

ليس محض مصادفة التزامن بين سلسلة مواقف مناوئي «حزب الله» وبين جولة الغارات الإسرائيلية الأخيرة على الجنوب والبقاع! إذ افتتح وزير الخارجية يوسف رجّي حلقة التصريحات التصعيدية، باعتباره أنّ بقاء سلاح «الحزب» ذريعة لإسرائيل للاستمرار في عدوانها على لبنان، ثم جاءت تصريحات رئيس الحكومة نواف سلام في مقابلة عاجلة على قناة «العربية»، ليعلن أنّ معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» أصبحت من الماضي، وكأنّه يقول إنّ سلاح «حزب الله» بات من الماضي، ومروراً بتصريح النائب غسان حاصباني الذي ينطوي على تهديدات مباشرة والإستقواء بالتدخّل العسكري الخارجي ضدّ «حزب الله»، بقوله: «إذا لم تسحب الدولة السلاح فستُلزَّم المهمّة لإسرائيل جنوباً ومسلحي تحرير الشام شرقاً».
هذه التصريحات وغيرها من المعطيات والمعلومات المتوافرة، التي جاءت أيضاً بعد انقلاب إسرائيل على اتفاق وقف إطلاق النار وتجدّد الحرب على غزة وعودة التوتر بين الولايات المتحدة واليمن، تؤشر إلى أنّ التوجّه الخارجي هو مزيد من الضغط على لبنان والخطوات التصعيدية على كافة الصعد، بهدف الإطباق على «حزب الله» وحصار المقاومة تمهيداً لنزع سلاحها، إمّا عبر الدولة اللبنانية أو بالحل العسكري الخارجي.
وشكّلت هذه التصريحات من حيث يعلم مطلقوها أو لا يعلمون، مظلّة سياسية لجولة العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، ما كشف بوضوح أنّ معظم الحُكم الجديد في لبنان مُكلّف أميركياً تنفيذ أجندة سياسية - أمنية، خصوصاً في ما يتعلق بسلاح المقاومة وصولاً إلى إطلاق مسار السلام والتطبيع وليس انتهاءً بإخضاع لبنان إلى الوصاية الأميركية الغربية المباشرة، وذلك ضمن إطار المشروع الأميركي بتغيير «جيوبوليتيك» الإقليم تتزعّمه إسرائيل، ثم الإستفراد الأميركي بالهيمنة على النظام الدولي.
سبقت مواقف مناوئي المقاومة ما نُقِل عن مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف حول عدم الرضى الأميركي عن أركان الدولة اللبنانية إزاء التعامل مع ملف سلاح الحزب، وأنّ واشنطن أبلغت إلى الرؤساء أنّ أمامهم مهلة شهرَين لحل ملف السلاح وإلّا ستُطلق اليَد الإسرائيلية في لبنان! وإن سارع ويتكوف للنفي، غير أنّ مصادر ديبلوماسية تؤكّد لـ«الجمهورية» أنّ «كلام ويتكوف هو الموقف الأميركي الحقيقي، الذي حمل تهديدات أميركية واضحة للدولة اللبنانية، وما جولة الغارات الأخيرة إلّا إنذار بالنار قد يجري توسيع الحرب إن لم تتلقفه الدولة وتسارع إلى احتواء سلاح الحزب».
وليس محضُ مصادفة أيضاً أنّ تستعر الحملة السياسية على المقاومة، وترتفع سخونة الجبهة العسكرية الجنوبية، قبل أسبوعَين من تصريحات مبعوثة وزير الخارجية الأميركي مورغان أورتاغوس، التي تحدّثت عن تأليف 3 لجان لبدء المفاوضات بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البرية.
وفي ضوء هذا المناخ التصعيدي الخارجي - الداخلي ضدّ «حزب الله»، جاءت حادثة إطلاق 5 صواريخ من الجنوب في اتجاه المطلة، بهدف تبرير الإنذار الناري ولمنح صدقية للتهديدات الأميركية، ومحاولة استدراج «حزب الله» إلى الردّ لتأخذه إسرائيل ذريعة لتوسيع الحرب ضدّه. أمّا الهدف المركزي، فهو بلوغ مرحلة الضغط القصوى على الدولة اللبنانية لاتخاذ خطوات سياسية وعسكرية أمنية ضدّ «حزب الله» لإنهاء سلاحه وجرّ لبنان إلى التفاوض المباشر مع إسرائيل، حتى بلوغ مرحلة السلام والتطبيع.
لكنّ مسارعة «حزب الله» إلى نفي ضلوعه بإطلاق الصواريخ ودعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الأجهزة الأمنية والقضائية للتحقيق وكشف هوية مطلقي الصواريخ، وموقف رئيس الجمهورية الرافض للعدوان الإسرائيلي واتصالاته مع المسؤولين الأميركيِّين، شكّلت مظلّة سياسية لإجهاض محاولة منح ذريعة لإسرائيل لتوسيع عدوانها واستهداف الضاحية الجنوبية لبيروت وفق التهديد الإسرائيلي.
والحقيقة أنّ واشنطن وحلفاءها، وفق مصادر في فريق المقاومة، يُريدون من الحكومة اللبنانية والعهد الجديد أن يُنفّذوا في السياسة ما عجزت عنه إسرائيل خلال شهرَين ونيّف من الحرب، وما لم تأخذه في مفاوضات وقف إطلاق النار. وتشير لـ«الجمهورية» إلى أنّ «حزب الله» لن يُستدرَج للحرب وملتزم القرار 1701 وسهّل انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني، ويقف خلف الدولة في مواجهة التهديدات الإسرائيلية المستمرة، لكن لن يسمح للاحتلال الإسرائيلي بأن يفرض الشروط السياسية التي عجز عنها خلال فترة الحرب، وخصوصاً في ما يتعلق بسلاح المقاومة شمال الليطاني وجرّ لبنان إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل عبر اللجان الثلاثية. وشدّدت المصادر على أنّ الحزب مستعد للبحث في مسألة السلاح ضمن الاستراتيجية الدفاعية أو استراتيجية الأمن الوطني وفق خطاب القَسَم، لكن ضمن سؤال مركزي هو كيف نحمي لبنان لا كيف نجرّده من عوامل قوّته؟
وتحذّر المصادر من أي خطوة متهوّرة بوضع الجيش اللبناني في مواجهة المقاومة ما يمسّ بالسلم الأهلي ويأخذ البلد إلى الإنفجار. ودعت إلى تحلّي أركان الدولة والقوى السياسية كافة بالحكمة الوطنية والحرص على البلد، مؤكّدةً أنّ «المقاومة لم تنهزم كما يتصوّر البعض وما زالت تُشكّل قوة سياسية وشعبية وعسكرية كبيرة يمكنها مواجهة الأخطار المحدقة بالبلد إلى جانب الشعب والجيش اللبناني».
ثمة مَن يقول إنّ الأميركيِّين يرفعون سقف مطالبهم في المفاوضات للحصول على أعلى المكاسب، ولذلك وضعوا سقف التطبيع ليصلوا إلى توسيع حدود الكيان الإسرائيلي في لبنان وسوريا والضفة الغربية بناءً على وعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب. لكنّ جهات عليمة تبدي مخاوفها من أن تستفيد واشنطن وتل أبيب من تبدّل موازين القوى العسكرية في لبنان والمنطقة، لتحويل الخط الأزرق خط حدود بين لبنان وفلسطين المحتلة والإطاحة بحدود اتفاقية الهدنة للعام 1949.
ووفق أوساط سياسية، فإنّ مسألة سلاح «حزب الله» مرتبطة بملفات محلية وإقليمية عدة:
- الانسحاب الإسرائيلي الكامل إلى الحدود الدولية وتطبيق القرارات الدولية ووقف الإعتداء على لبنان.
- الاستراتيجية الدفاعية أو استراتيجية الأمن الوطني، أي الاستفادة من قوة المقاومة في إطار استراتيجية الدولة اللبنانية للدفاع عن لبنان، مع تسليح الجيش اللبناني بسلاح دفاعي وصاروخي قادر على حماية الحدود الجنوبية والشرقية والسيادة اللبنانية.
- الموقف العربي والسعودي تحديداً بربط السلام مع إسرائيل بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية و«حل الدولتَين»، إذ إنّ لبنان آخر دولة عربية تطبّع مع إسرائيل.
- المفاوضات المتوقعة بين الولايات المتحدة وإيران، وما ستفضي إليها من نتائج على صعيد الملف النووي الإيراني والصواريخ البالستية، وما إذا كانت ستشمل ملفات إقليمية ومنها سلاح «حزب الله» أم ستقتصر على المفاوضات النووية.








