تحدّيات اقتصادية في وجه الرئيس المقبل
تحدّيات اقتصادية في وجه الرئيس المقبل
باسم جوني
Saturday, 21-Dec-2024 06:51

دخل لبنان في نفق الفراغ الرئاسي منذ انتهاء عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، بالتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي بدأت في عام 2019. ومع انطلاق مرحلة جديدة في البلاد، يُتوقع من الرئيس اللبناني المقبل مواجهة تحدّيات اقتصادية غير مسبوقة تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، خصوصاً بعد تدهور الوضع المالي وانهيار العملة الوطنية، إلى جانب الأزمة التي عصفت بالمصارف وأثّرت على اللبنانيّين عموماً، والمودعين بشكل خاص.

ويزداد الوضع تعقيداً في ظلّ غياب الإصلاحات الهيكلية الضرورية للمعالجة. كما أنّ استمرار قوى الأمر الواقع في اتباع النهج عينه الذي أوصل المجتمع اللبناني إلى هذه الأزمة، من دون تقديم حلول جذرية والاكتفاء بالمراوغة بحلول موقتة، أدّى إلى فقدان النظام المالي اللبناني لثقة المجتمع الدولي والدول المانحة.

 

وتُوّج هذا الانحدار بإدراج الدولة اللبنانية على اللائحة الرمادية نتيجة تفشي الفساد وغياب الإصلاحات اللازمة، ممّا جعل لبنان أقرب إلى العزلة الاقتصادية، مع عزوف المستثمرين الأجانب عن الدخول إلى السوق اللبناني، بالإضافة إلى غياب الثقة عن المصارف اللبنانية، الأمر الذي يُفضي إلى صعوبة في الحصول على التمويل الخارجي.

 

تعدّدت الآراء حول الصفات التي يجب أن يتحلّى بها المرشح لرئاسة الجمهورية، بين علاقاته مع الدول الأجنبية والعربية، التي من الواضح أنّ دورها سيكون محورياً في تمويل المرحلة القادمة لإنعاش لبنان، وعلاقاته مع الكتل السياسية الداخلية، إذ تبرز الحاجة الملحّة إلى وحدة الصف وتشكيل حكومة قادرة على مواجهة التحدّيات الاقتصادية وتحقيق الاستقرار.

 

لكن يبقى السؤال الأهم حول المشروع الذي سيحمله الرئيس المقبل لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، والخطط الهيكلية التي سيعتمدها لتفادي العوائق السياسية الناتجة من الصراعات الداخلية.

 

فهذه العوائق، التي غالباً ما تكون طائفية، قد تحوّل الرئيس المقبل إلى نسخة من أسلافه الذين اعتادوا التذرّع بالأعذار، بدلاً من اتخاذ خطوات حقيقية نحو التغيير والإصلاح.

 

وأكّد النائب وضاح الصادق لـ«الجمهورية»، أنّ شخصية الرئيس هي التي تلعب الدور الأساسي في استقطاب الدعم الدولي المطلوب، شريطة تشكيل حكومة جديدة مع تغيير واضح في الطاقم السياسي القديم.

 

وأشار الصادق إلى أنّ ما يضمَن ثقة المجتمع الدولي للبنان هو إظهار وجوه جديدة في الطاقم السياسي الحاكم، مضيفاً أنّ «تطبيق اتفاق الطائف هو الحل. وضرورة التعامل مع كافة الفرق السياسية على قدم المساواة، مع أخذ في الاعتبار التنوّع السياسي، وذلك لتجنّب فرض أي طرف لقراراته بسبب فائض القوة، بالإضافة إلى تجنّب المحاصصة الطائفية، وتوزيع الحقائب على أساس الكفاءة وليس الطائفة».

 

وفي هذا السياق، شدّد الصادق على «ضرورة تفعيل القضاء من قِبل الرئيس الجديد، ومنع أي تعطيل قد يحصل، بسبب تراكم القوانين التي وُضِعت في الأدراج، وذلك لضمان عدم مرورها على المجلس النيابي».

 

في وقت، يعتبر السياسيّون أنّ الحل يبدأ من انتخاب رئيس للجمهورية الذي يتّجه نحو تنفيذ الإصلاحات، يرى الخبير الاقتصادي سامي زغيب أنّه لا بُدّ من ظهور قوى سياسية جديدة على الساحة.

 

وأكّد زغيب لـ«الجمهورية»، أنّ التحدّي الأساسي هو «تحدٍّ سياسي يتضمّن العديد من التحدّيات الاقتصادية. ومن الضروري خلق قوى إصلاحية ضاغطة لمواجهة الطبقة الحاكمة، التي تتمثل بالأحزاب السياسية والشركات المصرفية والمحتكرين».

 

وأوضح «زغيب»، أنّ هذه القوى الجديدة يجب أن تبدأ في تنفيذ الإصلاحات الجذرية، خصوصاً أنّ لبنان أصبح مدرجاً على اللائحة الرمادية. ومع تفاقم الأزمة، التي تأثرت بشكل كبير بسبب الحرب، يظهر السبب الأساسي في الأزمة الهيكلية للنظام الاقتصادي اللبناني، ما يجعل الضرورة ملحّة في الإصلاحات الجذرية لهذا النظام».

 

وأضاف، أنّ «القلق يكمن في أنّ بعض المحتكرين قد يسيطرون على القطاعات المتضرّرة من الأزمة». أمّا بالنسبة إلى القوانين التي يجب إقرارها لبدء المعالجة، فيرى زغيب أنّ القوانين التي وضعها صندوق النقد الدولي هي الأنسب مقارنة بما قد طُرح من قِبل القوى السياسية، بغض النظر عن الخلافات التي قد تكون لدى البعض مع الصندوق. ومع ذلك، قد تحتاج مقاربة صندوق النقد إلى التجديد في ظل الوقت الذي مرّ عليه، مع ضرورة فتح باب جديد للتواصل مع صندوق النقد الدولي بعد انتخاب رئيس للجمهورية.

 

تتضمّن مقترحات صندوق النقد الدولي عناوين أساسية عدة، مثل حماية المودعين وأهمية تنفيذ إصلاحات هيكلية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، من خلال إعادة هيكلة القطاع المالي وإصلاح نظام النقد والصرف، بالإضافة إلى تعديل قوانين السرية المصرفية لتعزيز الشفافية.

 

ومع ذلك، يبقى العائق الأساسي توجّه الطبقة الحاكمة نحو العرقلة، من خلال تنفيذ المصالح الخاصة على حساب مصلحة المجتمع، مروراً بالنكايات السياسية والصراعات، ما يمنع أي طرف من العمل بجديّة على تنفيذ الإصلاحات.

 

كما تكمن المشكلة في أنّ السياسة الداخلية في لبنان محكومة بالتجاذبات الطائفية، ممّا أفضى إلى غياب أي رؤية موحّدة أو استراتيجية وطنية حقيقية.

theme::common.loader_icon