حراك نخب مسيحية: لاحتضان العهد... ومواكبة خطاب القَسَم
حراك نخب مسيحية: لاحتضان العهد... ومواكبة خطاب القَسَم
جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة
Monday, 20-Jan-2025 06:32

تجري اتصالات بعيدا من ألاضواء بين نخب مسيحية تحمل رؤى وتطلعات وطنية قد تتقاطع مع حزب او اكثر، وعلى تماس مع مرجعياتها الروحية، لوضع أسس لحركة وتحرك يوفران أرضية داعمة لعهد الرئيس جوزاف عون، من خارج التجاذبات والاصطفافات السياسية القائمة على أشدّها بين أحزاب وتيارات وحركات الوسط المسيحي، وبالتالي الماروني. وليس بالضرورة أن تكون وراء هذه الاتصالات طموحات شخصية او جماعية للاضطلاع بدور وطني أو سياسي مستقبلاً، ولو أنّ هذا الأمر مشروع وحق لأصحابه في ظل نظام ديموقراطي برلماني يكفله الدستور.

وتتركّز هذه الاتصالات على عنصر الشباب المهتم بالشأن العام الذي أُحبط من التجربة الحزبية، ووجد أنّ رفع السقوف وركوب الموجات لاستقطابه على قاعدة دغدغة المشاعر، والاستثمار في مخاوفه وهواجسه لا توصله إلى ما ينشد من حلم. كما لم يجد في الكنيسة ومؤسساتها البديل الذي يمنحه بعض التفاؤل في المستقبل، على رغم من حيوية ما في أداء الرهبانيات، ظلت دون المستوى المتوخى. ولم تكن الكنيسة التي يُسجّل لها مواقف وطنية بارزة في المنعطفات المصيرية لا يمكن إنكارها، في مستوى انتظارات الفاتيكان واتباعها منها، خصوصاً في الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بلبنان، وهي كانت قادرة على التقديم اكثر فأكثر. وهي لم تصادف يداً مقبوضة ومغلولة من الانتشار الذي أُرهق واستُنزف على مستويين: دعم عائلاته وبلداته المباشرة، والمؤسسات الكنسية. ذلك عدا مساعدات الكنائس العالمية. واليوم تجد هذه النخب في عهد جوزاف عون فرصة يجب الإفادة منها ليس كبوابة لدخول السلطة، واحتلال المناصب والمواقع، بل لإشاعة دينامية جديدة تُخرج الواقع المسيحي من تأسنه.

ويعكف مخضرمون وشباب ممن خبروا الشأن العام، وكانت لهم تجارب حزبية ونضالية ونقابية وبلدية ووظائف عليا في الإدارة العامة، على وضع تصور ينطلق من وجوب اعتبار انتخاب عون ليس مجرد عملية دستورية بدفع دولي ـ عربي ـ إقليمي واسع النطاق فحسب، بل المدخل إلى ورشة حقيقية لبناء الوطن على قاعدة مختلفة تعزز الولاء له اولاً، وتجذّر أبناءه في أرضهم، وتدفع بشبابه إلى إعمال أدمغتهم التي بنت أوطان آلاخرين وبلدانهم، على استكشاف ما يكتنز لبنان من ثروات بشرية، ومادية وطبيعية وإمكانات واعدة، ليعود فعلاً إلى شغل موقعه في الخريطة العربية والعالمية، ونقطة جذب واستثمار، وهو الزاخر بموارده الإنسانية القادرة إعادة صوغ ريادته. ومن المداولات التي تجري في حلقة ضيّقة حتى آلان، ضماناً لحسن الانطلاقة، ليس تأليف حزب او حركة او تيار تُضاف إلى الاحزاب والتيارات والحركات التي تكثر في الوسط المسيحي، والتي تتناحر في ما بينها جهاراً، أو في الخفاء ومن» تحت الطاولة»، في محاولة لأن تكون الواجهة السياسية للعهد. فلا عون في هذا الوارد، لأنّه يصرّ على الاضطلاع بدوره المحدّد في الدستور رئيساً للبلاد ورمزاً لوحدة أرضها وشعبها، وهو لن يقبل بأن يكون دوره في سدّة الرئاسة أقل من ذاك الذي أدّاه وهو على رأس قيادة الجيش. وإنّ خطاب القَسَم يستأهل احتضاناً وآلية شعبية داعمة ومؤيدة لإحباط أي محاولة للالتفاف عليه من داخل او خارج. وفي اعتقاد هذه النخب انّه اذا وُفقّت في سعيها ولاقت نجاحاً، فإنّ ذلك سيكون بمثابة كرة الثلج التي تكبر لتشكّل حيوية إيجابية تنتقل إلى سائر المكونات اللبنانية، فتنتج حالة وطنية جامعة تحقق الانتقال إلى الهدف ألاساس: وطن مزدهر، مستقر، ومواطن يخلع ثوب مخاوفه على مشجب الماضي ويتطلع إلى الغد بأمل، وإشاعة ثقافة الإبتعاد عن الوصايات الخارجية من اي جهة أتت، وعدم المبادرة إذا لم يلوّح الخارج بـ»عصاه» و»جزرته». وبالطبع، فإنّ في هذا الطرح بعض الحلم والتخيل، وهو ليس مذمّة او مدعاة للتندر. فالشيخ موريس الجميل الرؤيوي الذي عاش في غير زمانه وصاحب الأفكار الخلاّقة المبدعة التي استبق بها عصره، ولا تزال صالحة ليومنا هذا، كان يركّز في محاضراته وإطلالاته على وجوب أن يتسلّم التخيل السلطة.» IL faut que l›imagination PREND LE pouvoir». وترى هذه النخب انّه لا بدّ من قراءة نقدية موضوعية للواقع المسيحي من دون أي خلفيات او موروثات عاطفية مشايعة او حاقدة، مع او تجاه هذا الفريق وذاك، والانصراف إلى وضع أسس لتصور يقوم على:

أـ دور مسيحي ببعد وطني.

ب ـ دور وطني يثبت الحضور المسيحي المؤسس في لبنان.

ج ـ وضع الخلاصات التي يفترض أن تشكّل قاعدة لقاء مع آلاخر لبناء شراكة وطنية حقيقية.

دـ تبقى إسرائيل هي دولة عدوة طالما انّها تحتل أرضاً لبنانية وتواصل انتهاكاتها للسيادة الوطنية، وترفض الاعتراف بقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 194 الصادر في 11 كانون الأول 1948 والقاضي بإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم الأم. والمعروف أنّ عدم بتّ هذا الملف وإبقاءه لغماً قابلاً للانفجار، كان من الأسباب الرئيسة لتصدّع الوضع في لبنان وبلوغه ذروة بركانية في العام 1975 وما تلاه، لا يزال يكتوي بإشعاعات حممها إلى يومنا هذا.

في الخلاصة، ليس في التحرك الذي بدأ بتأنٍ من لا يريد طلب الشيء قبل أوانه خشية العثار، ما يسيء لأحد، بل انّه يكسر «التابو» ويضيء على مكامن الخلل، ويضع الأصبع على الجرح. فليس منطقياً عدم المحاولة في ظرف يوفر فرصة قد لا تتكرّر، وضياعها يفتح الباب على مجهول ما، وليس على المجهول في المطلق. ومن دون مواربة أو محاولة استرضاء، أو مبالغة: العهد الجديد يقدّم فرصة لجميع اللبنانيين هم في حاجة اليها، وإنّ المسيحيين في هذا الوطن هم في طليعة هؤلاء.

theme::common.loader_icon