يعرف «حزب الله» أنّه يواجه الآن لحظة مفصلية في مسار الحرب ويعلم انّ اتهامه الكيان الإسرائيلي سيكون نقطة تحوّل في الخط البياني للمواجهة
عددٌ من الشهداء بينهم مدنيون وابن النائب علي عمار، وآلاف الجرحى بينهم السفير الإيراني لدى بيروت مجتبى أماني، سقطوا دفعة واحدة وفي وقت واحد في بيروت والضاحية والبقاع والجنوب ومناطق أخرى، جرّاء انفجار أجهزة الاتصال المعروفة بـ«بايجر» بمن كان يحملها، خصوصاً في صفوف المنتسبين الى مؤسسات «حزب الله» المختلفة.
وبينما اعتبرت الحكومة، في موقف رسمي بعد اجتماعها، انّ ما حصل هو عدوان إسرائيلي على لبنان، كان لافتاً انّ «حزب الله» تمهّل بادئ الأمر في توجيه الاتهام الصريح إلى الكيان الاسرائيلي، في انتظار ان تنتهي فرقه المختصة من إجراء التحقيق التقني والعلمي. ثم ما لبث أن اعقب بيانه الأول ببيانٍ ثانٍ وجّه عبره الاتهام المباشر والصريح إلى العدو الإسرائيلي، محمّلاً ايّاه المسؤولية الكاملة عن العدوان الجديد والآثم الذي طال المدنيين أيضاً ومتوعداً اياه بقصاص عادل من حيث يحتسب ولا يحتسب.
بهذا المعنى، وعلى الرغم من فداحة الحدث وفظاعته، اختار «حزب الله» في البداية أن يتصّرف برباطة جأش وتأنٍ بعيداً من الانفعال والارتجال، وان يحتفظ بتقديراته لطبيعة هذا الحدث ولمن يقف خلفه إلى حين تثبيتها او إثباتها بالدليل الكافي.
وعندما توصّل الحزب الى اقتناع كامل بوقوف العدو الإسرائيلي خلف تفجير أجهزة الـ«بايجر»، بادر إلى تسميته بالاسم، معلناً بذلك رسمياً عن الانتقال إلى مرحلة جديدة من النزاع معه.
يعرف «حزب الله» أنّه يواجه الآن لحظة مفصلية في مسار الحرب، ويعلم انّ الاتهام الذي وجّهه إلى الكيان الاسرائيلي سيكون نقطة تحول في الخط البياني للمواجهة التي كانت قد وصلت اصلاً خلال الأيام الإخيرة الى محك دقيق، على وقع التهديدات الإسرائيلية المتلاحقة باستخدام القوة لتغيير الوضع الحالي في الشمال، وصولاً إلى قرار «الكابينت» بتوسيع أهداف الحرب لتشمل إعادة النازحين الى مستوطناتهم.
وبناءً عليه، لا يمكن فصل «العدوان التقني» الواسع النطاق الذي غطّى غالبية الاراضي اللبنانية عن القرار الاسرائيلي برفع وتيرة التصعيد على الجبهة الشمالية.
والأكيد انّ الهجوم الإرهابي غير المسبوق الذي شنّه الكيان الاسرائيلي على لبنان عبر السلاح الاستخباري ـ الأمني من شأنه ان يدفع «حزب الله» إلى ردّ استثنائي يرتقي الى مستوى الاعتداء الذي تجاوز في خطورته اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر في الضاحية.
وإذا كانت الأنظار قد اتجهت خلال الأيام الماضية نحو قيادة الاحتلال لمعرفة الخيار الذي ستلجأ اليه ضدّ لبنان، فإنّها الآن ستستدير نحو قيادة الحزب لمعرفة نمط الردّ على الجريمة الاسرائيلية، والذي لن يطول انتظاره على الأرجح، ربطاً بالطبيعة الدراماتيكية للتطور المستجد.
هذه المرّة، لم يترك الاحتلال مجالاً أمام الحزب لأي أخذ وردّ حول حجم العقاب ونوعيته، بل هو يبدو ملزماً سلفاً بردّ من الوزن الثقيل الذي لا يشبه كل ما سبقه في سياق المعركة التي تدور منذ 8 تشرين الاول الماضي على خط الجبهة الجنوبية مع فلسطين المحتلة.
ولعلّ إشارة «حزب الله» إلى أنّ «العدو سيلقى عقاباً من حيث يحتسب ولا يحتسب» يترك كل الاحتمالات واردة ويفتح الباب أمام اقصى الخيارات الانتقامية حتى لو انطوى الأمر على مجازفة بإمكان التدحرج نحو الحرب الكبرى.
ولعلّ بنيامين نتنياهو اختار توجيه مثل هذه الضربة الغادرة الى المقاومة وبيئتها، للتعويض عن عدم قدرته على تنفيذ اجتياح بري واسع للجنوب اللبناني، ولكن الأكيد انّ الحزب لن يدعه يتحكّم بقواعد الاشتباك وبزمام المبادرة.