

بطلة الفيلم الثاني لرونغانو نيون تحافظ على هدوئها حتى عندما تكشف أسراراً عائلية دفينة في زامبيا.
شولا، البطلة اليقظة في فيلم «عن التحوّل إلى طائر غينيا»، لا تبدو مهيّأة للإقدام على تصرّفات جريئة. فهي متحفّظة، وأحياناً إلى درجة التباعد الشديد، وتميل إلى الصمت التأملي. هناك نوع من الرشاقة المدهشة في تماسكها، لكن أيضاً مسحة من الحذر المتقن.
الشيء الوحيد الواضح بشأن شولا هو أنّها عادت أخيراً إلى منزلها العائلي المريح في الضواحي بزامبيا، وتُفضّل بوضوح أن تظل بعيدة من المشاكل. لكن عندما يؤدّي لغز ما إلى إعادة فتح جراح قديمة، ويتسبّب في مواجهة ثقافية مؤلمة، تجد شولا نفسها فجأة مضطرة إلى التدخّل في شؤون الجميع.
تبدأ هذه الأحداث عندما تكتشف جثة عمّها فريد ممدّدة على الطريق الذي تقود عليه ذات ليلة. في طريقها إلى المنزل بعد حفلة، كانت شولا (التي تجسّدها بمهارة مغناطيسية الممثلة الصاعدة سوزان تشاردي) ترتدي نظارات شمسية كبيرة وغطاء رأس فضياً لامعاً يشبه خوذة عسكرية قديمة مرصّعة بالجواهر. كانت تبدو ككائن فضائي ساحر، وهي كذلك بطريقة ما. وعندما تخرج من سيارتها لتنظر إلى الجثة، يظهر أنّها ترتدي بذلة سوداء فضفاضة تكاد تكون منتفخة، ربما كانت ستطفو بعيداً. وبالنظر إلى ما يحدث - والفتاة الغامضة التي تظهر للحظات بالقرب من الجثة - فليس من المستغرب أنّها لم تحاول الفرار.
رونغانو نيون، التي ولدت في زامبيا ونشأت في ويلز، تعرف جيداً كيف تخلق مشهد دخول قوياً، وكذلك تفعل شولا. إنّها شخصية رائعة، وبينما يشدّك حضورها منذ البداية، فإنّها تبقيك مشدوداً طوال الأحداث. قصّتها مليئة بالاكتشافات، سواء كانت بسيطة أو ضخمة، وتتخلّلها رؤى مزعجة وإحساس متزايد بالإلحاح. تحافظ شولا على هدوئها حتى تفقده، وبعد وقت قصير من عثورها على جثة فريد، تبدأ في مواجهة قوى مختلفة، من بينها عائلتها الكبيرة، معارفها، وإرث معقّد يُهدّد بابتلاعها بالكامل.
يؤدّي اكتشاف شولا لجثة فريد إلى سلسلة من اللقاءات التي تتراوح بين الكوميدية والمأساوية، في قصة متشابكة عن الأسرار العائلية، والأعراف الثقافية، والصدمات المتوارثة عبر الأجيال. إنّها قصة ثقيلة، ومؤلمة أحياناً، لكنّها ليست ساحقة بالكامل. تماماً مثل بطلتها، تحافظ نيون على مسافة مراقبة تحليلية إلى حدٍ ما - تتميّز حركة الكاميرا بالثبات والهدوء المناسبَين - بينما تتعقّد القصة وتظهر الأسرار المدفونة مع قيام العائلة بترتيب الأمور. وعلى رغم من تزايد الاضطرابات العاطفية، تظلّ شولا متماسكة، ممّا يُبقي المشاهد في حالة من الترقّب. يمنحك هذا مساحة للتنفّس والتفكير، لكنّ برود شولا يجعلك غير مستعد للحظة التي تتخلّى فيها عن تحفّظها.
يتركّز جزء كبير من فيلم «طائر غينيا» حول جنازة فريد، وهي مراسم معقّدة تختزل موضوعات القصة بسلاسة. بعد فترة وجيزة من عثور شولا على الجثة، تُنقَل إلى منزل العائلة، وسرعان ما يبدأ المُعَزّون بالتوافد. يصل بعضهم راكعين عند الباب في وضعيات التوسل، مردّدين أغنية «الموت يزحف إلينا». تهرب شولا لفترة وجيزة، لكنّ أقاربها يُجبرونها على العودة إلى المنزل، إذ تحوّل النساء المفجوعات المكان إلى ما يشبه خشبة المسرح. بعضهنّ يولولن بحماس استعراضي، بينما تتهامس أخريات لمشاركة المشروبات في الزوايا. وفي لحظة ما، تفصح ابنة عمّها نسانسا (إليزابيث تشيسيلا)، وهي امرأة صاخبة ومدمنة على الكحول، عن حقيقتها المؤلمة؛ وكذلك تفعل قريبتها الأخرى بوبي (إيستر سينجيني).
مع تطوّر الأحداث، تصبح مراسم الجنازة بمثابة فيلم داخل فيلم، إذ تقترب في بعض اللحظات من الواقعية الوثائقية. من خلال الطقوس والتجمّعات والانقسامات التي تحدث أثناء العزاء - مع تحالفات تُعقد، وشكاوى تُعبِّر عنها، وخلافات تُسوّى - تُعبِّر هذه المشاهد ببراعة عن تعقيدات شولا العائلية والثقافية والاجتماعية، بما في ذلك ما يجذبها إلى هذا العالم وما يثقل كاهلها.
في الداخل، تزدحم النساء في المطبخ لتحضير الطعام، ومن بينهنّ مَن يخدمن مجموعة من الرجال الجالسين في الخارج. وعندما تسأل شولا بعضهم عمّا يُريدون تناوله، تفعل ذلك وهي راكعة، في صدى لتصرّفات المعزّين المتوسّلين.
كما تفعل طوال الفيلم، لا تلجأ نيون إلى المبالغة في هذه المشاهد؛ فهي لا تحتاج إلى ذلك. بل تُعبّر عن كل شيء من خلال كل صورة صقلتها بعناية، ومن خلال كل صمت مليء بالمعاني، ومن خلال القوة الثابتة لنظرة شولا التي لا تتزعزع.








