

كوميديا ساخرة خفيفة وسوريالية تتخيّل المدينة الكندية المليئة بالثلوج بأسلوب الموجة الجديدة للسينما الإيرانية.
النكات التي أستمتع بها أكثر هي تلك التي تستهدف فئة محدّدة جداً من الناس الذين يشتركون في مجموعة مرجعية فريدة من نوعها. بالطبع، الكوميديا التي تُرضي الجميع ممتعة، لكن عندما تشعر أنّ شيئاً ما مُضحك لأنّه صُنع لك خصيصاً، فهذا يعني أنّ هناك آخرين مثلك أيضاً - وهذا أحد أروع المشاعر التي يمكن أن تثيرها الفنون.
«اللغة العالمية»، من إخراج ماثيو رانكين، هو فيلم كوميدي صغير يتمتع بخفة ظل مؤثرة ولمسة سوريالية طفيفة، ويستهدف فئتَين من الجمهور: الكنديّين، وخصوصاً أولئك الذين يعرفون وينيبيغ، ومحبّي السينما الإيرانية. لا شك أنّ هناك تداخلاً بين هاتَين الفئتَين في مخطّط فين، لكنّه ليس واسعاً على الأرجح. غير أنّ الجمع بين هاتَين الثقافتَين المختلفتَين ينتج شيئاً منعشاً، غريباً، وممتعاً للمشاهدة - حتى لو لم تكن خبيراً في أي منهما، مثلي.
قبل أن يبدأ الفيلم، يظهر نص على الشاشة يعلن: «تقديم من معهد وينيبيغ لتنمية الفكر لدى الأطفال والشباب». لا وجود لمثل هذا المعهد في الواقع: إنّها إشارة ذكية لعشاق السينما، الذين قد يعرفون أنّ معهداً مشابهاً - «معهد تنمية الفكر للأطفال والشباب» - كان قد أنتج بعضاً من كلاسيكيات السينما الإيرانية في السبعينات والثمانينات، بما في ذلك بعض أفلام الأطفال المبكرة للمخرج الشهير عباس كيارستمي. حتى أنّ رانكين يستخدم شعاراً لمعهده الوهمي يُشبه بشكل مريب الشعار الإيراني الأصلي.
في الواقع، كان النص الظاهر على الشاشة مكتوباً بالفارسية، وكان يجب أن أقرأه في الترجمة الإنكليزية، ممّا شكّل مفاجأة غير متوقعة لمؤسسة يُفترض أنّ مقرّها وينيبيغ. وهي الإشارة الأولى إلى أنّ الفيلم لا يدور في عالم مطابق لعالمنا. ففي السيناريو الذي كتبه رانكين إلى جانب إيلا فيروزآبادي وبيروز نعمة، يتبنّون تجربة فكرية: ماذا لو كانت طهران هي وينيبيغ؟ أو كانت وينيبيغ هي طهران؟ ماذا لو كانت المناظر الطبيعية مغطاة بالثلوج، وكانت مقاهي «تيم هورتنز» هي بيوت شاي، وكان الجميع يتحدّثون الفارسية؟
من الناحية الفنية، يتحدّثون الفارسية والفرنسية - فهذا لا يزال كندا في نهاية المطاف. لا يوجد تفسير لهذا الواقع التاريخي البديل: بل هو مجرّد كندا عادية لكن بتقاليد ثقافية إيرانية متجذّرة في نسيجها الاجتماعي لسبب ما.
في الحقيقة، المشهد الأول يَدور في مدرسة لغات تُركّز على الغمر في اللغة الفرنسية، مليئة بالأطفال المشاغبين، بما في ذلك طفل متنكّر في هيئة غروتشو ماركس (بما في ذلك السيغار)، وآخر يُدعى أميد (يلعب دوره صبحان جوادي)، الذي يُصرّ على أنّ ديكاً رومياً سرق نظارته. المعلم العصبي (ماني سليمانلو) يُوَبّخ الأطفال لأنّهم «حتى لا يملكون لياقة إساءة التصرّف بالفرنسية»، ويعلن أنّه لن يكون هناك أي دروس حتى يستعيد أميد نظارته.
«ديك رومي سرق نظارتي» هو نوع العبارات التي قد يختلقها طفل فقط إذا كانت الديوك الرومية تتجوّل في أنحاء المدينة، وبالفعل، فإنّ وينيبيغ هذه مهووسة بالديوك الرومية.
في مقهى «تيم هورتنز» (حيث الكلمة مكتوبة بالفارسية في إحدى لقطات الفيلم الكوميدية البصرية)، يجلس رجال كبار في السن يتحدّثون طوال اليوم عن ديوكهم الرومية، وعن الديوك التي فقدوها، وعن مجد ديوكهم الرومية الجميلة. ربما يكون الطقس الثلجي المستمر السبب، لكن يبدو أنّ الجميع حزين على شيء ما - فهناك «مستودع كلينيكس» في المدينة لتوفير المناديل للجميع، وباحث متخصِّص في دراسة الدموع يُقيم في المقبرة، التي تقع بين مجموعة من الطرق السريعة.
تتنقل شخصيات أخرى عبر القصة، التي صُوِّرت بأسلوب غني بالقوام البصري لمحاكاة أفلام الموجة الجديدة الإيرانية - أي أنّ وينيبيغ هنا تشبه طهران، حوالى عام 1970. هناك مرشد سياحي (بيروز نعمة) يبدو وكأنّه خدع بعض السيّاح النادرين في وينيبيغ لمرافقته في جولة لرؤية المعالم المثيرة للاهتمام، وكلها أماكن عادية تماماً، مثل موقع «حادثة الركن الموازي العظيمة لعام 1958»، أو المكان المُدرج في قائمة اليونيسكو حيث ترك شخص ما حقيبة في موقف الحافلات ولم يحرّكها أحد منذ سنوات، ولم يحاول حتى فتحها. يقول المرشد لمجموعته: «الحقيبة المنسية ومقعدها» هما «نصب تذكاري للتضامن البشري المطلق، حتى في أبسط صوره وأكثرها تفاهة».
في حبكة صغيرة أخرى، تكتشف فتاتان (روجينا إسماعيلي وصبا وحديوصفي) ورقة نقدية بقيمة 500 ريال (يبدو أنّ الكلمة تحاكي الريال الإيراني) مجمّدة في الجليد، وتدركان أنّها قد تكون الحل لكل مشاكلهما: إذا تمكنتا من استخراجها، فيمكنهما شراء نظارات لأميد، وبذلك يعود الطلاب إلى المدرسة. لكنّهما تحتاجان إلى فأس. أين يمكن العثور على فأس؟
هناك أيضاً شخص يُدعى ماثيو رانكين، يلعب دوره (كما هو متوقع) رانكين نفسه، وهو موظف بيروقراطي ممل ترك وظيفته في مونتريال. يؤكّد لرئيسه الجغرافي غير المتمكن أنّ «هذه كانت بلا شك أكثر تجربة حيادية في حياتي». يستقلّ حافلة متّجهة إلى وينيبيغ، حيث والدته مريضة؛ ومن بين الركاب الآخرين في الحافلة المعلّم نفسه وديك رومي فاز بمسابقة جمال. عندما يصل رانكين إلى وينيبيغ، يبدأ في الاشتباه بأنّ الرجل الذي يُجيب على هاتف والدته قد يكون قد استولى بالفعل على دوره كإبنها.






.jpg?w=260&h=190&fit=crop)
