

مقاومة هذا الضغط الخارجي لا تتوافر شروطها إلّا بالاستناد إلى دعم وطني كبير لا يُحقّقه إلّا المؤتمر الوطني المنتظر إنّ الطلب من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ورئيسَي مجلسَي النواب والحكومة نبيه بري ونواف سلام، المسارعة إلى الدعوة لمؤتمر وطني له مسوّغاته الوطنية والواقعية، وذلك تحوّطاً لتطوّرات قد تدفع البلاد إلى منزلقات خطيرة.
أولاً: هناك خوف مبرّر من أن تعود الفتنة إلى لبنان في ضوء ما يحمله مشروع قانون أميركي بعنوان: «منع الجماعات المسلحة من الانخراط في التطّرف» (Preventing Armed Groups For Engaging In Radicalism) الذي يُشار إليه باسم PAGER، وقدّمه النائب الجمهوري من فلوريدا غريغ ستيوب، ويقترح حظر «تقديم المساعدات للقوات المسلحة اللبنانية حتى تلغي السلطات الحاكمة في لبنان اعترافها بـ»حزب الله» وكتلته» النيابية، كما يحظّر الاقتراح على الأفراد التابعين لـ«حزب الله» أو المنظمات الأخرى المرتبطة بإيران الخدمة في مناصب وزارية»، وأنّ «لبنان ملتزم بقرار مجلس الأمن الرقم 1559 بإزالة «حزب الله» والجماعات الأخرى من أراضيه»، وأن «يُنهي الجيش اللبناني علاقته بـ»حزب الله» وإيران وجميع المنظمات التابعة لها». وحتى يكتمل «النقل بالزعرور»، يطلب الاقتراح إلغاء «السلطات الحاكمة في لبنان إعترافها بـ«حزب الله» وجناحه السياسي المتحالف معه، أي كتلة «الوفاء للمقاومة» وحليفته حركة «أمل». كما يطلب المشروع فرض قيود وعقوبات وعوائق لتطويق الحزب وحلفائه، وتعزيز الحماية السياسية والقضائية لِمَن يُحاربه ويسعى إلى تشديد الحصار عليه من قوى سياسية في الداخل.
بالفعل، هناك حملات مبرمجة وممنهجة ضدّ «الثنائي الشيعي»، وخصوصاً «حزب الله». وبطبيعة الحال، فإنّ هذا الاقتراح لم يُحسم مصيره بعد، لأنّ مشاورات واجتماعات وحملات ستسبق صدوره من عدمه. وبطبيعة الحال أن ينقسم المجتمع السياسي ومعه الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي حيال هذا الموضوع، ما يعني تأجّج النزاع الداخلي على أساس طائفي ومذهبي.
فالحكومة اللبنانية لن تكون مستعدة للمغامرة بالسلم الأهلي وتعريض وِحدة لبنان للخطر إذا ما قيض للمشروع أن يمرّ في الكونغرس. بالتالي، فإنّ الجيش اللبناني الذي لن يكون مستعداً للدخول في مواجهة مع أي مكوّن لبناني مهما اشتدّت الضغوط.
ثانياً، ستكون للأحداث الدامية في الساحل السوري إذا ما تمادت وتطوّرت، انعكاسات سلبية على لبنان سواء بين النازحين السوريِّين على أرضه، أو في المناطق اللبنانية التي ينتشر فيها أبناء الطائفة العلوية، مثلما حصل من توتر ليل أول من أمس بين محلتَي «جبل محسن» و«باب التبانه» في طرابلس.
ثالثاً، إنّ الأحداث في الجنوب السوري أرخت بظلالها على مناطق لبنانية معيّنة، إذ تنقل التقارير الأمنية معلومات عن تحرّكات بين البلدَين لمجموعات تنشط بين السويداء والجولان. الأمر الذي يُضفي قلقاً مضاعفاً من اتجاه الأحداث في هذه المنطقة من سوريا وامتداد شرارتها إلى لبنان.
رابعاً، إصرار إسرائيل على عدم تنفيذ القرار الدولي الرقم 1701، والاستمرار في احتلال التلال الخمس، وتعقّب الناس بالقصف، ومواصلة أعمال الجرف والهدم، ومحاولة إنشاء شريط حدودي جديد بأسلوب مختلف عن شريط سعد حداد (1976)، وأنّ انتهاكاتها البرية بنقل مواطنين صهاينة إلى بلدة جنوبية بذريعة الحَجّ إلى قبر أحد «الحاخامات» المدفون فيها، تعني أنّها تزرع مسمار جحا في قلب الأراضي اللبنانية، لتدّعي مستقبلاً أنّ لها حقوقاً في هذه الأرض.
إزاء هذه المعطيات غير الوردية التي يعرفها رئيس الجمهورية ورئيسا مجلسَي النواب والوزراء والمسؤولون الكبار، ألا يستحق الأمر مؤتمراً وطنياً عاجلاً ومُلِحّاً، لتأكيد ثوابت لبنان الوطنية وتوطيد أركان وحدته، والذهاب بشجاعة إلى اللقاء والمصارحة والمصالحة بعد الاتفاق على المواضيع الخلافية وفي مقدّمها الاستراتيجية الدفاعية، الموقف من إسرائيل وسياستها التوسعية، ووضع سلاح «حزب الله»، ومفهوم السيادة الوطنية وطريقة الدفاع عنها. بالإضافة إلى عدد من البنود الإصلاحية الأساسية التي أظهرت التطبيقات الاستنسابية لـ«اتفاق الطائف» منذ العام 1992 إلى اليوم، أنّ الحاجة إلى تطبيقها أكثر من ملحّة. ومن النادر أن تجد لبنانياً متابعاً لمسار الوضع في بلده إلّا ويُقرّ بأنّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون يَعي تماماً حجم الأخطار المُحدِقة، ويسعى إلى تداركها، وكذلك رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، وهم جميعاً متفقون على إبعاد فتيل التفجير عن برميل البارود. لكنّ حجم الضغط الخارجي هو من نوع «الأثقل» من ثقيل، ويحتاج إلى جهد استثنائي. وإنّ مقاومة هذا الضغط لا تتوافر شروطها إلّا إذا كانت مستندة إلى دعم وطني كبير لا يُحقّقه إلّا المؤتمر الوطني المنتظر. وإنّ «خير البرِّ عاجله».








