واشنطن تمهّد لإعلان إنهاء الحرب في لبنان وغزة!
جورج شاهين
Thursday, 16-Jan-2025 06:25
في انتظار التفاهم على بعض التفاصيل التقنية المتبقية، يمكن الإعلان خلال الساعات المقبلة عن اتفاق خاص بإنهاء الحرب في غزة وإطلاق آلية تؤدي إلى عملية تبادل للأسرى تلي إعادة انتشار للجيش الاسرائيلي في مدن القطاع الكبرى ومحاوره. وهو ما قرأته مراجع عسكرية وديبلوماسية مطلعة، خطوة تؤكّد انّ الإتفاق الخاص بلبنان سيُنفّذ ضمن مهلة الـ60 يوماً، تمهيداً لإعلان انتهاء الحرب في المنطقة، قبل دخول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الابيض. وهذه هي بعض المؤشرات.

لم يكن الكلام الذي نُقل عن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن مبنياً على العموميات، عندما أعلن في الساعات الماضية انّ المفاوضات الجارية ما بين مصر وقطر والجانبين الأميركي والإسرائيلي، قد اقتربت من الإعلان عن الاتفاق على إنهاء الحرب في غزة ورسم خريطة الطريق المؤدية إلى وقف نهائي للنار.

ولم تكن مصادفة أن يتناول بلينكن في اطلالته عينها الوضع في جنوب لبنان ليقول: "إنّ قوات "حزب الله" تراجعت إلى شمال نهر الليطاني". موضحًا أنّ "إيران فقدت القدرة على إمداد الحزب بالأسلحة"، وأنّ "حزب الله أصبح ذكرى وتراجعت قدراته في لبنان". وهو ما قرأته مراجع ديبلوماسية وعسكرية إعلاناً اميركياً أولياً عن إنهاء أطول الحروب في منطقة الشرق الأوسط بين إسرائيل وجاراتها في لبنان وغزة، بعدما امتدت على مدى عام وأربعة أشهر، إن احتُسبت منذ اللحظة التي انطلقت فيها عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول من العام 2023.

وأياً كانت التفاصيل الجاري البحث فيها بين الإسرائيليين ومسؤولي حركة "حماس"، فقد سارعت الإدارة الاميركية الى تبنّي ما يمكن أن تسمّيه إنجازات الايام الأخيرة من عهد الرئيس جو بايدن، من دون الاستخفاف بالشروط التي وضعها خَلَفه دونالد ترامب، وأعلنها مرفقة بجدول زمني لإنهاء الحروب في منطقة الشرق الاوسط، قبل ان يضع رجليه في البيت الأبيض في العشرين من الشهر الجاري، واياً كانت التكلفة المقدّرة لها في واشنطن واسرائيل. ذلك أنّه لم يكن ما تحقق ممكناً لولا التفاهمات التي بُنيت بين السَلف والخَلف في لقائهما الشهير في منتصف كانون الأول العام الماضي، والذي عُدّ لقاءً غير مسبوق بين رئيس ديموقراطي يستعد لمغادرة موقعه وآخر جمهوري يستعد للعودة اليه بعد استراحة امتدت لأربع سنوات، كان من المقرر ان تكون ولايته الثانية لو تمكن من تحقيقها في انتخابات العام 2020 التي سبقه إليها بايدن.

واستناداً إلى هذه المعطيات الخاصة بالجانب الاقليمي، مما يعني اللبنانيين بعدما تمّ ربط مصيرهم بما جرى في قطاع غزة، فإنّ ما يعنيهم أن تستمر الجهود المثمرة لتنفيذ المراحل التي قال بها تفاهم 27 تشرين الثاني الماضي، وتحقيق الانسحاب الاسرائيلي من القرى الجنوبية المحتلة بعدما عاثت في عشرات المدن والقرى الحدودية تدميراً وخراباً، لزيادة الخسائر التي لحقت بلبنان إلى حدودها القصوى، وكأنّه لا يكفيه ما دفعه من دماء الآلاف من مواطنيه من شهداء ومعوقين وجرحى من خيرة شبابه، والخسائر التي لحقت بالمناطق السكنية والممتلكات في الضاحية الجنوبية والبقاع ومناطق مختلفة من البلاد.

وبعد هذه الملاحظات التي توقفت عندها مراجع سياسية وعسكرية، فقد توسعت في قراءتها لما قد تحقق في غزة، لتعيد الربط بين مصير التفاهمات الخاصة بها ومصير التفاهمات التي تحققت في لبنان منذ تفاهم 27 تشرين، ورأت انّ أي اتفاق في غزة يضمن استئناف الجهود الاميركية في جنوب لبنان، إن كان هدفها توفير الأمن لاسرائيل في شمالها ووسطها وجنوبها، وطي صفحات هذه الحرب، بعدما أنهت رسم الخريطة الشاملة للمنطقة والتي سُمّيت "الشرق الاوسط الجديد". هي عملية فرضت جهداً عسكرياً كبيراً انتهى بالقضاء على أذرع إيران في محيط الدولة العبرية، وتغيير النظام في سوريا معطوفة على ما يمكن ان يتحقق في العراق من متغيّرات تقطع كل الطرق والاتوسترادات التي كانت تربط طهران بشرق المتوسط ووقف أي تمدّد للحرس الثوري الإيراني في اتجاه لبنان والحفاظ على النظام القائم في الأردن بفعل الضمانات المسبقة المتوافرة للقيادة الاردنية التي جنّبت بلادها اي توتر عاشه الجوار الاسرائيلي حتى العمق العراقي ومنه في اتجاه الجنوب، حيث المواجهة البعيدة المدى مع الحوثيين اليمنيين.

وعلى هذه الخلفيات، كشفت المراجع العسكرية والامنية انّ ما يتصل بلبنان سُينفّذ بمراحله المتبقية، وانّ الوقت الفاصل عن نهاية مهلة الأيام الـ60 ما زالت كافية لترجمة الخطوات المقرّرة ووقف الخروقات الإسرائيلية للتفاهم، وفق نظرية جديدة كشف عنها أحد المراجع العسكرية بقوله إنّ لبنان ارتكب خطأ جسيماً لا يُغتفر عندما لم يتنبّه إلى أهمية أن يتضمن تفاهم 27 تشرين الثاني وقف العمليات الهندسية في المناطق المحتلة، والتي سمحت لجيش العدو ان يبني خطته التدميرية على خلفية ما اكتشفه من الأنفاق ومخازن الاسلحة التابعة للحزب التي جمع منها أكثر من 85 ألف قطعة سلاح في معرض دُعيت اليه البعثات الديبلوماسية والعسكرية الموجودة في إسرائيل، الى جانب ما أُعلن عن انّ الجيش اللبناني قد فكّك نحو80 موقعاً للحزب وجمع منها حمولة شاحنات متعددة من الأسلحة والذخيرة والتي سيدمّر جزءاً منها ويحتفظ بالبعض الآخر.

على هذه الخلفيات فقد تبين للمراقبين الديبلوماسيين انّ واشنطن سبقت تل ابيب في اعلانها عن انتهاء الحرب في شرق المتوسط بنية مسبقة، من دون ان يرف لها جفن تجاه ما هو متوقع في إسرائيل من هزّات حكومية إن طبق الوزراء المتشدّدون تهديداتهم بالاستقالة من الحكومة تمهيداً لتطييرها والزجّ برئيسها بنيامين نتنياهو أمام المحكمة الخاصة بملاحقته بمجموعة من تهم الفساد، في وقت ارتاحت فيه الادارة الاميركية إلى ما تحقق في سوريا من انقلاب نال من قوى اقليمية ودولية كانت عصية عليها. وهي تستعد لرعاية الخطوات التي بدأت في لبنان بتوفير الدعم للحكم الجديد رئيساً وحكومة، بمزيد من المساعدات العسكرية واللوجستية، ليقوم بالمهمات الكبرى الملقاة على عاتقه، وستدعم خطوات حلفائها الخليجيين بالعودة إلى لبنان وسوريا في اجواء ترتاح اليها اداراتها. وكل ذلك يجري تزامناً مع الاعيب لبنانية وممارسات غير مسبوقة بالتعاطي مع الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الجديدة، بعدما عبر استحقاق انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية بأقل الخسائر الممكنة ولسان حالها يقول: ألم تفهموا بعد انّ التغيير مطلوب بإرادة لبنانية نابعة من رؤية جديدة لمصالح اللبنانيين، دون الالتفات الى ما يمكن ان يلحق من خسائر برعاة الفوضى والحرب في لبنان، كما نُقل عن مسؤول غربي كبير.

الأكثر قراءة