

لم تنتهِ الحرب الإسرائيلية على لبنان، وهي مستمرة بلا انقطاع لكن بوتيرة أخف منذ الاتفاق على وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، وقد جاءت أخيراً حادثة إطلاق «الصواريخ المجهولة» أو «اللقيطة» من شمال الليطاني في اتجاه مستعمرة المطلة، لتطرح علامات استفهام حول الهدف منها، في الوقت الذي لم تعلن بعد أي جهة مسؤوليّتها عنها.
وفي وقت لم تتكوّن بعد لدى الجهات المعنية الرسمية وغير الرسمية، أي رواية نهائية حول هذه الصواريخ التي تبيّن أنّها بدائية صنعاً واستعمالاً، وكل مؤشرات تدلّ إلى أنّ الأوضاع خطيرة على رغم من الاعتقاد بعدم حصول استئناف إسرائيلي للحرب بالمعنى الكلّي، وإنما اعتماد الاستئناف المجزأ او القصف المجزأ بوتيرة أكبر ممّا هي عليه الآن. وتقول أوساط نيابية، إنّه بعد أن نفى «حزب الله» أي علاقة له بهذه الصواريخ، وكذلك بعدما نفت الفصائل الفلسطينية التي عادة ما كانت تقوم بهذا النوع من العمليات من مثل ما سُمّي الصواريخ التي أُطلقت أيام «حرب الإسناد» من بلدة القليلة القريبة في منطقة صور، فإنّ الواضح أنّ المستفيد الأول من هذا الأمر هو إسرائيل الساعية إلى تصعيد الضغط على بيئة «حزب الله» وعلى السلطة اللبنانية الجديدة والبلد عموماً، في ظل الكلام الأميركي عن تطبيع بين لبنان وإسرائيل «صار احتمالاً حقيقياً»، بحسب الموفد الأميركي ويتكوف قبل أيام، وهو الأمر الذي قد يُعمل أميركياً وإسرائيلياً لفرضه بعد جولة جديدة من الحرب، قد يكون الردّ الإسرائيلي العنيف على تلك الصواريخ أول إرهاصاتها.
وفي انتظار ذلك، تقول الأوساط النيابية، إنّ إسرائيل ربما تكون أرادت من هذا الردّ الآتي:
- تثبيت المعادلات التي انطلقت منها بعد إعلان وقف إطلاق النار بدعم أميركي أعطاها حرّية الحركة في لبنان.
- حرف الأنظار عن الانقسامات والمشكلات الداخلية التي تواجه بنيامين نتنياهو وحكومته، ومنها المشكلة القضائية ومحاكمته في تهم الفساد، فضلاً عن تداعيات إقالته لرئيس جهاز «الشاباك» رونين بار، وتعثر قضية إطلاق الأسرى لدى «حماس» في قطاع غزة.
- تحويل اهتمام الرأي العام الإسرائيلي إلى الحرب مجدّداً، مع ما يرافقها من عوامل خارجية، وحرف أنظاره عن المواجهة مع نتنياهو وحكومته.
وتلفت الأوساط إلى أنّ «حزب الله» ينفي للمرّة الأولى علاقته بإطلاق مثل هذه الصواريخ وهو أمر لم يفعله سابقاً مع حوادث من هذا النوع. وتردّ الأوساط نفسها سبب هذا النفي أولاً، لأنّ أطلاق الصواريخ جاء في ظروف مختلفة عن السابق، واستدرج ردّة فعل إسرائيلية بلا ضوابط وبلا «قواعد اشتباك»، كتلك التي كانت قائمة قبل «حرب الإسناد». وثانياً، لأنّ لا مصلحة للحزب بهذا الأمر، خصوصاً أنّه أعلن الوقوف خلف الدولة لتتحمّل مسؤوليّتها لاستكمال الانسحاب الإسرائيلي وتنفيذ القرار الدولي الرقم 1701. وثالثاً، لأنّ ردّ الفعل الإسرائيلي كان عنيفاً جداً هذه المرّة، تمثل بشن 50 غارة جوية واسعة النطاق من الجنوب إلى البقاع وما بينهما، أوقعت شهداء وجرحى، تماماً كما كانت ردّة الفعل على الرصاصة الطائشة التي أصابت أخيراً سيارة في مستعمرة أفيفيم، وأوقعت شهداء وجرحى ودمّرت ممتلكات.
وفي هذا السياق، توقفت الأوساط النيابية عند السؤال الذي وجّهه النائب فؤاد مخزومي إلى الحكومة حول «الخطوات التي ستقوم بها للكشف عن هوية مطلقي الصواريخ، والجهة التي تقف وراءهم»، وكذلك سألها عن «الإجراءات التي ستتخذها في حق هؤلاء، لكي لا يبقى لبنان رهينة أفعالهم. إذ أنّه ليس من المسموح وضع ما جرى في خانة المجهول في ظل خطر تجدّد الحرب الإسرائيلية على لبنان». وقد ذكّر مخزومي الحكومة بأنّها «كانت قد أكّدت في بيانها الوزاري على تنفيذ ما ورد في خطاب القَسَم لرئيس الجمهورية حول حق الدولة في احتكار حمل السلاح، وأنّها تريد دولة تملك قرار الحرب والسلم، والتزمت بتعهداتها، لا سيما لجهة تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1701 كاملاً بلا اجتزاء أو انتقاء».
ولذلك، تؤكّد الأوساط أنّ ما ذهب إليه مخزومي هو في محله، لأنّ هذه «الحادثة الصاروخية» تهدّد فعلاً بتجدّد الحرب، ولذلك ينبغي أن تحضّ الحكومة على القيام بعمل جدّي وفاعل لكشف مطلقي الصواريخ. إذ على هوية هؤلاء يمكن البناء على الشيء مقتضاه ومعرفة مَن يدفع البلاد إلى حرب جديدة.







