أيها اللبنانيّون، مقيمين ومنتشرين.
هل تشهدون ما حلّ بلبناننا؟
أيها المنتحرون أينما كنتم بغرائزكم الطائفية...
ألم يصبح منكم كالمسيح يحمل صليبه، والشوك في رأسه وجسده...
ألم يصبح منكم حسيناً في صور الكربلائية كما النبطية وبعلبك والضاحية، حوصر وقُتل مع أولاده وأنصاره...
حتى مع نهب أموالكم لم تمت غرائزكم...
الآن بلدكم في خطر وجودي...
لذلك كفى صلب وندب ولطم...
ماذا بعد؟
ألا نستأهل أن نضع أولويات جديدة لبعد الحرب خارج التعصّب والجهل...
لذلك هذه الرسالة ليست إلى المؤمنين بالهوية الواحدة... ويعتبرون لبنان وطناً جامعاً، لا مجموعة مناطق وطوائف...
هذه رسالة إلى المشككين والمستثقلين اليوم دم أهل الجنوب.
للتذكير. إنّ أهل الجنوب ليسوا شيعة فقط، بل مسيحيّون وسنّة ودروز أيضاً. كذلك ليس الممتعضون الناقمون على أهل الجنوب، كما قد يعتقد البعض، انّهم فقط مسيحيّون أو من لون أو طائفة واحدة. بل منهم مسيحيّون ومسلمون أيضاً... ومن المسلمين شيعة أيضاً من الجنوب والبقاع وبيروت... نعم. هذا واقع...
لكن فليعلم الجميع، أنّ أهل الجنوب، مسلمين ومسيحيّين، من أرض لبنانية، ينجدون... ولا يستنجدون، ولا يستجدون...
ألمهم وصبرهم ألم وصبر كل لبنان...
وفرحهم فرح كل لبنان...
لبنان كل في أجزاء...
وأجزاء في كل...
أهل الجنوب، من رميش وبنت جبيل، إلى جزين وصيدا، مثلكم أيضاً يحبون الحياة، وليسوا هواة قتال...
هم أيضاً يتوقون لحياة طبيعية. لكنّهم لم يختاروا قدرهم أنّ المئات من قراهم، مثل حولا والعديسة ورامية وعيترون دُمّرت مرّات ومرّات...
الجنوبيّون يفهمون ويتفهّمون غضب بعضكم نتيجة الكارثة التي حلّت، والجنوب واجِهتها... لكنّكم تعرفون جيداً أنّ غضبكم ليس بحجم معاناتهم...
لذلك، رجاءً عودوا إلى كتابات ميشال شيحا وأنطون سعادة وشارل مالك وكمال جنبلاط ورشيد كرامي وموسى الصدر، حول قدر الجغرافيا والإيديولوجيا...
إقرأوا خطاب ريمون إده في المجلس النيابي، في كانون الأول 1969، وكأنّه استشرف اليوم بالذات... واضطرّ أن يهاجر من لبنان بعد أن نجا من محاولة قتله... تماماً كما هاجر النبي من مكة إلى المدينة خوفاً من قتل أهل قريش...
هل اختار أهل الجنوب قدرهم؟
اسمعوا جيداً...
نعم اسمعوا جيداً...
بعد أن تسمعوا، بعضكم سيفهم ويتفهّم، كما يفهم ويتفهّم الجنوبيّون...
لكنّ بعضكم، للأسف، ومن كل الطوائف، مهما قرأوا أو سمعوا لن يتبدّلوا عمّا تربّوا عليه من فوقية ونرجسية وأنانية، من دون حسّ وطني جامع...
حقكم أن تفكّروا أنّ الحل هو في الحياد... وأنّ قوة لبنان في ضعفه...
وحق آخرين ملدوعين أن يناقضوكم الفكر...
لكن ليس من حق أحد أن يناقض الحاضر والتاريخ، وما حصل وما كُتب...
هل الحياد هو فعلاً خيار لنا، لو اعتمدناه جميعاً، لكان جنّبنا الويلات؟ وهل الحياد من طرف واحد، أم يجب أن يرضى جيرانك شمالاً وشرقاً وجنوباً بحيادك؟
أليس منكم من يقرأ، ويشاهد آلاف المنشورات عن الأطماع في أرضنا؟
ألم يكتب عنها مفكروكم في الشرق كما في الغرب؟
كيف لم تقتنعوا بعد أنّنا حلقة ضعيفة في لعبة أمم؟
هل فعلاً كان الحياد يوماً ما خيارنا منذ ولادة الكيان وقبله؟ أم كنّا دوماً في وسط لعبة الأمم، وكان هناك دوماً لبنانيّون من المتطوّعين لخدمة مصالح الشرق والغرب، والعرب والعجم؟
حسناً. إذا كان الحياد هو خيار واقعي، لا مشكلة. فليكن الجميع على الحياد.
لكن هل لكم أن تأتوا باتفاق دولي أممي فعلي، يضمن حدود لبنان ومياهه وثرواته؟
ولا تنخدعوا بضمانات قرارات الشرعية الدولية ولا مجلس الأمن، التي لم تُعد بعد 57 سنة شبراً من كل الأراضي التي احُتلت عام 67.
تأكّدوا أنّ أحداً من أهل الجنوب لا يستأنس أن يسمع منكم ملامة. وهم لا يتمنّون لكم إلّا الخير..
لكن إذا لم ترحموا وتمنعوا رحمة الله من النزول، فتفضّلوا، وحلّوا مكاننا، ولنتبادل مواقع...
نعم نتبادل مواقع...
تفضّلوا، فليسكن أرض الجنوب كل الممتعضين والفاضلين والعذال من كل الطوائف والمناطق، ويسكن أهل الجنوب من كل طوائفهم، مناطقكم.
بعدها حايدوا كما تشاؤون، وهادنوا كما تحبّون، وابرموا معاهدات كما ترتأون. ونتعهد ألّا يجادلكم أحد، ولن يخوّنكم أحد. لكن بشرط ألّا تلوموا أحداً بعدها، إن يوماً ما، تمّ احتلال أرضكم الجديدة في الجنوب، وسرقة مياهها وثرواتها...
عندها قد تتذكّرون لومكم واستثقالكم لنا. عندها لن نستثقلكم لأنّنا اختبرنا وعانَينا ما قد تعانون، وسنكون معكم في محنتكم.
طبعاً هنا انتهى هذا العرض الخيالي.
إذاً ما الحل؟
أولاً كفانا هرباً من قدرنا...
ونتوجّه جميعاً للتخلص من أوهام لكل طرف.
من جهة، لبنان واللبنانيّون لم يعودوا قادرين أن يتحمّلوا لوحدهم حمل عبء أمّة بأكملها. خصوصاً من دون منّة على الرغم من التضحيات.
ولذلك، على اللبنانيِّين تحديد أولوياتهم أن تكون للدفاع عن أرض لبنان وثرواته ومقدّراته، بنحو لا يعلو عليها، ولا ترتبط بأولويات أخرى...
وإنّ كل شهيد يسقط من أجل هذا الهدف هو شهيد على طريق كل قرية وبلدة ومدينة لبنانية فقط. وأن يكون كل اللبنانيّين موحّدين في هذا الهدف.
ومن جهة أخرى، على الفرقاء العنصريّين الفوقيّين الطائفيّين، الخروج من أوهام السيطرة والتسلّط، وإلّا التهديد بالانزواء الفارغ...
ولنقتنع لمرّة أنّ بلدنا واحد ومصيرنا واحد. وليكن هدفنا جميعاً الأول والثاني والأخير، يداً واحدة، هو حماية لبنان وحدوده...
هذا هو الحياد المرجو...
نحن مجموعات ضعيفة، نكون أقوى مع بعضنا...
لا خيار ولا بديل إلّا أن نتحمّل بعضنا البعض، ولنكن مسؤولين عن بعضنا البعض. ولنكن شعباً واحداً، يداً واحدة، ومصيراً واحداً... لا منّة لأحد على أحد...
لبنانيّين موحّدين...
لا مسلمين ولا مسيحيّين ولا مناطقيّين.
ولنتفق على دفن النظام الطائفي المقيت، ونعتمد قانون انتخاب يحترم المواطن الإنسان، لا المذهب... وهكذا يتمّ التخلّص من الوجوه والرموز التي غسلت أدمغة أنصارهم وأذلّتهم وسرقتهم على مدى عصور...
نريد يوماً أن تختفي ألقاب فخامة ودولة وعطوفة ومعالي وسعادة وبيك وشيخ واستاذ، ويكون للجميع أسماء عادية، ينادون بها كباقي المواطنين...
ما رأيكم؟ هل هذا مستحيل؟
(طبعاً عذراً من أهل الجنوب. الكل يعلم أنّكم لا تقايضون شبراً واحداً من الجنوب بالكون كله...
وأيضاً أنّكم لا تتعدون بالسكن على أرض غيركم).