لو سمعوا من ديفيد هيل... ما الذي كان يمكن تجنّبه؟
لو سمعوا من ديفيد هيل... ما الذي كان يمكن تجنّبه؟
اخبار مباشرة
جورج شاهين
Thursday, 10-Apr-2025 06:12

عشية المفاوضات التي ستُستأنف بعد غد في سلطنة عمان بين واشنطن وطهران، بعد رفعها إلى أعلى مستوى ديبلوماسي، أحيت مراجع عليمة الحديث عن اقتراحات سابقة دعت إلى تصويب المواجهة العسكرية في لبنان، طالما أنّ من سلّح وموّل حتى اللحظة التي سبقت ساعة الصفر موجود في طهران. وعليه، يمكن العودة إلى واحدة منها للسفير الأميركي السابق في بيروت ديفيد هيل، الذي نصح علناً في حزيران الماضي بالمواجهة المباشرة مع طهران. وهذه بعض من ملاحظاته.

كانت المعارك العسكرية في ربيع العام الماضي قد بلغت أشدّها في قطاع غزة، وارتفع عدّاد الشهداء والجرحى والمعوقين بطريقة مذهلة، دفعت بكثير من التحرّكات الشعبية الرافضة في أكثر من عاصمة اوروبية وغربية ومعها الانتفاضة الطلابية في الجامعات الأميركية، ما شكّل توجّهاً دولياً لا يدين الحكومة الإسرائيلية فحسب، إنما طاول الإدارة الأميركية بكل أدواتها الديبلوماسية والعسكرية التي تزودها الأسلحة وتسترت على حصيلة المجازر الكبرى التي ارتُكبت عن سابق تصور وتصميم في أكثر من مدن قطاع غزة ومخيماته، وشمولها المؤسسات الطبية والتربوية والإنسانية ومراكز وكالة «الاونروا»، مترافقة مع حماوة ملحوظة على الساحة اللبنانية بعد فشل المحاولات الغربية عموماً، والأميركية خصوصاً، التي جرت للفصل النهائي بين الحربين، بحيث أنّ تراجع «حزب الله» عن «حرب الإسناد» ووضع حدّ لها، يمكن أن تجنّب لبنان ويلات لا يمكن تقديرها منذ تلك اللحظات.

 

يومها كانت الاقتراحات التي نقلها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى المسؤولين اللبنانيين، قد تطورت إلى حدّ بعيد، بحيث اعتبر انّ أي قرار من هذا النوع يشكّل انجازاً كبيراً، ليس للإدارة الأميركية فحسب إنما من أجل اللبنانيين في حياتهم اليومية واقتصادهم والخدمات التي تنقصهم على انواعها، كما بالنسبة إلى المقيمين على ارضه، وسيوفر أجواء لم يعرفها الوطن الصغير من قبل، عند الخروج من نفق الأزمات المتناسلة على انواعها. وكان هوكشتاين يصرّ في لقاءاته مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي حظي بلقب «الأخ الاكبر» لدى «حزب الله» على مجموعة الإغراءات الاقتصادية والمالية والأمنية والعسكرية لتجنّب الأسوأ، نظراً إلى ما كان يترقّبه من تفلّت إسرائيلي نهاية الصيف، متى دخلت بلاده مدار الانتخابات الرئاسية، بحيث انّ بنيامين نتنياهو قد خرج عن الضوابط التي رسمها الرئيس جو بايدن وإدارته، واقترب أوان رحيلها عن البيت الأبيض والكابيتول والبنتاغون.

 

ولمّا تردّدت يومها العبارة الشهيرة على لسان هوكشتاين في الأوساط السياسية والديبلوماسية اللبنانية، انّ «هناك مجنوناً في تل أبيب من آل نتنياهو ومعه مجموعة أخرى تعشق دمار الآلة العسكرية»، كان السفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد هيل يوزع نصائحه على المسؤولين في الإدارة الاميركية، وخصوصاً في أوساط وزارة الخارجية التي يعرف مخارجها ومداخلها، ومعه في لجان الكونغرس، على أمل ان تصل نصائحه إلى تل ابيب، مركّزاً على ما معناه «انّ ما يجري في غزة ولبنان حرام، وانّ في الإمكان توفير كلفة تلك الترسانة العسكرية وما يمكن ان يؤدي إليه الإفراط في استخدامها من ضحايا أبرياء بين المدنيين، وقد اهتزت مشاعر الناس في كل أصقاع العالم». نافياً وجود من يحرّض طلاب الجامعات الأميركية وفي عواصم العالم «لأنّه وبمجرد مراقبة الأحداث ستتحرك المشاعر الإنسانية وطلابنا منهم».

 

وإلى تلك التسريبات التي أُطلقت في حينه على مسامع المسؤولين الأميركيين واللبنانيين والموفدين الدوليين، كان لهيل محاضرة استثنائية في «مركز نيلسون» على خلفية كونه خبيراً في شؤون المنطقة. فهو الذي عمل في السفارة الأميركية في بيروت كمسؤول سياسي، ثمّ نائباً لرئيس البعثة، ثمّ كسفير للولايات المتحدة على مدى 27 عاماً، قال فيها: «إن النزاع المتصاعد حالياً بين إسرائيل و»حزب الله» يتبع نمطاً مألوفاً، وإمكانية تنبّؤ مرهقة، على الأقلّ بالنسبة إلى أولئك الذين يدرسون أنماط الماضي الوحشي»، مبشّراً بالوصول إلى «مأساة حقيقية» تشبه ما انتهت إليه «مأساة يونانية قديمة». مضيفاً في توصيفه لأطراف الحرب: «رأينا جميعاً المسرحية ونعرف الممثّلين ودوافعهم ونقاط قوّتهم وضعفهم. كما رأينا أيضاً كيف تنتهي هذه القصّة المؤلمة». وتوجّه إلى الاميركيين والاسرائيليين معاً بقوله «إنّ هناك طريقة لتجنّب حرب شاملة بين إسرائيل ولبنان»، لكن ذلك يتطلّب «فهماً لعمق الأزمة، وأنّ عليهما أن يغّلبا الواقعية والمثابرة والاعتراف بأنّ العدوّ الاستراتيجي موجود في طهران لا بيروت». وفي لمحة تاريخية للنزاع مع إسرائيل إنطلاقاً من الأراضي اللبنانية قال هيل: «منذ حرب حزيران 1967، استخدمت الجهات الفاعلة غير الحكومية، أوّلاً المقاتلين الفلسطينيين، ولاحقاً «حزب الله»، المنطقة شبه الخالية من الدولة في جنوب لبنان، لشنّ حملات دوريّة من الحرب غير المتكافئة والإرهاب على إسرائيل وبشكل منتظم مماثل، ردّت إسرائيل على هذا الوضع الذي لا يُطاق بقوّتها العسكرية، حتى بحملات كبرى في الأعوام 1978، و1982-1984، و2006. لكنّ كلّ هذه الحملات وحتى الاحتلال الإسرائيلي الذي دام جيلاً كاملاً “للمنطقة الأمنيّة” في جنوب لبنان، ثمّ التخلّي عنها من جانب واحد في عام 2000، لم يتحقّق لها الأمن».

 

وبما يشبه تعليقاً لهيل على ما يجري اليوم من حوار أميركي ـ إيراني في سلطنة عمان بعد مسلسل حروب غزة ولبنان وسوريا واليمن والعراق، قال في محاضرته: «ما دامت إسرائيل وأميركا وغيرهما يركّزون على الوكلاء وليس على رعاة النزاع، فإنّ دورات العنف هذه لن تنتهي أبداً. فالعدوّ الاستراتيجي موجود في طهران، وليس في بيروت». وهو شجّع منذ تلك اللحظة إلى نوع من الحوار الأميركي - الإيراني المطلوب، كاشفاً عمّا سمّاه «التواصل الديبلوماسي المباشر بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين الجاري في الاتّجاه الصحيح، اعتماداً على ما يُقال». واستنتج في نهاية العرض ما يعكس أحداث اليوم بقوله: «عندما يشعر القادة الإيرانيون، وليس فقط وكلاؤهم العرب ووقود المدافع، بالألم، فمن المرجّح أن نشهد إعادة تقويم حقيقية في طهران تؤثّر على سلوك الحزب. إنّ تنفيذ العقوبات، وحظر تصدير الأسلحة، والضغط العسكري على الأصول الإيرانية المتمركزة خارج إيران هي نقاط البداية».

 

وعليه، هل هي البداية التي ستنطلق من السلطنة بعد غد لتنسحب ايجابياتها حيث ما انتشرت الأذرع الإيرانية؟ فهل يتعظون لتبدأ الجردة بما كان يمكن تجنّبه من نكبات وكوارث؟.

theme::common.loader_icon