول تميل بطبيعة الحال الى محاولات إخفاء بعض الخسائر لتسهيل الحصول على الاموال من دون ان تضطر الى إجراء اصلاحات قاسية. وقد زاد توجّس خبراء صندوق النقد في هذا الاتجاه، منذ ان تمّ الكشف عمّا جرى مع اليونان إبّان انضمامها الى العملة الاوروبية الموحدة (يورو)، ونجاحها في تجميل أرقام اقتصادها، وإخفاء الارقام الحقيقية.
الدولار
بعد انخفاض مريب للدولار في عطلة نهاية الاسبوع، عادت السوق السوداء لتتحكّم بالدولار وترفع سعره مجدداً لنحو ألفي ليرة، بحيث تجاوز الـ8 آلاف ليرة للدولار الواحد، بعدما كان قد انخفض السبت والاحد الى ما دون الـ6 آلاف ليرة.
وقالت مصادر مصرفية رسمية لـ»الجمهورية» انّ سعر الدولار، الذي يجري التلاعب فيه في السوق السوداء، ليس هو السعر الاقتصادي للدولار.
ولفتت المصادر الى أمر مريب يجري كل نهاية اسبوع، اذ انّ الدولار، وقبل نهاية كل اسبوع، يتعرّض لشيء من الاهتزاز، فجأة تصدر «تعليمة» على «الواتساب» ومواقع التواصل الاجتماعي، سرعان ما تَتعمّم بلمح البصر، وتصبح متداولة في بيروت والضاحية والبقاع والشمال والجنوب والجبل، ليهبط الدولار بمعدّل ألف او ألفي ليرة في يوم واحد، كما حصل في اليومين الماضيين حيث تراجع الدولار من 8200 ليرة يوم الجمعة الى 7000 ليرة يوم السبت لينخفض الى ما دون 6000 ليرة يوم الاحد نهاراً، ليعود مساء الاحد للارتفاع الى 7500 ليرة، وأكمل يوم امس الاثنين ارتفاعه الى ما فوق الـ8000 ليرة.
واشارت المصادر الى انّ هناك مافيا تلعب بالدولار، تشارك فيها جهات مختلفة، لافتة الى انّ إمكانية ردع هذه المافيا ليست مستحيلة، لأنّ في مقدور الدولة ان تُسخّر اجهزتها الامنية وتردع كل المتلاعبين.
السرايا
في هذا السياق، اكدت مصادر السرايا الحكومية لـ»الجمهورية» انّ لعبة الدولار سياسية، الهدف منها إرباك الحكومة واسقاطها، وهذا لن توفّره الحكومة لمَن يسعى الى النيل منها.
اضافت: انّ الهدف الحكومي هو فك الارتباط بين الدولار والاسعار، فإذا ما تأمّنت الاساسيات للمواطن بالسعر المدعوم، فبالتأكيد لن يتأثر بالدولار مهما ارتفع، وهذا السعر المتداول في السوق السوداء هو سعر سياسي، ولا بد ان ينتهي في اي لحظة، ونحن متيقّنون من انّ هذا الوضع سينتهي، وانّ الدولار سينخفض الى ما دون 5 آلاف ليرة، وصولاً الى 4 آلاف ليرة، فدعونا ننتظر بعض الوقت، وبالتأكيد ليس لوقت طويل.
الكابيتال كونترول
وكانت لجنة المال والموازنة النيابية قد عقدت جلسة في المجلس أمس، خَصّصتها للبحث في اقتراح «الكابيتال كونترول»، وقال رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان: «مقاربتنا للكابيتال كونترول تنطلق من الحفاظ على حقوق المودعين، ولسنا على استعداد لزيادة القيود على المودعين من دون خطوات واضحة من المصارف والدولة لإعطاء المودع حقوقه».
وكشف كنعان أنّ تقرير ديوان المحاسبة عن الحسابات المالية سيصدر في وقت قريب، وأنه سيؤكد ما قالته اللجنة على مدى سنوات: «ما في رقم صحيح». وقال: مَن يدّعي انّ ارقام الحكومة صحيحة هو فعلياً «حزب المصارف»، ومن يدافع عن اموال الدولة غير الصحيحة هو من صاغَها على مدى سنوات وفيها الكثير من الفجوات.
وقال: الحكومة مدعوة لتحمّل مسؤولياتها تجاه الناس والمودعين، «فمن غير المسموح رَمي العجز وعدم القرار على المجلس النيابي على غرار الكابيتال كونترول».
الاموال المهرّبة
على الصعيد نفسه، وجّه المحامي العام التمييزي القاضي صبوح سليمان كتاباً الى هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، طلب بموجبه التوسّع بالتحقيق حول التحويلات المصرفية الى الخارج التي جرت بين 17 تشرين الاول من العام 2019 و31 كانون الاول من العام نفسه، والتي بلغ مجموعها 160 مليوناً و441 ألف دولار.
وطلب سليمان من الهيئة التأكيد على المصارف التحقيق حول هذه الحسابات، ولا سيما كل حساب يعادل او يزيد عن المليون دولار اميركي، وذلك عملاً بالمادة 4 من قانون مكافحة تبييض الاموال رقم 44/2015. وكذلك، الطلب من المصارف إبلاغ رئيس هيئة التحقيق الخاصة عن كل حساب مصرفي مَشبوه من الحسابات المحولة الى الخارج، عملاً بالمادة 7 من القانون المذكور».
«الجبهة المدنية»
الى ذلك، وفي موازاة الانحدار الحاصل، سيتم يوم الاربعاء إطلاق «الجبهة المدنية الوطنية».
وأكدت مصادر الجبهة لـ»الجمهورية» أنها «تشكّل هوية جامعة في إطار تنسيقي، يحترم خصوصيات كل مجموعة وبرامجها السياسية، مع جعل المطالب الوطنية الكبرى قاسماً مشتركاً في ما بينهم».
ولفتت المصادر الى أنّ «واقع الدولة المشلول، ومؤشرات الانهيار وفشل الحكومة وتداعيات الإفلاس، كلها عوامل ساهمت في تكثيف الجهود لإيجاد صيغة تعاون وتنسيق لمراكمة مكاسب الثورة، والانتقال بها إلى مرحلة جديدة من التنسيق والعمل الجماعي وفق خطة وطنية وبرنامج محدد يضمن الانتقال بالبلاد إلى مرحلة التغيير».
واوضحت المصادر «أنّ من أهم ثوابت «الجبهة الوطنية» هي التأكيد على استمرار ثورة 17 تشرين وأولوياتها:
- إجراء انتخابات نيابية مبكرة حرّة ونزيهة وفق قانون يحقق عدالة التمثيل.
- تشكيل حكومة مستقلة بصلاحيات استثنائية.
- بناء قضاء مستقلّ.
- إنجاز خطة اقتصادية إنقاذية حقيقية تراعي ما وصلت إليه حال مؤسسات الدولة والمالية العامة للدولة.
- الدفع في اتجاه تنفيذ إصلاحات بنيوية وقطاعية وتعزيز الحوكمة السليمة، والدفع نحو الاصلاحات الهيكلية المطلوبة في أي برنامج إنقاذ إقتصادي كالتهريب والتهرّب الضريبي وتطوير القطاع المصرفي وحلّ أزمات الكهرباء والنفايات.
- التمسّك بالسيادة الوطنية واحترام الشرعية الدولية وحصر قرار السلم والحرب بيد السلطات اللبنانية».
وأكدت مصادر الجبهة انها «ستكون بمثابة إطار مشترك يظلل مكوّنات الثورة على قاعدة إعلاء المصلحة العامة فوق الاعتبارات الخاصة، فالثورة تستحق التضحيات ورفع مستوى التعاون والتنسيق بين الحريصين على التغيير، مع محافظة كل مجموعة أو مكوّن على استقلالية عمله ونشاطه السياسي».