عمادُ المرشَّحين
الوزير السابق جوزف الهاشم
Friday, 10-Jan-2025 06:36

بعدما سيطر الدخان الدستوري الأسود على الإستحقاق الرئاسي، توخىّ الرئيس نبيه بري أنْ يُخيّم الدخان البابوي الأبيض على الجلسة الإنتخابية، كأنّما شاء أن يُضْفي عليها الصفةَ الكهنوتية لاستبعاد أشباح الشيطنة.

وهبّت رياحُ الإسنادِ الشرقية والغربية على برلمان ساحة النجمة، فانقشَعَ الدخان، وظهرتْ على الأكتاف نجومٌ تلمع، والسيفُ في الساعد سطَع، إنّها صورةُ الجنرال جوزف عون.

وعائلة عون ليست أسرةَ "بوربون" الفرنسية، سُلالةَ ملوكٍ الواحدُ فيها يَرِثُ الآخَر، لويس الثالث عشر ولويس السادس عشر، وليس الإنتسابُ إلى العائلة الواحدة يحدّد الفضائل.

الأمير فخر الدين الثاني، ليس الأمير فخر الدين الأول...

والأمير بشير الثاني، ليس الأمير بشير الأول.

وفي الولايات المتحدة أحد عشر رئيساً كانوا من الجنرالات، وليس كل جنرال يشبه الآخر.

الجنرالات في الدولة الديكتاتورية يسيطرون على الأحكام بواسطة الإنقلابات العسكرية...

والجنرالات في لبنان يتولّون الأحكام نتيجةَ اهتزازات أمنيّة وصراعات محمومة، تعجز الدولة المدنية عن احتوائها.

هكذا حكمت الظروف بوجوب حكم الجنرالات: فؤاد شهاب، إميل لحود، ميشال سليمان، وميشال عـون، بينما اعتُبر الحكمُ الشهابي واحداً من أبرز الأحكام في البلاد، منذ الإستقلال حتى آخر عهود دولة الرجل المريض.

ليس صحيحاً، أنّ الرئيس المدني في المطلق أفضلُ من الرئيس العسكري في المطلق، القاعدة في المطلق هي شخصية الرجل الرئيس، الرئاسة: عسكريةً كانت أو مدنية، ليست سُلَّماً يصعد عليه الصاعدون وينزل عليه النازلون، وليست باللّباس العسكري أو المدني، فطالما كنّا نستقبل الرؤساء على قدر أناقةِ ثيابهم ونوّدعهم على قدر خفّةِ عقولهم.

عندما وصَف الرئيس نبيه بري المرشح الرئاسي زعيم "المردة" سليمان فرنجية بأنّه "عماد" المرشحين، أدركتُ أنّه يسلّط بصيصَ الضوء الإختباري حول رئاسة العماد جوزف عون، وأنا بفعل عمق العلاقة أعرف كيف يوجّه الأستاذ إشاراته السحرية، وهي غالباً ما تكون بواسطة الوصف التشبيهي.

أنْ تُجْمِعَ القوى السياسية والبرلمانية المتنافرة حيناً، والمتصادمةُ أحياناً، على رئاسة العماد جوزف عون فهذا يعني أنّه الرئيس العماد، الرئيس الوطني الوفاقي التوافقي، والحاكم السيادي الذي يحكم في معزل عن هيمنة قناصل الخارج وقناصل الداخل.

ممارسة السلطة السياسية والأمنية في لبنان، تحتاج إلى كثير من الحكمة والحنكة وعمق البصيرة والرؤيا، لقد خضعتْ ممارسة العماد عون لهذا الإمتحان، عبرَ أخطر المحطات دقّـة وأكثرها حَرجاً، فعالجَها بأقصى الحكمة والدراية الوازنة بين الحزْمِ واللّين، ولو أنٍّ غيره كان في موقعهِ، لكان أوقع لبنان في مهالك الفتنة.

بفضل العماد جوزف عون ومسْلكيتَّه العالية المسؤولية، تمَّت المحافظة على تماسك الجيش، فكان المؤسسة الوحيدة الجامعة في وطـنٍ شرّدتهُ السياسة وشرْذمتْهُ المذاهب... في وحدة الجيش وحدةُ الوطن، الجيش رأسُ الجمهورية الشامخ وقلبُ الشعب النابض.

لبنان اليوم، يحتاج إلى قائد، وطبولُ الحرب تقرع أبوابَه والحدود، في محيطٍ مضطربٍ يتخبّط في الفتن، والنزاعات السياسية غالباً ما تُعالَجُ بالدم.

ولبنان اليوم، بما فيه، وبما هو عليه، لا يحتاج إلى رئيس جمهورية أفلاطون الذي هو فيلسوف، ولا إلى رئيس مدينة "الفارابي" الفاضلة الذي هو نبيّ، فلا فلاسفة عندنا ولا أنبياء.

إنّما، يحتاج لبنان إلى رجلِ دولة على الشكل الذي فصّل فيه الرئيس عون نهجه الإصلاحي الإنقاذي في خطاب القسم وبما يعيدُ لبنان إلى لبنان والدولة إلى الدولة ويستعيد ثقةَ الدولة بالدولة، وثقةَ الشعب بالدولة، وثقةَ الدُوَل بالدولة، رئيسٍ يتحلَّى بالنزاهة والشجاعة والإقدام، لم تتلطَّخ يدُهُ باللَّون الأحمر، ولم تتوسَّخ جيبُهُ بالورق الأخضر.

لعلَّ هذا العون، يكون حقيقةً عوناً من الله.

الأكثر قراءة