

لكن بدا أنّ بوستيكوغلو لديه نقطة يريد بشدة إيصالها، ولم يستطع كتمانها. استدار ونظر باتجاه جماهير توتنهام على بُعد 50 ياردة إلى يساره. رفع يده اليمنى إلى أذنه اليمنى. وليكون واضحاً تماماً، لوّح لجماهير الـ»سبيرز» التي كانت لا تزال تحتفل، ثم أعاد يدَيه إلى جيبَي معطفه وظلّ يواجه الجماهير. مجرّد إشارتَين صغيرتَين، انتهى الأمر خلال ثوانٍ معدودة. حتى أُلغي هدف سار. لكن مع ذلك، شعر كثيرون أنّ هذه اللحظة ستترك أثراً طويل الأمد.
من منظور منصة الصحافة، التي لم تكن تبعُد سوى بضع ياردات، بدا وكأنّ بوستيكوغلو كان يركب موجة من الانفعال المليء بالتحرّر والانتصار، النشوة التي تصاحب لحظة إثبات الذات بعد الشك فيه أو السخرية منه.
قبل 5 دقائق فقط، أجرى بوستيكوغلو تبديلاً بدخول سار بدلاً من لوكاس بيرغفال، في محاولة يائسة لإحياء أداء توتنهام، في مباراة أخرى لم يظهر فيها الفريق بمستواه. القرار قوبِل برفضٍ تام من المشجّعين في القسم الضيف، إذ شعروا أنّ بيرغفال كان من القلة القليلة التي لعبت بحيوية والتزام، وبفكرة واضحة لتحريك الكرة إلى الأمام. هتفوا بصوت عالٍ إلى بوستيكوغلو: «أنت لا تعرف ما الذي تفعله!»، في واحدة من أوضح لحظات التمرّد الجماهيري ضدّه منذ تولّيه المهمّة.
وفقاً لهذا التفسير، فإنّ إشارة بوستيكوغلو كانت بمثابة ردٍ منه، وسيلة لتوبيخ الجماهير أو السخرية منها لجرأتها في التشكيك به، وتذكيرهم بأنّه المدير الفني وليسوا هم. وبهذا، بدا بوستيكوغلو وكأنّه شخص سريع الغضب وحساس جداً، فبدلاً من أن يحتفل معهم بانتصار مشترك، اختار التقليل من شأن مؤيّديه.
لكنّ بوستيكوغلو أصرّ بعد المباراة على أنّه لم يكن يقصد أي إساءة، ورفض تماماً فكرة أنّه كان يُهين الجماهير: «من المدهش كيف تُفسَّر الأمور. سجّلنا هدفاً، فقط أردتُ أن أسمعهم وهم يهتفون. كنتُ أظنّ أنّه هدف رائع وأملتُ أن نحظى ببعض الحماس».
كرّر بوستيكوغلو الحجة عينها في مقابلة متوترة للغاية مع شبكة «سكاي سبورتس»، موضحاً أنّه استدار نحو القسم الخاص بالجماهير «لأراهم يبتسمون».
قد يقتنع بعض مشجّعي توتنهام. وقد يقبلون حجّته بأنّه لا يتأثر بانتقادات الجماهير، إذ أصرّ على أنّ «الأمر ببساطة لا يؤثر فيّ. إذا كان هذا ما يشعر به المشجّعون، فلديهم كل الحق في التعبير عنه».
لكن هل تتماشى هذه الصورة لبوستيكوغلو كرجل متماسك لا يتأثر بالضجيج، مع الواقع الذي رأيناه خلال الموسمَين الماضيَين؟ لقد تفاعل مراراً مع انتقادات الجماهير، سواء في مباريات داخل الأرض أو خارجها، بما يكفي ليعتقد المرء أنّ بعضاً من هذا الضجيج يصل إليه بالفعل. فلماذا يُريد شخص يدّعي تجاهل الانتقادات، الردّ على هذه الانتقادات بهذا الشكل المتكرّر؟
إذا كان الهدف الوحيد من تصرّفه تشجيع الجماهير على الهتاف، فهناك إشارات أخرى أكثر وضوحاً لتحقيق ذلك، بدلاً من تلك التي استخدمها. وإذا لم يرَ بوستيكوغلو احتفاله على أنّه تهجّم على الجماهير، بل كطريقة إيجابية لتحفيزهم، فلماذا وقف وحده في منتصف الملعب بعد ذلك، بدلاً من الذهاب لتحية مشجّعيه؟ خصوصاً أنّ لاعبيه الذين ذهبوا لتحية الجماهير هم مَن تحمّلوا عبء الغضب والخيبة منهم.
في النهاية، لا يمكننا معرفة ما الذي كان يدور في رأس بوستيكوغلو في الساعة 9:30 مساءً يوم الخميس عندما حدث كل هذا. لكنّ جماهير توتنهام التي تشاهد مقابلاته وتقرأ كلماته، ستسأل نفسها إن كانت لا تزال تُصدِّقه. والكثير منهم سيصل إلى استنتاج مفاده أنّه لم يَعُد يُمنح «حسن الظن» بعد الآن. ليس بعد موسم خسر فيه 16 مباراة من أصل 30 في الدوري.
يمكن التغاضي عن الكثير عندما يشعر الناس أنّ الفريق يتقدّم إلى الأمام. فالخلاف مع الجماهير بعد مباراة مانشستر سيتي الموسم الماضي مثال واضح. سواء اتفقت مع بوستيكوغلو أم لا في أيار الماضي، فقد كان يتحدّث من موقع قوة حينها. لكنّ ذلك الرصيد قد نفد تماماً.
كل هزيمة هذا الموسم كانت تُضعِف العلاقة بين بوستيكوغلو وجماهيره. والوضع الآن هش للغاية لدرجة أنّ أي مدرب حريص على الاستمرار كان سيسعى حتماً إلى الحفاظ على دعم الجماهير. هذه لحظة تتطلّب سياسة بنّاءة، قَول الكلمات الصحيحة، ومحاولة الحفاظ على قدر من النية الحسنة يكفي لإشعال المدرجات في ذهاب ربع نهائي الدوري الأوروبي ضدّ آينتراخت فرانكفورت.
بدلًا من ذلك، وجد بوستيكوغلو نفسه مضطراً لتفسير إشارته. لقد كانت وضعية غريبة لمدرب يجد نفسه فيها، خصوصاً أنّ توتنهام سيخوض مباراتَين متتاليتَين على أرضه، وبوستيكوغلو يدرك تماماً أنّه بحاجة إلى دعم الجماهير ليستمر في منصبه. فإذا ما انقلبت عليه الجماهير، يمكنها أن تجعل مستقبله مستحيلاً.
في مؤتمره الصحافي، سُئل بوستيكوغلو عمّا إذا كان قد خاطر بإبعاد جماهيره من خلال حركة «تجويف الأذن» الظاهرة. فردّ، وهو يهزّ كتفَيه: «أنا أشعر بانفصال شديد عن العالم هذه الأيام، لذا، مَن يدري، ربما أنتم على حق».








