من مظاهر التناقض بين دستور الطائف ومتطلبات التضامن الوزاريِ
من مظاهر التناقض بين دستور الطائف ومتطلبات التضامن الوزاريِ
اخبار مباشرة
د. سليم الزيبق
Friday, 04-Apr-2025 06:07

من المُستغرب ان يُصرّح رئيس الحكومة الدكتور نوّاف سلام بما صرّح به بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 27/3/ 2025، والتي تمّ خلالها تعيين السيد كريم سعيد حاكماً لمصرف لبنان، وذلك بعد نيله اصوات 17 وزيراً مقابل امتناع الرئيس سلام وستة وزراء عن التصويت.

إثر انتهاء الجلسة توجّه سلام إلى اللبنانيين قائلاً: «كما تعلمون انّه تمّ تعيين كريم سعيد حاكماً لمصرف لبنان، علماً انّه لم يكن مرشحي لهذا المنصب لعدد من الأسباب، في ظل حرصي على حقوق المودعين والحفاظ على أصول الدولة. وقد تحفّظت مع عدد من الوزراء عن تعيينه». وتابع قائلاً: «يبقى الأهم، هو انّ الحاكم أياً كان، ومهما كانت تحفظاتنا عن اختياره، عليه ان يلتزم، منذ اليوم، بالسياسة المالية لحكومتنا الإصلاحية...». بغض النظر عن المشاريع النقدية للحاكم الجديد وعن القوى الخفيّة والظاهرة، المحلية منها والدولية، التي كانت وراء تعيينه وشيطنة منافسيه، لا يمكننا الّا أن نلاحظ خطورة هذا التصريح وانعكاساته على وحدة السلطة التنفيذية ومبدأ التضامن الوزاري من ناحية، وغرابة ردة فعل الرئيس سلام على نتيجة التصويت في مجلس الوزراء من ناحية أخرى.

 

إنّ وحدة السلطة التنفيذية تعني انّ هذه السلطة، التي تعود لمجلس الوزراء منذ دستور الطائف (المادة 65)، يجب ان تُمارسها هيئة واحدة تشكّل فريق عمل متجانساً، ما يؤدي إلى التناسق في اتخاذ القرارات الحكومية وتأمين فعالية تنفيذها، ويضمن عدم تشرذم السلطة ونشوء الخلافات الداخلية التي تعوق عملها في تنفيذ سياساتها العامة. وهذا ما يتجسّد ليس فقط بمبدأ سرّية مداولات مجلس الوزراء وإنما أيضاً بمبدأ التضامن الوزاري. ففي تصريحه الآنف الذكر خرق سلام مبدأ سرّية مداولات مجلس الوزراء بقوله انّه تحفّظ مع عدد من الوزراء عن تعيين السيد سعيد. فالمادة 4 من مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء (مرسوم رقم 2552 تاريخ 1/8/1992) تنص صراحة على اعتبار «مناقشات ومداولات مجلس الوزراء سرّية ولا يجوز نشرها او الإعلان عنها».

 

كذلك تنص المادة 9 منه على أن تكون «مناقشات مجلس الوزراء سرّية» وتحدّد الأشخاص الذين يحق لهم حضور الجلسة. ومنعاً لأي التباس، تنص المادة 11 من المرسوم نفسه على أن «يُوضع محضر خطي يلخّص الوقائع والمداولات والقرارات والتحفظات وتتلى منه المقررات فقط في نهاية الجلسة»، ما يعني انّ إعلان سلام عن تحفّظه وتحفّظ بعض الوزراء كان مخالفاً لمبدأ سرّية مداولات مجلس الوزراء. في مخالفته لمبدأ مداولات مجلس الوزراء خالف سلام أيضاً مبدا التضامن الوزاري بقوله انّه عارض، مع بعض الوزراء، تعيين السيد سعيد. فقاعدة التضامن الوزاري تعني أنّ «المعارضة» غير موجودة في مجلس الوزراء، «Il n’y a pas d’opposition au conseil des ministres»، بحسب التعبير الذي يُنسب إلى الرئيس الفرنسي جاك شيراك أثناء تولّيه رئاسة الحكومة في عهد الرئيس جيسكار ديستان. بلا أدنى شك، إنّ مجلس الوزراء، كهيئة جماعية مؤلفة من سياسيين من مشارب مختلفة، يتحول مراراً ساحة للنقاش الحاد بل وحتى العنيف. الّا انّ هذه الظاهرة الصحية، من منطلق ديموقراطي، يجب الّا تخرج إلى العلن، لأنّ في ذلك ضربة قاسية لصدقية العمل الحكومي وفعاليته. فمبدأ التضامن الوزاري يفرض على الأقلية أن تنضمّ، فور اتخاذ القرار، إلى رأي الغالبية، نظراً لأنّ أي قرار تتخذه الحكومة يُعتبر قراراً جماعياً، ويجب على جميع الوزراء الدفاع عنه حتى لو كان بعضهم قد عارضه شخصياً. (Cf. Olivier Gohin, Droit constitutionnel, LexisNexis, 2013, p. 820). فبحسب تعبير السياسي الفرنسي الشهير Jean-pierre Chevènement إنّ قاعدة التضامن الوزاري تفرض على الوزير «اما السكوت او الاستقالة». إنّ تصريح سلام يبدو أكثر غرابة عندما نعلم انّه جعل من قاعدة التضامن الوزاري معياراً أساسياً لتأليف حكومته الحالية، بهدف تشكيل فريق عمل متجانس يضع حداً للممارسات السابقة ولظاهرة «المعارضة» داخل الحكومة. الّا انّ الأكثر خطورة هو تحديد الرئيس سلام للأسباب التي دفعته إلى التحفّظ عن تعيين الحاكم الجديد بقوله انّ كريم سعيد «لم يكن مرشحي لهذا المنصب لعدد من الأسباب، في ظل حرصي على حقوق المودعين والحفاظ على أصول الدولة».

 

فإذا كان للكلمات معنى فإنّ ذلك يعني انّ سلام يشك في حرص رئيس الجمهورية ومن عارضه من الوزراء على حماية حقوق المودعين والحفاظ على أصول الدولة. نأمل في أن لا تكون نيّة الرئيس سلام متوافقة مع معنى الكلمات. أخيراً، تجدر الإشارة إلى انّ التحذير الصارم الذي وجّهه الرئيس سلام للحاكم الجديد بقوله «انّ عليه ان يلتزم، منذ اليوم، بالسياسة المالية لحكومتنا الإصلاحية»، هو لزوم ما لا يلزم. إذ من المعلوم انّ رسم السياسة المالية للدولة يعود إلى السلطة السياسية، اما المصرف المركزي فلا علاقة له الّا برسم السياسة النقدية. في الواقع انّ هذا التحذير يعبّر بشكل واضح عن غضب الرئيس سلام من نتيجة التصويت وصعوبة القبول بها، وهذا ما لا يمكن لإنسان أن يُعيب عليه ذلك. فهل يُعقل أن يتخذ مجلس الوزراء قراراً على رغم من معارضة رئيس هذا المجلس، وهو الذي يمثل، بحسب منطوق المادة 64 من الدستور، الحكومة ويتكلم باسمها ويُعتبر مسؤولاً عن تنفيذ سياستها العامة؟ بلا أدنى شك انّ ذلك يُعتبر ذروة انعدام المنطق. الّا انّ ذلك هو منطق دستور «الطائف».

 

إنّ الرئيس سلام الذي لم يألُ جهداً في التذكير بأنّ التطبيق الصحيح لدستور «الطائف» هو خشبة الخلاص للشعب اللبناني، يعرف أكثر من غيره انّ اتفاق الطائف حوّل مجلس الوزراء من «مركز قرار» إلى «برلمان مُصغّر» لكي لا نقول «مجلس ملل». ففي البرلمانات، الصغيرة منها والكبيرة، توجد غالبية وأقلية، وتُتخذ القرارات بالاقتراع وتخضع الأقلية لإرادة الأكثرية برحابة صدر عموماً. وهذا ما تؤكّده المادة 65 من الدستور عندما تنص على انّ مجلس الوزراء «يتخذ قراراته توافقياً، وإذا تعذّر ذلك بالتصويت»؟ يتضح مما تقدّم، انّ دستور «الطائف» لا يتلاءم مع وجود حكومة تشكّل فريق عمل متجانساً. نظراً لاستحالة المسّ بدستور الطائف، من الناحية السياسية بالطبع، لا يبقى أمامنا الّا الاعتراف بوجود «برلمانين» في نظامنا الدستوري، والاعتياد على الاقتراع في مجلس الوزراء والقبول بنتائجه. 

theme::common.loader_icon