

ضغط كبار المسؤولين الإيرانيِّين على زعيم البلاد لتغيير موقفه، مجادلين بأنّ خطر الحرب مع الولايات المتحدة والأزمة الاقتصادية المتفاقمة، قد يؤدّيان إلى سقوط النظام. كانت تلك جلسة عاجلة وسرّية للغاية.
كانت إيران تُفكّر في الردّ على رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي يسعى فيها إلى مفاوضات نووية. ولهذا السبب، اجتمع رئيس البلاد ورئيسا السلطة القضائية والبرلمان مع المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، الشهر الماضي، وفق مسؤوليَن إيرانيَّين كبيرَين مطّلعان على الاجتماع.
حظّر خامنئي علناً وبشكل متكرّر التعامل مع واشنطن، واصفاً ذلك بأنّه أمر غير حكيم وأحمق. إلّا أنّ المسؤولين الكبار، في جهد منسّق نادر، حثّوه على تغيير المسار، بحسب المسؤولَين اللذَين طلبا عدم الكشف عن اسمَيهما لمناقشة قضايا حساسة. كانت الرسالة الموجّهة إلى خامنئي صريحة: اسمح لطهران بالتفاوض مع واشنطن، حتى بشكل مباشر إذا لزم الأمر، وإلّا فإنّ حُكم الجمهورية الإسلامية قد يُطاح به.
فالبلاد كانت تعاني بالفعل من اقتصاد منهار، وعملة تتهاوى أمام الدولار، ونقص في الغاز والكهرباء والمياه. وحذّر المسؤولون من أنّ خطر الحرب مع الولايات المتحدة وإسرائيل كان خطيراً للغاية. وأبلغوا خامنئي أنّه إذا رفضت إيران التفاوض، أو إذا فشلت المفاوضات، فستكون الضربات العسكرية على الموقعَين النوويَّين الرئيسيَّين في إيران، نطنز وفوردو، أمراً لا مفرّ منه.
ثم ستضطرّ إيران إلى الردّ، ممّا يعرّضها إلى خطر حرب أوسع نطاقاً، وهو سيناريو قد يفاقم من تدهور الاقتصاد ويؤجّج الاضطرابات الداخلية، بما في ذلك الاحتجاجات والإضرابات، وأنّ القتال على جبهتَين يُشكّل تهديداً وجودياً للنظام، وفق المسؤولِين.
في نهاية الاجتماع الذي استمر لساعات، تراجع خامنئي. ووافق على السماح بإجراء محادثات، تبدأ بشكل غير مباشر عبر وسيط، ثم إذا سارت الأمور على ما يرام، تنتقل إلى مفاوضات مباشرة بين المفاوضين الأميركيِّين والإيرانيِّين، بحسب ما ذكره المسؤولان.
في 28 آذار، أرسلت إيران رداً رسمياً على رسالة ترامب، تُعلن فيه استعدادها للمفاوضات. واليوم، ستعقد إيران والولايات المتحدة الجولة الأولى من المحادثات في عُمان. وإذا تطوّرت الأمور إلى اجتماعات وجهاً لوجه، فسيُعدّ ذلك مؤشراً إلى تنازل كبير من جانب إيران، التي أصرّت مراراً على أنّها لا تريد لقاء الأميركيِّين مباشرةً. ولا تزال إيران تصرّ على أنّ المفاوضات ستكون غير مباشرة - أي أنّ كل طرف سيجلس في غرفة منفصلة، وينقل الديبلوماسيّون العُمانيّون الرسائل بين الجانبَين - بينما كشفت الولايات المتحدة أنّ الطرفَين يُخطّطان للاجتماع مباشرةً. والرهانات كبيرة لكلا الجانبَين.
وأوضح حسين موسويان، الديبلوماسي السابق الذي خدم ضمن فريق التفاوض النووي الإيراني في اتفاق عام 2015، وهو الآن باحث زائر في جامعة برينستون: «تحوُّل خامنئي يعكس مبدأه الأساسي الراسخ منذ فترة طويلة، وهو أنّ الحفاظ على النظام هو أوجب الواجبات».
وأكّد ترامب، الأربعاء من المكتب البيضاوي، مجدّداً أنّه سيتخذ إجراءً عسكرياً ضدّ إيران «إذا لزم الأمر، بالتأكيد»، إذا فشلت في التفاوض، «أنا لا أطلب الكثير، لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي. أريد لهم الازدهار. أريد أن تكون إيران عظيمة».
وتأتي هذه المحادثات في سياق نظام عالمي يتغيّر بسرعة، من التغيّرات الإقليمية إلى الرسوم الجمركية العالمية والتحالفات المتقلبة. وقد قُوِّضت الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة، مثل «حماس» و»حزب الله»، من قِبل إسرائيل، كما خسرت إيران حليفاً رئيساً في سوريا بسقوط الرئيس بشار الأسد في كانون الأول.
كما شجّع الحليفان القويان لإيران، روسيا والصين، طهران على حَلّ نزاعها النووي مع الولايات المتحدة عبر المفاوضات. وقد عقدت الدول الثلاث اجتماعَين في بكين وموسكو أخيراً، لمناقشة البرنامج النووي الإيراني.
منذ تولّي ترامب منصبه، أبدت الصحف والمحلّلون الإيرانيّون قلقاً بشأن ما إذا كان التحالف الذي أُنشئ بعناية مع روسيا والصين بات مهدّداً. وقد تواصلت إدارة ترامب مباشرة مع الحكومة الروسية بشأن الحرب في أوكرانيا وإيران. كما ضغط ترامب على الصين لوقف شراء النفط الإيراني الخاضع للعقوبات، وفرض عقوبات على المصافي الصينية التي تشتري النفط من إيران.
وكشف همايون فلكشاهي، رئيس فريق النفط الخام في شركة «كبلر» التي تتعقب شحنات النفط، أنّ إيران صدّرت منذ كانون الثاني نحو 1,6 مليون برميل من النفط الخام يومياً، معظمها إلى الصين. وتتوقع شركته انخفاضاً يقارب نصف مليون برميل يومياً، إذا وسّعت الولايات المتحدة عقوباتها على الصين. وسيكون لذلك تأثير كبير على الاقتصاد الإيراني. وكانت المخاوف الاقتصادية جزءاً من النقاش الذي دار، بينما حَثّ المسؤولون الكبار خامنئي على السماح بالمفاوضات.
وأوضح محمد باقر قاليباف، القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني والرئيس المحافظ للبرلمان، لخامنئي إنّ الحرب، إذا اقترنت بانهيار اقتصادي داخلي، قد تُخرج الأمور عن السيطرة بسرعة، وفق المسؤولَين الكبيرَين اللذين تحدّثا إلى «التايمز» بشأن الاجتماع.
وأكّد الرئيس مسعود بزشكيان لخامنئي، أنّ إدارة البلاد في ظلّ الأزمات الحالية أمر غير قابل للاستمرار. وأعلنت الحكومة عن انقطاعات جديدة للكهرباء في طهران هذا الشهر، بما في ذلك للمصانع، ممّا يُهدّد خطوط الإنتاج. وفي مدينة يزد وسط البلاد، أجبر شحّ المياه الحاد المدارس والمكاتب الحكومية على الإغلاق لمدة يومَين هذا الأسبوع.
اليوم، سيُمثل إيران في المحادثات وزير الخارجية عباس عراقجي، بينما سيُمثل الولايات المتحدة المبعوث الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف.
وعلى رغم من أنّ أهداف الاجتماع الأول متواضعة - التوصّل إلى إطار للمفاوضات وجدول زمني - فإن سارت الأمور على ما يرام، فقد يكون من الممكن عقد اجتماع بين عراقجي وويتكوف في وقت مبكر اليوم، بحسب المسؤولين الإيرانيِّين.
الوقت يداهم البرنامج النووي الإيراني. إذ أصبحت إيران الآن أقرب بكثير إلى القدرة على إنتاج سلاح نووي ممّا كانت عليه في عام 2018، عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية.
وبعد انسحاب ترامب من الاتفاق وفرضه للعقوبات، تحرّكت إيران أيضاً للتخلي عن بعض التزاماتها بموجب الاتفاق، الذي حدّ من مستويات تخصيبها لليورانيوم إلى 3,5%، لترتفع لاحقاً إلى 60%. وأعلنت إيران أنّ برنامجها النووي لأغراض سلمية، على رغم من أنّ الاستخبارات الأميركية خَلُصَت، في وقت سابق من هذا العام، إلى أنّ إيران كانت تستكشف طريقاً أسرع، وإن كان أقل تطوّراً، لصناعة سلاح إذا اختارت المضي في هذا الاتجاه. وكشفت الوكالة الذرية التابعة للأمم المتحدة، التي تراقب المواقع النووية، أنّها لم تعثر على دليل على تصنيع سلاح نووي.
وأكّد ترامب مراراً أنّ الاتفاق السابق لم يكن كافياً، فيُريد اتفاقاً أوسع نطاقاً. من جانبه، وضع خامنئي بعض الشروط والمعايير للمفاوضات، وفق 3 مسؤولين إيرانيِّين. فقد أعطى الضوء الأخضر لمناقشة البرنامج النووي، بما في ذلك آليات رقابة صارمة وتقليص كبير في تخصيب اليورانيوم. لكنّه أكّد أنّ صواريخ إيران تُعدّ جزءاً من دفاعها الذاتي ولا يمكن التفاوض عليها، بحسب المسؤولين. ويعتقد موسويان، المفاوض النووي السابق، أنّ إيران لن توافق أبداً على مطالب واشنطن وإسرائيل بتفكيك برنامجها النووي بالكامل، مضيفاً أنّ مثل هذا المطلب سيكون «قاطعاً للاتفاق». كما أنّ إيران منفتحة على مناقشة سياساتها الإقليمية ودعمها للجماعات المسلحة، بحسب المسؤولين، وقد تُبدي استعداداً لاستخدام نفوذها لتهدئة التوترات الإقليمية، بما في ذلك مع الحوثيِّين في اليمن.
وقد عيّن خامنئي عدداً من كبار مستشاريه والمقرّبين منه (كمال خرازي في السياسة الخارجية، علي لاريجاني في الاستراتيجية، ومحمد فروزنده في الشؤون العسكرية) لإدارة المفاوضات مع واشنطن بالتنسيق الوثيق مع وزارة الخارجية، بحسب 4 مسؤولين إيرانيِّين.
في إشارة أخرى إلى تليِين الموقف الإيراني، أعلن بزشكيان الأربعاء، أنّ خامنئي منفتح على السماح بدخول الشركات والاستثمارات الأميركية إلى السوق الإيرانية التي لم تُستغل بعد إلى حدّ كبير.
وقد تصدّرت أخبار المحادثات الصفحات الأولى للصحف الإيرانية هذا الأسبوع، وحتى الاقتصاد أظهر مؤشراً طفيفاً على الانتعاش. إذ ارتفع سعر صرف الريال الإيراني قليلاً مقابل الدولار في السوق السوداء. كما افتتحت البورصة الإيرانية على ارتفاع لعدد من الشركات.








