إلى حاكم مصرف لبنان العتيد: إنفخ على اللبن
إلى حاكم مصرف لبنان العتيد: إنفخ على اللبن
اخبار مباشرة
  • 21:48
    ‎“خُلاصة "الجمهورية
  • 21:16
    هآرتس: الاستعدادات جارية لتنفيذ خطة رئيس الأركان الكبرى لشن هجوم بري واسع باستدعاء فرق عسكرية عدة بينها احتياط
  • 21:04
    "رويترز": وثيقة قضائية تفيد بأنّ رئيس بلدية إسطنبول المحتجز أكرم إمام أوغلو ينفي اتهامه بالفساد
  • 21:01
    وزارة الخارجية الاميركية: نعمل على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق للنار في غزة وبحث ما يجري هناك في ظل استمرار العنف
  • 20:58
    هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين: الضغط العسكري يعرض المختطفين للخطر ولا شيء أكثر إلحاحا من إعادتهم جميعا
  • 20:57
    حل مجلس نقابة المحامين في اسطنبول بتهمة "الدعاية الإرهابية"
  • 20:43
    الوطنية للاعلام: مقتل طفل واصابة شخصين اثر اشكال عائلي في بلدة القنبر تطور الى اطلاق نار
  • 20:27
    وزير الداخلية ناقش مع عبد الله التدابير حفاظا على الأمن والنظام
  • 20:10
    "نيويورك تايمز" عن مسؤول إسرائيلي مطلع: انتخاب ترمب منح نتنياهو ثقة أكبر لاتخاذ خطوات استفزازية بالداخل وفي غزة
  • 19:31
    أبرز الأخبار العالمية والمحلية
  • 19:06
    وزير خارجية إيران: ندعو إلى تحرك جماعي للدول الإسلامية والإقليمية لمنع تصاعد انعدام الأمن في عموم المنطقة
  • 18:59
    قوى الأمن: ضبط 1100 كلغ من حشيشة الكيف معدّة للتهريب عبر مرفأ بيروت
  • 18:56
    رسالة من المفتي قبلان الى رئيس الحكومة.. اليكم ما جاء فيها
  • 18:47
    نتنياهو: الحكومة ستقرر من سيكون رئيس الشاباك ولن تكون حرب أهلية
د. باتريك مارديني

مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق

Thursday, 20-Mar-2025 06:40
يبدو لمن يتابع المعركة المحتدمة حول حاكمية مصرف لبنان، أنّه ما أن يُعيَّن الحاكم الجديد حتى تنطلق إعادة هيكلة المصارف كحصان جامح، يعدو بسرعة البرق نحو خط النهاية. لكن هذا التصوّر يغفل أنّ السباق ليس مجرّد عَدْوٍ سريع قصير الأمد، بل ماراثون طويل يتطلّب توازنات دقيقة وحساباً محكماً لكل خطوة. فقد توّهمت جميع الحكومات، منذ حكومة الرئيس دياب وحتى اليوم، أنّ بإمكانها معالجة الأزمة بسرعة، فطال الانتظار، وتساقطت الحكومات، وبقيت الأزمة قائمة، بينما أضاع لبنان وقتاً ثميناً أدّى إلى انهيار شامل في مختلف القطاعات.

وقد تسبّب التأخّر في معالجة الأزمة المصرفية، نتيجة الجدل حول توزيع الخسائر، في 5 سنوات عجاف أفقدت المودعين جزءاً أكبر من أموالهم، وأوقفت المصارف عن منح القروض وتمويل الاقتصاد. ونتيجة لذلك، تراجع الإنتاج المحلي بشكل كبير منذ العام 2019، وأغلقت الشركات أبوابها وسرّحت موظفيها، وانخفض الدخل الفردي من 700 دولار شهرياً إلى نحو 445 دولاراً، ما عكس تدهوراً خطيراً في مستوى المعيشة. وحاول المصرف المركزي تليير الخسائر، أي معالجة الأزمة المصرفية عبر السياسة النقدية، فأدّى ذلك إلى فقدان الليرة اللبنانية 98% من قيمتها، وتسبّب في تضخّم حاد وانهيار القدرة الشرائية وزيادة معدّلات الفقر.

 

وتشتد اليوم معركة الحاكمية بين طرفَين: الأول متّسق مع مطالب صندوق النقد الدولي، يعترف بوجود خسائر في القطاع المصرفي لا يمكن تعويضها ولا يرى بديلاً من شطب المصارف وتطبيق «هيركات» على الودائع لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد. أمّا الثاني، فمقتنع بأنّ المشكلة تكمن في مصرف لبنان أولاً، والحكومة ثانياً، وليس في المصارف. إذ يكفي أن يُعيد مصرف لبنان الأموال التي أودعتها المصارف لديه لمعالجة المشكلة من دون الحاجة إلى شطب مصارف أو ودائع. وإذا كان منطق الطرف الأول أكثر واقعية من حيث تقدير حجم الخسائر وتجانسه مع المطالب الإصلاحية للمجتمع الدولي، فإنّ منطق الطرف الثاني أكثر شعبية، إذ يمنح المودعين أملاً باستعادة أموالهم ويُبعد عن النواب والحكومة والعهد مرارة تحمّل كأس «الهيركات». وبين مطرقة الشطب التي يرفعها الطرح الأول وسندان أماني استعادة الودائع التي يُروِّج لها الحل الثاني، يعود خطر تحميل المواطن اللبناني ثمن الوقت الضائع من جديد.

 

والحقيقة أنّه لا يمكن لأي طرف أن يكسر الآخر، فالمُضيّ في الشطب لن يمرّ شعبياً ونيابياً، وتحميل الحكومة ومصرف لبنان وحدهما وزر الودائع غير واقعي ولن يحظى بقبول دولي. وهذا يعني أنّ الوقت سيظلّ يمتد حتى يُدرك الجميع حتمية التوصّل إلى حل وسط قد يتبدّل شكله مع تطوّر التوازنات.

 

لذا، وبدلاً من الانشغال بالتكهّنات حول طبيعة الحل النهائي لقضية الودائع، أي «مَن سيحصل على ماذا وكَم»، اختار «المعهد اللبناني لدراسات السوق التركيز» خطوات عملية تحدّ من تكلفة الوقت الضائع وتُخفِّف من وطأة الانهيار ريثما يتمّ التوصّل إلى اتفاق.

 

ولذلك، اقترحنا سابقاً - ونقترح اليوم - على الحاكم المرتقب لمصرف لبنان أن «ينفخ على اللبن» قبل أن يَكويه حليب الوقت، أي أن يتخذ التدابير الاحترازية التالية لضمان عدم دفع لبنان المزيد من الأثمان في حال تأخّرت إعادة الهيكلة.

 

أولاً، فصل السياسة النقدية عن الأزمة المصرفية، أي الاستمرار في إعطاء الأولوية القصوى لاستقرار سعر الصرف من خلال الامتناع عن تمويل الدولة اللبنانية بالليرة أو بالدولار وعبر ضخ الليرة وسحبها من خلال عمليات القطع على سعر صرف ثابت (حوالى 89500). وقد أثمرت هذه السياسة في زيادة الاحتياطي لدى المصرف المركزي من 8,8 مليارات دولار في تشرين الأول 2023 إلى نحو 10,5 مليارات دولار اليوم، على رغم من اندلاع حرب الإسناد، بمعدّل نمو سنوي يبلغ 1,3 مليار دولار مرشح للارتفاع مع الجو الإيجابي السائد حالياً. كما ساهمت هذه السياسة في ضبط الوضع المالي للخزينة، إذ حققت الموازنة فائضاً في العام 2024 لأول مرّة منذ عقود في ظل غياب القدرة على الاقتراض.

 

ثانياً، إعادة المصارف إلى العمل ومنحها كافة الضمانات التي تتيح لها استئناف عملية الإقراض وتمويل الاقتصاد اللبناني ريثما يتمّ التوافق على صيغة إعادة الهيكلة التي قد تطول.

 

كما ينبغي تقديم التزامات واضحة وصريحة لمودعي الحسابات «الفريش» تكفل استعادة أموالهم في حال إقفال المصرف أو دمجه عند إعادة الهيكلة. ويُتيح هذا التدبير عودة المصارف إلى نشاطها ويساعدها في تحقيق أرباح تُسهم في تعزيز قدرتها على سداد قسم أكبر من الودائع حتى التوصّل إلى الاتفاق النهائي. ويُحسِّن هذا الإجراء من نِسَب استرداد الودائع ويُطلق عجلة النمو الاقتصادي. وفي الوقت عينه، يمكن السماح لمصارف جديدة بالدخول إلى السوق اللبناني إلى جانب المصارف القائمة لتنشيط القطاع.

 

ثالثاً، الفصل بين سندات الـ«يوروبوندز» التي يحملها مصرف لبنان وسندات الـ«يوروبوندز» في الأسواق المالية، والعمل مع الحكومة على الاستفادة من الفائض الذي حققته موازنة 2024 لسداد سندات «اليوروبوندز» التي يحملها مصرف لبنان، والتي تبلغ قيمتها الاسمية 5,8 مليارات دولار، في حين انخفضت قيمتها السوقية إلى 985 مليون دولار بنهاية شباط 2025. ويُعزّز سداد هذه السندات عبر حساب الحكومة اللبنانية لدى المصرف المركزي سيولة الأخير، كما يُخفّف من ديون الدولة ولا يستلزم خروج الدولارات من احتياطي مصرف لبنان. كما أنّ إطفاء هذه الديون لا يتطلّب المفاضلة بين إيفاء سندات الـ»يوروبوندز» أو استخدامها لسداد جزء من الودائع، إذ يمكن لمصرف لبنان، على سبيل المثال، التعهّد باستخدام هذه الأموال لإيفاء جزء من ديونه للمصارف، بشرط إلزام المصارف بتحويلها إلى المودعين، فيكون قد أصاب عصفوري الـ«يوروبوندز» والودائع بحجر واحد.

 

واليوم، يندفع طرفا معركة الحاكمية بكل ما أوتيا من قوة في حرب ضروس يُستخدم فيها سلاح الدعاوى القضائية والتشهير والقدح والذم والتراشق الإعلامي، بهدف التأثير على قرار رئيس الجمهورية صاحب الكلمة الفصل الأخيرة في اختيار الحاكم العتيد. ومع ذلك، وحتى بعد تسمية الحاكم، لن تُنفّذ إعادة الهيكلة بالسرعة المطلوبة، وسيظل عامل الوقت يطارد الحاكم الجديد بصمت، يتسرّب من بين يدَيه، بينما ينشغل طرفا النزاع بمقارعة بعضهما بعضاً. وهكذا، بدلاً من الوصول إلى الحل الذي يرجوه كل طرف، قد يجد لبنان نفسه يلهث خلف سنوات ضائعة من جديد، تماماً كمن بنى سفينة عظيمة، لكنّه أدرك متأخّراً أنّ المَدّ قد جرف الميناء بعيداً.

theme::common.loader_icon