أزمة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية: انتظار طويل لإنصافٍ مُؤجّل
أزمة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية: انتظار طويل لإنصافٍ مُؤجّل
اخبار مباشرة
الدكتورة فيكي تشابريان
Monday, 24-Mar-2025 05:48

تُعاني الجامعة اللبنانية، الصرح الأكاديمي الوطني الأكبر في لبنان، من أزمات بُنيَوية متشعّبة تُهدّد مكانتها ودورها كحاضنة للعلم والتنوير. لكن تبقى أزمة الأساتذة المتعاقدين واحدة من أبرز التحدّيات التي تستدعي حلولاً عاجلة، لا سيما بعد أكثر من عقد من الانتظار والمعاناة. إذ يُطالب هؤلاء الأساتذة بتثبيت حقوقهم وتحويل عقودهم الموقتة إلى عقود تفرّغ دائمة، في خطوة تُعتبر حجر الأساس لأي إصلاح حقيقي.

سنوات من العطاء من دون اعتراف:

منذ أكثر من 10 سنوات، يتحمّل الأساتذة المتعاقدون عبئاً غير مسبوق في ظل ظروفٍ اقتصادية وإدارية صعبة. فبينما تُدار الجامعة بموازنات هزيلة وتفتقر إلى أبسط مقوّمات الاستقرار، يظل هؤلاء الأساتذة يُقدِّمون دروس العلم بروحٍ وطنية استثنائية، ويُعوِّضون بالنقص الكبير في الكوادر الأكاديمية، ويحافظون على سَير العملية التعليمية على رغم من تدهور البنية التحتية وتراجع الرواتب. لقد تحوّلوا إلى عمودٍ فقري للجامعة، لكن من دون أن ينالوا الحقوق التي تكفل لهم الكرامة المهنية والاستقرار المادي.

 

بين الوعود والواقع: إصلاحٌ يبحث عن إرادة سياسية

على مدار السنوات الماضية، رُفعت الشعارات وتعدّدت الوعود الحكومية بمعالجة ملف التفرغ، خصوصاً في ظل خطابات رسمية تُؤكّد أولوية التعليم كرافعة للوطن. ففي كل مرّة تُشكَّل حكومة جديدة، يطفو الأمل بإقرار هذا الملف، لكنّه سرعان ما يُدفَن تحت أولويات السلطة المزعومة وتعقيدات المناكفات السياسية. وهكذا، يتحوّل الأساتذة إلى رهائن لصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بينما تتراكم عليهم أعباء الحياة في بلدٍ ينهار اقتصادياً.

 

العدالة ليست منّة... بل حقٌ مُكتسب

المطالبة بتثبيت المتعاقدين ليست مجرّد مسألة إدارية، بل هي قضية عدالة اجتماعية تُلامس جوهر مفهوم المواطنة. فكيف يُطلب من أستاذٍ أن يُكرّس حياته للتدريس والبحث العلمي من دون ضماناتٍ لمستقبله؟ وكيف تُبنى جامعات بلا كوادر مستقرة؟ إنّ إنصاف هؤلاء هو اعترافٌ بقيمة العلم والعاملين فيه، وخطوةٌ لإعادة الثقة بمؤسسةٍ كانت تاريخياً منارةً للتعددية والانفتاح.

 

الحكومة الجديدة... فرصة أخيرة؟

مع تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، يعود الأمل بإدراج ملف الجامعة اللبنانية والمتعاقدين في سلّم الأولويات. فالدولة مُطالبة اليوم بتحويل الشعارات إلى أفعال، عبر إقرار قانون تفرّغ يضمَن حقوق الأساتذة ويُعزّز استقرار الجامعة. فلا يُمكن تحقيق إصلاح تعليمي من دون إنهاء معاناة هؤلاء، الذين يمثلون ثلثَي الكادر التعليمي في بعض الكليات، وفقاً لتقارير نقابية.

 

الجامعة اللبنانية تستحق أكثر

ختاماً، إنّ إنقاذ الجامعة اللبنانية من الانهيار يتطلّب خطوات جريئة، بدءاً بإنصاف أساتذتها. فمن دون كادر أكاديمي مُستقرّ، لن تتمكن الجامعة من منافسة نظيراتها الإقليمية، أو تخريج أجيالٍ قادرة على مواجهة تحدّيات المستقبل. إنّها معركةٌ ضدّ الزمن، فكل يوم يمرّ يُعمِّق الجرح ويُبعد شعار «الجامعة بيت الوطن» عن واقعها. فهل تنجح هذه الحكومة في كسر حلقة الإهمال، أم ستُضيف إلى رصيد المتعاقدين سنواتٍ جديدة من الانتظار؟ الوقت ليس في صالح أحدٍ، والعدالة لا تحتمل التأجيل.

theme::common.loader_icon