ضرب سوريا يرسُم خريطة داخلية جديدة
ضرب سوريا يرسُم خريطة داخلية جديدة
فادي عيد
جريدة الجمهورية
Saturday, 31-Aug-2013 00:36
اذا كان موعد الضربة العسكرية ضدّ سوريا لم يتحدّد بعد، فإنّ المحسوم هو أنّ اصداءها بدأت تتردد بقوة على الساحتين الإقليمية والداخلية، من خلال حرب نفسية ومناخات تشنّج نتيجة الترقب اللبناني المسكون بالهاجس الأمني من جهة ومضاعفات النزوح السوري الكثيف في الأيام القليلة الماضية من جهة أخرى.
وسط الدعوات كافة الى التهدئة واستيعاب تأثيرات الضربة الغربية المرتقبة لسوريا، تحدثت اوساط سياسية مطلعة عن نتائج محدودة مرتقبة على لبنان في حال اقتصرت على أهداف معدودة ورمزية، ولم تتخطَّ مستوى العقاب.

ولكنّ هذه الاوساط كشفت أنّ حالاً من انعدام التوازن ستسجل في المشهد الداخلي بعد الضربة نتيجة احتدام وتيرة التجاذبات المذهبية، وارتفاع مستوى الخطر الامني والعمليات الارهابية، إضافة الى الضغط السياسي والاقتصادي والاجتماعي المرشح للتفاقم مع الوصول الى لحظة الصفر، وتسارع التحركات العسكرية الغربية في المنطقة في موازاة الحراك الديبلوماسي العلني في مجلس الامن، والسرّي من خلال مبادرات سرية لدول محايدة في ربع الساعة الاخيرة.

وأوضحت الاوساط نفسها انّ حال التردد في العواصم الغربية ازاء الضربة، دفعت الى تأخيرها بضعة ايام، مشيرة الى أنّ مروحة الاتصالات الديبلوماسية العربية والغربية قد اتسعت في الساعات الماضية وطرحت بالتالي مجموعة احتمالات حول ارجاء هذه الضربة في انتظار الاستماع الى التقرير السري للمفتشين الدوليين حيال استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في غوطة دمشق، واتخاذ مجلس الامن الوقف المناسب حياله.

وعلى رغم ازدحام التساؤلات الداخلية حول مبدأ الحياد او "النأي بالنفس"، على الاقل خلال هذه العاصفة، ركزت الاوساط السياسية على أنّ مجمل اللقاءات والمشاورات والاتصالات التي يجريها المسؤلون تشدد على ضرورة احتواء كل ترددات الحدث العسكري في سوريا ومضاعفاته، وذلك بصرف النظر عن الاعتبارات الاخرى التي قد تدفع بعض القوى الداخلية الى الإنخراط في دعم النظام السوري، اضافة الى "حزب الله" الذي يحارب الى جانبه منذ اشهر.

وشددت الأوساط على وجوب أن يشكل الاستقرار الامني في كل المناطق اللبنانية أولوية لدى الجميع بمَن فيهم حلفاء النظام السوري، خصوصاً انّ الضربة الغربية "التأديبية" لسوريا لن تحسم النزاع العسكري، بل على العكس ستزيد من تعقيداته، بسبب صعوبة إقدام اي طرف على الحسم العسكري في ظل ما يتردد عن اقتصار الهجوم الغربي على ضربات جوية خاطفة ولو طال أمدها الى نحو ثلاثة ايام.

وهذه الضربة ستدخل لبنان في حال انخرط حلفاء النظام من الفلسطينيين واللبنانيين في النزاع عبر استهداف مصالح دول غربية مشاركة فيها، في نفق مظلم.

وبالتالي، أكدت الاوساط نفسها، انّ النزاع السنّي - الشيعي سيأخذ طابعاً أكثر احتداماً وخطورة في المنطقة ولبنان، كما انّ الانقسام السياسي قد يأخذ طابعاً اكثر تحدياً وخطورة بدوره، فيما ستتراجع وتيرة التحركات لتأليف حكومة جديدة، وإن كانت الساحة الداخلية بأمسّ الحاجة اليها لادارة الوضع الداخلي بعد الضربة المفترضة، وسينزلق الوضع السياسي نحو المجهول.

وكشفت أنّ العقبات ازدادت حالياً امام رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام، بعدما أصبحت الازمة الامنية الاقليمية تتجاوز قدرة القوى المحلية، وباتت تُنذر باستعادة مشاهد بغيضة عن الاقتتال الداخلي وتمنع حصول توافق الحد الادنى على تجنيب البلاد هذه الكأس المرة.

وخلصت الاوساط السياسية الى الجزم بأنّ حصول هذه الضربة سيعيد رسم الخريطة السياسية الداخلية لجهة التحالفات، وسيكرّس معركة عسكرية طويلة في سوريا، من دون أن تظهر في المدى المنظور ايّ ملامح لتسوية إقليمية بين طرفَي النزاع في سوريا ولبنان على حدّ سواء.
theme::common.loader_icon