ترامب يحتاج لـ10 أشهر لتغيير العالم
ترامب يحتاج لـ10 أشهر لتغيير العالم
اخبار مباشرة
جورج شاهين
Tuesday, 25-Mar-2025 05:54

نصحت مراجع ديبلوماسية واستخبارية عليمة، بضرورة الخروج من زواريب الأزمات الداخلية التي جُمِّد بعضها، وترقّب ما ستحمله التطوّرات المتلاحقة في المنطقة، خصوصاً إن كان الهدف استكشاف مستقبلها. ذلك أنّ التحرّكات العسكرية الأميركية فيها توحي أنّ ما هو آتٍ قد يكون أفظع ممّا سبق، وأنّ ما يُريده الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة بات في الأمتار الأولى لسلوك السكة المرسومة. فالحُلم الذي راوده قد يُترجَم في أشهر لا تتعدّى نهاية السنة. وهذه بعض المؤشرات والدلائل؟

على وقع الحملة الديبلوماسية غير المسبوقة التي أطلقتها الإدارة الأميركية في أكثر من اتجاه منذ دخول ترامب البيت الأبيض، باتت على مسافة قصيرة من أن تؤتي أولى ثمارها. ذلك أنّ توسيع رقعة المواجهات التي خاضها، لا يمكن أن تستمر على وتيرتها المتصاعدة في كل الملفات دفعة واحدة، ولا بُدّ لإدارته أن تعمل وفق جدول أعمال يرتب الأولويات، انطلاقاً من حيث يمكن أن يُحقّق خرقاً ما على قاعدة أنّ الانفراجات المحتملة يمكن أن تتناسل كما الأزمات، خصوصاً أنّ المتورّطين فيها من حلفاء وخصوم هم أنفسهم، وإن لم يكونوا بحضورهم العسكري والسياسي المباشر فبالأذرع والحلفاء، في ظل انقسام حاد يتعزّز كل يوم بين حلفَين دوليَّين.

 

وانطلاقاً من هذه النظرية، تُضيف المراجع الديبلوماسية والاستخبارية، أنّه ليس مستبعداً أن تصدُق توقعات التقارير المتداولة على نطاق ضيّق بين القوى الإقليمية، ولا سيما منها تلك التي تحدّثت قبل فترة عن تحريك الأساطيل الأميركية التي تُعيد انتشارها في المناطق الساخنة، أو تلك المرشحة لأن تشهد تدخّلاً أميركياً مباشراً بعد فترة تركت فيها المهمّة على عاتق القوى الإقليمية المدعومة منها، كما في منطقة الشرق الأوسط على سبيل المثال لا الحصر.

 

وتقول هذه المراجع، إنّ الأمر لم يكن مستغرباً عندما أُعلن في الأيام القليلة الماضية عن تعزيز القدرات العسكرية للبحرية الأميركية في المنطقة الممتدة من البحر المتوسط إلى الخليج العربي مروراً بالبحر الأحمر وبحر العرب، في حركة تُحاكي التطوّرات المتلاحقة التي انطلقت من قطاع غزة ولبنان قبل أن تتوسع رقعتها إلى سوريا، العراق واليمن، وربما تصل في فترة قريبة إلى إيران التي تحوّلت هدفاً لهذه الاستراتيجية الجديدة التي اكتملت حلقاتها على هذه المساحة الجغرافية الواسعة الموضوعة في عهدة «قيادة المنطقة الأميركية الوسطى». وهي منطقة تأسست أوائل عام 1983 بهدف إدارة مساحة من الكرة الأرضية تقع بين القيادتَين الإفريقية والأوروبية للجيش الأميركي والمحيطَين الهندي والهادئ عقب تردّدات أزمة الرهائن الأميركيِّين في إيران بعد 3 سنوات على انتصار الثورة الإسلامية والغزو السوفياتي لأفغانستان وبروز الحاجة إلى تعزيز وحماية مصالح الولايات المتحدة فيها.

 

وكما الأمس، فقد ثَبُتَ أنّ التاريخ يُعيد نفسه بفارق 4 عقود على تشكيل قيادة المنطقة الوسطى، التي تشهد تطوّرات مهمّة غيّرت من موازين القوى فيها. وهي نتيجة حتمية لحجم العمليات الدامية في الشرق الأوسط، التي انتهت محطاتها بإنهاء وجود «حلف الممانعة» الذي تقوده إيران وتقلصه في مناطق أخرى، وهي أزمات تعهّد ترامب بإنهاء ذيولها في مرحلة متوسطة المدى لا تتعدّى نهاية السنة الجارية.

 

ولذلك، بات من السهل تفسير التحرّكات العسكرية الأميركية الأخيرة التي عزّزت دور حاملة الطائرات USS Harry Truman في الشرق الأوسط، والتحضيرات لضمّ حاملة الطائرات USS Carl Vinson إليها قريباً مع ما يرافقهما من بوارج وطرادات وسفن وغواصات تعمل بالقوة النووية كجزء من المجموعات الضاربة. وكل ذلك يجري تزامناً مع تصعيد العمليات الجوية على الحوثيِّين في اليمن الذين يتحكّمون بحرّية الملاحة البحرية في باب المندب والبحر الأحمر منذ تشرين الثاني 2023 تاريخ انضمامهم إلى «حرب الإسناد» التي أطلقها «حزب الله» لنصرة المقاومة الفلسطينية. وهي خطوة وُصِفت بأنّها قد لا تقف عند حدود ضرب الحوثيِّين فحسب، إنّما تحمل تهديداً مسبقاً لرعاتهم الإيرانيِّين بحسب الرسائل المباشرة التي وجّهتها واشنطن إلى طهران، إذا لم تأتِ بملفها النووي إلى طاولة المفاوضات ضمن مهلة الشهرَين التي حدّدهما ترامب في تحذيره الأخير.

 

على هذه الخلفيات، عبّرت المراجع الديبلوماسية والاستخبارية عينها عن جملة من الملاحظات التي تُنبئ بوجود قرار أميركي بالتدخّل المباشر والإنغماس بكل القدرات الأميركية في المنطقة تمهيداً للاستغناء عن أدوار الحلفاء الإقليميِّين إن صحت المعلومات التي قالت إنّ واشنطن طلبت من تل أبيب وقف أي عمل عسكري مباشر في اتجاه اليمن وترك الساحة لها ولِمَن تحتاجه من حليفاتها الكبرى دون سواها من القوى الإقليمية، توصّلاً إلى التفاهمات التي ستفرضها على قواها بلا أي شريك إقليمي، قبل إعادة تقسيم الأدوار والمغانم في وقت لاحق.

 

وانطلاقاً ممّا تقدّم، تُضيف المراجع، إنّ على المراقبين المحليِّين عدم الغرق في كثير من التفاصيل المحلية الغامضة في ظل فقدان الصورة الواضحة لنهاياتها، وإنّ من الأفضل رصد التحرّكات الدولية لما لها من انعكاسات استراتيجية لا يمكن تقديرها على الداخل اللبناني. وهو أمرٌ يفرض التريّث في الحكم على بعض المواقف المتضاربة كتلك التي تتحدّث عن مشاريع التطبيع مع إسرائيل التي ما زالت على لائحة القضايا المختلف عليها من ضمن الإدارة الأميركية. ذلك أنّ الفريق المنغمس في المفاوضات يُدرك استحالة بلوغ هذه المرحلة، وخصوصاً في لبنان، طالما أنّها لم تنجح بعد في استدراج السعودية إليها في ظل شروطها المتشدّدة لجهة مشروع البت بـ»الدولة الفلسطينية» من ضمن «مشروع الدولتَين» مهما قيل عن عقبات إسرائيلية. ذلك أنّ القرار النهائي هو ملك واشنطن وهي القادرة على ترتيب المخارج لإرضاء العرب قبل أي خطوة تُحيي برامج التطبيع. ذلك أنّها عملية معقّدة لها علاقة مباشرة بما سيكون عليه مستقبل الوضع في سوريا ولبنان وغزة ومعها دول الخليج، فهم في سلة واحدة.

 

وتؤكّد المراجع عينها أنّها تشعر للمرّة الأولى بأنّ ليس هناك مسافة طويلة فاصلة عن التفاهمات المقبلة. ذلك أنّ الإدارة الأميركية تُدرك أنّ بقاء «الستاتيكو» المتفجّر يجب أن لا يطول، إن كانت هناك نية بتجنّب مزيد من الكوارث. وإلى تلك المرحلة ليس من المفيد الغرق في بعض المشاريع الصغيرة المتداولة في انتظار التحوّلات الكبرى التي سترسمها القمة الأميركية - الروسية المقبلة، وما يسبقها من تفاهمات أميركية - أوكرانية، وتلك الجارية بين واشنطن ومجموعة الدول العربية والخليجية حول الخطة العربية الخاصة بإعادة إعمار ومستقبل قطاع غزة، وقد بدأت بشائرها بالظهور.

theme::common.loader_icon