يبدو أنّ مفهوم الظهير الذي يتحرّك إلى مواقع وسط الملعب لا يزال جديداً نسبياً. ومع ذلك، فقد مضى أكثر من عقد منذ أن بدأ المدرب الإسباني بيب غوارديولا في تطبيقه في بايرن ميونيخ الألماني، مستفيداً من حقيقة أنّ ظهيرَي فريقه كانا القائد الدولي الألماني المعتزل فيليب لام والنمسوي ديفيد ألابا، وهما لاعبان يتمتعان بمهارات فنية استثنائية، ولديهما خبرة في اللعب في منطقة المِحوَر في فِرق الشباب لبايرن.
واصل غوارديولا خطته في مانشستر سيتي الإنكليزي - في البداية من دون نجاح. فقد واجه لاعبو مثل الأرجنتيني بابلو زاباليتا، والفرنسيَّين باكاري سانيا وغايل كليشي، صعوبةً في التكيّف مع هذا المركز.
لكنّ آخرين حققوا نجاحاً أكبر. كان الأوكراني أولكسندر زينتشينكو لاعب خط وسط تقريباً يلعب دائماً «خارج مركزه» الأساسي، كظهير أيسر. كما كان البرتغالي جواو كانسيلو يبدو كصانع ألعاب أكثر من كونه مدافعاً. ربما يكون الإنكليزي الشاب ريكو لويس أول لاعب يتمّ إعداده خِصّيصاً لهذا الدور «الهجين» - جزء منه مدافع، وجزء منه لاعب وسط.
في هذه المرحلة، لم يَعُد الأمر مجرّد شائع، بل أصبح شبه إلزامي في الأندية الكبرى. ومع وجود العديد من اللاعبين الذين يفسّرون الدور بطرق مختلفة، ربما حان الوقت لتمييز استخدام هؤلاء اللاعبين بشكل أكثر دقة.
1- هل يتحرّك ظهيران أو ظهير واحد إلى الداخل؟
عندما كشف غوارديولا عن خطته لأول مرّة في بايرن، كان نهجه يتضمّن جلب كلا الظهيرَين إلى وسط الملعب معاً. تقريباً كان هذا تحوّلاً تاماً، إذ تمّ التعامل مع اللاعبَين كجزء من الهيكل الوسطي، مع توجيه الأجنحة للبقاء في المراكز التي كان من المفترض أن يندفع إليها الظهيرَان في السابق.
لكن في السنوات الأخيرة، أصبح من الشائع أكثر لعب شيء من النظام الهجين، جزئياً لأنّ العديد من المدربين - بما في ذلك غوارديولا - يفضّلون أن تكون كتلتهم الدفاعية تأخذ شكل 3-2 بدلاً من 2-3.
لذا، عندما لعب أرسنال ضدّ برايتون مطلع موسم الدوري الإنكليزي الممتاز، على سبيل المثال، اندفع الظهير الهولندي يورين تيمبر إلى الداخل ليصبح لاعب وسط، ممّا سمح للاعب الارتكاز الإنكليزي دكلان رايس بأن يصبح مهاجماً خامساً، بينما ضيّق قطب الدفاع الإنكليزي بن وايت مركزه وأصبح جزءاً من خط دفاع ثلاثي. فربما يكون هذا هو الشكل الأكثر شيوعاً.
لكنّ مانشستر يونايتد كان يجلب في كثير من الأحيان كلا الظهيرَين إلى الداخل هذا الموسم. في هزيمته أمام ليفربول، على سبيل المثال، تحرّك البرتغالي ديوغو دالوت والمغربي نصير مزراوي إلى الداخل في الوقت نفسه، ممّا سمح لاثنَين من لاعبي الوسط بالتقدّم إلى الأمام.
2- هل هم هناك للهجوم أم للدفاع؟
كل لاعب في الملعب لديه مسؤوليات في كلا الجانبَين، بالطبع. لكنّ الفكرة الأصلية لنهج «الظهير الهجين» كانت إبقاء خط الدفاع المكوّن من 4 لاعبين متماسكاً ومستعداً للعمل كوحدة دفاعية في حالة الهجوم المعاكس السريع من الخصم.
لذا، عندما استخدم أرسنال بن وايت للانتقال إلى خط الوسط، على سبيل المثال، كان من السهل التفكير في أنّ الهدف الأساسي هو الحفاظ على الشكل الدفاعي. هنا، يلعبون ضدّ برينتفورد الذي يستخدم ثنائياً هجومياً يعتمد على الهجمات المرتدة، بالتالي يريد أرسنال مدافعاً جيداً في تلك المنطقة، بدلاً من وجوده في الخارج.
هذا بالطبع ليس التفكير الذي يتّبعه مدربا ليفربول، الألماني يورغن كلوب سابقاً والهولندي أرني سلوت حالياً، عندما ينقلان الإنكليزي ترينت ألكسندر-أرنولد إلى الداخل. فهي حركة أكثر تطلّعاً إلى الأمام، تهدف إلى وضع أفضل ممرّر لديهم في الكرة بشكل أكثر انتظاماً، وفي مواقع حيث يمكنه لعب مجموعة متنوّعة وأوسع من التمريرات.
3- هل يقومون بدور لاعب وسط دفاعي أم لاعب وسط هجومي؟
الفهم العام هو أنّ الظهير الذي ينتقل إلى الداخل إلى منطقة الوسط، يُصبح لاعباً محورياً موقتاً - معظم الصور الموضّحة تؤكّد ذلك.
لكن في تعادل مانشستر سيتي 2-2 مع أرسنال الأسبوع الماضي، كان دور الكرواتي يوشكو غفارديول أكثر تقدّماً - إذ كُلِّف بالتحرّك من الظهير الأيسر ليصبح لاعباً داخلياً أيسر في مانشستر سيتي، بينما كان لاعب الارتكاز الإسباني رودري (وعندما غادر بسبب الإصابة، دخل الكرواتي ماتيو كوفاسيتش) اللاعب المحوري الوحيد في نظام 3-5-1-1.
وبقي سيتي محافظاً على هذا الشكل حتى بعد أن خُفِّض أرسنال إلى 10 لاعبين، فأصبح غفارديول يمثل تهديداً داخل منطقة الجزاء، وسدّد عدة محاولات جيدة على المرمى.
مرّة أخرى، غريزتنا هي تجميع الأدوار معاً، لأنّ أي ظهير يتحرّك إلى خط الوسط لا يزال يبدو وكأنّه شيء جديد نسبياً. لكن إذا كنّا نُميّز بين لاعب الوسط الدفاعي والهجومي بشكل عام - وبالطبع نفعل ذلك - فيجب علينا أن نفعل الشيء نفسه في ما يتعلّق بهؤلاء اللاعبين أيضاً.
4- هل هم مُمرّرون أم عدّاؤون؟
هذه نقطة أصعب للتحديد، لأنّ معظم الأدوار ستجمع بين الاثنَين. لكن مرّة أخرى، يمكننا قول الشيء نفسه عن أي مركز في الملعب.
يمكننا على الأرجح أن نتفق على أنّ ألكسندر-أرنولد (ليفربول) والإيطالي دستني أودوغي (توتنهام هوتسبير) يُحضَران إلى الداخل لأغراض هجومية بالأساس.
لكن بينما الفكرة هي وضع ألكسندر-أرنولد على الكرة لأنّه يستطيع لعب التمريرة الأخيرة بفاعلية، كما فعل بتمريرته الحاسمة للكولومبي لويس دياز في نهاية الأسبوع، فإنّ أودوغي يبدو وكأنّه «عداء نشط»، يساعد في سحب الخصوم بعيداً من الجناح، ممّا يسمح للكوري الجنوبي سون هيونغ-مين - المهاجم الرئيسي لتوتنهام - بتلقّي التمريرات والعثور على المزيد من المساحة في الخارج. بالطبع، أودوغي جيد بما فيه الكفاية في الاستحواذ، ويتلقّى تمريرات أمامية جيدة، لكنّه ليس صانع ألعاب على غرار ألكسندر-أرنولد.
5- طبيعي أم معكوس؟
الميول إلى وصف هؤلاء اللاعبين بـ«الأظهرة المعكوسة» لا تبدو منطقية حقاً - الفكرة في الأجنحة المعكوسة هي أنّهم يلعبون في الجانب المقابل لقدمهم القوية، ويتحرّكون للداخل ويستخدمون قدمهم الأقوى للتسديد. أمّا ألكسندر-أرنولد، الذي يلعب في مركز أضيق من الجهة اليمنى، فلا يُعَدّ معكوساً عندما يلعب تمريرات من هذا النوع.
لكنّ كانسيلو، عندما كان يلعب لسيتي كظهير أيسر، كان حالة مختلفة. على الرغم من أنّه كان يُفضّل استخدام الجزء الخارجي من قدمه اليمنى عند تنفيذ عرضيات كهذه نحو القائم البعيد، إلّا أنّه كان يتصرّف بشكل يُشبه الجناح المعكوس.
هناك تعقيدات أخرى بالطبع، بحسب التشكيلات المختلفة والمسؤوليات مع الكرة ومن دونها. وقد لجأ غوارديولا بشكل متزايد إلى استخدام قلب دفاع، بدلاً من ظهير، للانتقال إلى خط الوسط.
لكنّ هذا المركز أصبح شائعاً جداً لدرجة أنّه لم يَعُد مجرّد تنوعّ في الدور، كما كنّا نعتبره سابقاً - بل أصبح دوراً بحدّ ذاته، مع تنوّعاته الخاصة.