جائزة «نوبل» للطائرات المسيَّرة
جائزة «نوبل» للطائرات المسيَّرة
جوزف الهاشم
Friday, 11-Apr-2025 07:18

يقول الفيلسوف الألماني «هيغل»: «تندلع الحروب عندما تكون ضرورية، ثمّ تنمو المواسم من جديد وتتوقّف الألسنة عن الثرثرة أمام جدّيـةِ التاريخ» (1).

 

ولكنّ الحروب، ولا سيّما في منطقة الشرق الأوسط، تندلع، ويندلع معها التاريخ، وتندلع المواسم، كأنما الله قد صبَّ غضبَهُ على هذه المنطقة بما يشبه الطوفان.

 

قبل نشوء المنظمات الدولية: الأمم المتحدة (1945)، شرعة حقوق الإنسان (1948)، مجلس الأمن الذي يُعتبر «المسؤول عن حفظ السلام والأمن الدوليَّين»، كانت الدولُ كما القبائل، تحلّ الصراعات فيما بينها بالغزو الدموي.

 

تصَّوروا أبرز مشاهدها التاريخية في الشرق العربي: جيش المغول يدخل بغداد 1258 بقيادة «هولاكو» يدمّر معالمها الحضارية، يغرق في نهر دجلـة دماء الملايين من البشر «ودماء» الملايين من الكتُب، حتى قال المؤرّخ «إبن الأثير»: «إنّ العالم منذ أنْ خُلِقَ آدم وحواء لم يشهد مثل هذه المجازر».

 

وها هو تيمورلنك في المقابل، يغزو دمشق (1400)، يفرش الأرضَ بالجثث، يحرق المدينة والمسجد الأموي، يبني الأبراج والمآذن بالجماجم، على ما يذكر «إبن أياس»، والغريب أنَّ تيمورلنك كما يقول المؤرّخون، كان متديِّناً، وكان يحمل مع جيشه مسجداً متحرّكاً ليؤدّي فيه الصلاة.

 

بعد نشوء المرجعيات والمنظمات الدولية المعنية بالسلام العالمي وحقوق الإنسان، ماذا تغيّر في هذا العالم عمّا كان من مجازر في عهد المغول.

 

المشكلة في أنّ هذه المرجعيات وفي طليعتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن أصبحت محكومةً من جبابرة الدول الكبرى.

 

والمشكلة الثانية: في هذا الإنخفاض الذريع في مستوى قيادات الدول الكبرى التي تحتكر قرار الحرب وقرار السلم.

 

حين كانت مثلاً، معاهدة «يالطا» للسلام في أعقاب الحرب العالمية الثانية 1945 موقَّعة من: الولايات المتحدة بزعامة «روزفلت»، والإتحاد السوفياتي بزعامة ستالين، وبريطانيا بزعامة تشرشل.

 

تصوّروا اليوم كيف انحدر مستوى الزعامات الدولية إلى مجاهل القرون الوسطى، فانخرط معها العالم في الحشود العسكرية الخاضعة لنظام الإرهاب.

 

وحين أصبحت القوانين والعلائق الدولية محكومةً بحكم الميادين، فإذا الحرب تصنع الدولة والدولة تصنع الحرب، أصبحت المحافظة على الوجود الكياني والإنساني مرتبطة بالتفوق العسكري المسلّح.

 

من هنا، برزت تلك الجنيّة الساحرة التي اسمها الطائرات المسيَّرة، فراحت تشكِّل تنافساً محموماً بين الدول، تُخصَّصُ لها كبرى الموازنات على حساب شؤون الحياة ومعيشة الإنسانية المعذَّبة.

 

هذه المسيّرات: تخفّف أعباء الحروب الباهظة، تحول دون المواجهة الكلاسيكية المباشرة بين الجيوش، تحقّق أهداف الحرب بالإغتيالات، تشكّل توازناً نسبيّاً في القدرة القتالية بين الدول الكبرى والصغرى، كما هي الحال بين روسيا وأوكرانيا، فهي إذاً تستحقّ جائزة «نوبل للحرب» ولا تستبشروا بعد ذلك مع «هيغل» «بأنّ الحروب تتوقَّف مع جدّية التاريخ».

 

مع سقوط المواثيق الدولية، لا يبقى إلاّ الرجوع إلى رحاب الله خلاصاً... إلى رحاب الله الذي فوق، وليس الله الذي حمله تيمورلنك في مسجد متحرّك إلى الشام، وليس الله الذي يؤْمنُ به اليهود قائداً عسكرياً لتحقيق انتصاراتهم على الشعوب، وليس الله الذي تجنّده التنظيمات الإرهابية جندياً معها في القتال.

 

وحدَه اكتشاف الله الذي انطفأ نورُه في أعماق أُلوهيَّةِ السلاطين، هو القادر على تحقيق السلام لبني البشر.

 

يقول أرسطو «إذا كان الله غير موجود فعلينا اكتشاف الله كي لا يفقد الناسُ عقولهم»، وليس الجنون هو الوسيلة الفضلى لاكتشاف الله.

 

1 ـ «هيغل» مقطوعات مختارة - ص: 278.

theme::common.loader_icon