تقدّم سريع لروسيا في شرق أوكرانيا
تقدّم سريع لروسيا في شرق أوكرانيا
كونستانت ميهو وجوش هولدر- نيويورك تايمز
Friday, 01-Nov-2024 06:35

على مدار العام الماضي، شنّت القوات الروسية هجمات دموية على مواقع أوكرانية، غالباً ما أسفرت عن مكاسب محدودة. لكنّ الهجمات المتكرّرة بدأت تؤتي ثمارها الآن؛ ففي شهر تشرين الأول، حققت روسيا أكبر مكاسب إقليمية منذ صيف 2022، إذ انهارت خطوط الدفاع الأوكرانية تحت الضغط المستمر.

خلال الشهر الماضي، استولت القوات الروسية على أكثر من 160 ميلاً مربّعاً من الأراضي في منطقة دونباس الشرقية، التي تُعتبَر المسرح الرئيسي للحرب اليوم. ممّا سمح لها بالسيطرة على بلدات استراتيجية كانت تمثل نقاط ارتكاز للدفاعات الأوكرانية في المنطقة، بدءاً من «فوهليدار» في أوائل تشرين الأول. وخلال هذا الأسبوع، دارت معارك ضارية في «سيليدوفي»، التي يبدو أنّها قد فُقِدت الآن.

 

يقول الخبراء، إنّه على المدى الطويل، ستساعد هذه المكاسب - التي تُعتبر من الأسرع منذ اندلاع الحرب - الجيش الروسي على تأمين جوانبه قبل شنّ هجوم على مدينة «بوكروفسك»، وهي مِحوَر لوجستي رئيسي للقوات الأوكرانية في دونباس.

 

يُعتبَر التقدّم السريع لروسيا تغييراً ملحوظاً عن الوضع في العام الماضي، إذ بقِيَت الخطوط الأمامية ثابتة إلى حَدٍّ كبير، مع شنّ الطرفَين هجمات طموحة باءت بالفشل إلى حدٍّ كبير.

 

لكنّ الجمود الذي ميّز عام 2023، مهّد الطريق لتقدّم روسيا الأخير. وعلى الرغم من كون المكاسب هامشية، فإنّ الهجمات الروسية أضعفت الجيش الأوكراني تدريجاً إلى حدّ أنّ قواته باتت متشتّتة لدرجة تمنعها من الحفاظ على بعض مواقعها، وفقاً لما كشفه الجنود الأوكرانيّون والمحلّلون العسكريّون.

 

يذكر «باسي باروينن»، الخبير العسكري في مجموعة «بلاك بيرد» الفنلندية، أنّ نصف المكاسب الإقليمية التي حققتها روسيا في أوكرانيا حتى الآن هذا العام قد أُحرِزت في الأشهر الثلاثة الماضية فقط، مضيفاً إنّ: «الوضع في جنوب شرق دونباس يتدهور بسرعة».

 

في حزيران، حققت روسيا سلسلة من المكاسب الصغيرة عبر جيب الجنوب الشرقي من دونباس. ووضعت نصب عينيها «بوكروفسك»، وهو مركز للسكك الحديد والطرق، الذي تعتمد عليه أوكرانيا لإعادة إمداد قواتها في المنطقة.

 

في آب، انهارت خطوط الدفاع الأوكرانية، وتقدّمت روسيا بسرعة 10 أميال نحو «بوكروفسك»، واقتربت من «سيليدوفي» من الشرق والشمال.

 

تباطأت المسيرة الروسية نحو «بوكروفسك» مع مواجهتها لعدة خطوط دفاعية أوكرانية، وأرسلت كييف تعزيزات. وبدلاً من مهاجمة «بوكروفسك» بشكل مباشر، حاولت روسيا الالتفاف حولها من الجنوب، محكِمةً قبضتها على «سيليدوفي». وأبعد جنوباً، استولت على «فوهليدار»، وهي بلدة محصّنة على تل، بعد شبه إحاطتها.

 

خلال الشهر الماضي، أكملت روسيا تقدّمها نحو «سيليدوفي»، ويبدو أنّها سيطرت عليها هذا الأسبوع. كما تقدّمت نحو «كوراخوف» من ثلاث جهات، بهدف دفع القوات الأوكرانية إلى الخروج من المدينة.

 

شبّه «باروينن» الهجمات المتكرّرة التي يجب على القوات الأوكرانية محاولة صدّها بـ»لعبة الخلد» المستمرة، إذ تنبثق نقاط أزمات جديدة بشكل أسرع ممّا يمكن معالجتها. ويسمح ذلك لروسيا بالتقدّم السريع كلما وجدت نقطة ضعف.

 

أشار «فينسنت توريت»، المحلّل في «مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية» الفرنسية، إلى عوامل أخرى ساعدت تقدّم روسيا، بما في ذلك استخدام القنابل الموجّهة القوية التي يمكنها تدمير المواقع المحصّنة للعدو، وافتقار الأوكرانيِّين إلى التحصينات في المنطقة التي تدور فيها المعارك الآن.

 

وأوضح «توريت» أنّ «دفاعات أوكرانيا أصبحت مدمّرة بشكل متزايد، والتضاريس باتت أكثر ملاءمة للهجمات الروسية. وفوق ذلك، لدى الروس تأثير أفضل»، باستخدام القنابل الموجّهة، مضيفاً أنّ «العوامل الثلاثة مجتمعة تفسّر الزيادة في المكاسب الروسية».

 

كما عانت القوات الأوكرانية من نقص حاد في الأفراد، ما جعلها تعاني في العدد على ساحة المعركة. ولحل المشكلة، أعلن «ألكسندر ليتفينينكو»، أمين مجلس الأمن والدفاع الوطني الأوكراني، أمام البرلمان يوم الثلاثاء، بأنّ 160,000 شخص إضافي سيتمّ تجنيدهم، بهدف رفع نسبة شغل الوحدات إلى 85%.

 

في الأشهر القليلة الماضية، اخترقت القوات الروسية معاقل أوكرانية تعرّضت إلى قتال مطوّل، مثل تشاسيف يار. وكان الجنود الروس مُحبَطين منذ فترة طويلة بسبب القناة التي تقسم المدينة عن ضواحيها، التي كانت بمثابة حاجز طبيعي للأوكرانيِّين. لكن مؤخّراً، وفقاً لوزارة الدفاع البريطانية، من «المحتمل جداً» أنّ روسيا «عبرت القناة واقتربت من حدود المدينة». في أماكن أخرى، استخدم الجيش الروسي أسلوب التهديد بالتطويق لإجبار القوات الأوكرانية على الانسحاب، كما في سيليدوفي. وأوضح سيرهي كوزان، رئيس مركز الأمن والتعاون الأوكراني، وهي مجموعة بحثية غير حكومية، أنّ «سيليدوفي كانت تحمي الجناح الجنوبي لبوكروفسك» وأنّ «الاستيلاء عليها سيساعد روسيا في وضع المدفعية وتأمين طرق الإمداد هناك».

 

أعطت أنصاف الدوائر التي شكّلتها التكتيكات الروسية في تطويق البلدات، خط الجبهة في دونباس مظهراً متعرّجاً. وكانت دونباس، التي تضمّ منطقتَي لوهانسك ودانييتسك، الواقعتَين في أقصى شرق أوكرانيا، هدفاً رئيساً لروسيا منذ فترة طويلة.

 

ويشير التقدّم السريع الأخير لروسيا إلى ضعف آخر في الأوكرانيِّين، وفقاً للخبراء العسكريِّين: نقص في التحصينات.

 

بعد الاستيلاء على بلدة «فوهليدار» المحصّنة في وقت سابق من تشرين الأول، واجهت القوات الروسية تضاريس مفتوحة إلى حدّ كبير مع خطوط دفاعية أوكرانية قليلة وأماكن حضرية نادرة، حيث يمكن للقوات الأوكرانية التحصّن وتشكيل مقاومة قوية.

 

خلال الأسبوع الماضي فقط، تقدّمت روسيا حوالى 6 أميال شمال فوهليدار، وهي سرعة غير عادية مقارنة بالمكاسب السابقة. ويعتقد باروينن أنّ «الروس الآن تجاوزوا الخط الأمامي القديم وحقول الألغام الشاسعة، التي أوقفت الهجمات السابقة ضدّ فوهليدار في عام 2023».

 

ولتزيد الأمور سوءاً، أضعفت أوكرانيا مواقعها في دونباس بإعادة نشر وحدات مخضرمة من هناك إلى منطقة «كورسك» الروسية، حيث شنّت القوات الأوكرانية هجوماً مفاجئاً عبر الحدود هذا الصيف.

 

غالباً ما تمّ استبدال هذه القوات بوحدات أقل خبرة تكافح لصدّ الهجمات الروسية. وأشار «توريت» إلى أنّ العديد من الوحدات التي تقوم الآن بالدفاع على خط الجبهة في دونباس تتكوّن من قوات الدفاع الإقليمية الأوكرانية، وهي قوة تتكوّن بشكل كبير من مدنيِّين تطوّعوا للقتال ضدّ الغزاة الروس في عام 2022، لكنّهم يفتقرون إلى التدريب والمعدات التي تملكها الوحدات النظامية.

 

وأوضح باروينن أنّ التقدّم السريع الأخير لروسيا يدعم «الصورة العامة التي لدينا عن القوات الأوكرانية: الاحتياطيات قليلة، الكثير من الوحدات عالية الجودة عالقة في كورسك، وروسيا تملك قوة كافية لاستغلال أي نقاط ضعف في الخطوط الأوكرانية».

theme::common.loader_icon