

لم يكن مقنعاً أن تعكس عملية تجميد إقلاع إحدى طائرات شركة «ماهان إير» التي يمتلكها الحرس الثوري الإيراني من مطار الإمام الخميني في طهران في اتجاه بيروت ما استجرّته من ردّات فعل كادت تودي بما تحقق من أمن في المطار وعلى طريقه في أشهر الحرب الـ13، إن احتُسبت هذه المهلة من تاريخ إطلاق حرب «الإلهاء والإسناد» في 8 تشرين الأول 2023 وصولاً إلى تفاهم 27 تشرين الثاني 2024. ولم يكن مقنعاً أيضاً الحديث عن حجم التهديدات الإسرائيلية بقصف المطار وتعطيله وإبقائها محصورة بمنع رحلة طيران، وما تلاها من رحلة أخرى كانت في طريقها إلى بيروت في اليوم التالي من دون أن تحظى بأي إشارة رسمية من البلدَين.
وعليه، قالت مصادر أمنية وديبلوماسية تواكب الاتصالات الجارية وتشارك في جوانب منها، إنّ قرار لبنان بتجميد حركة الطيران بين طهران وبيروت لم يكن بمبادرة من طرف واحد، لا بل فقد شكّلت رداً على قرار إيراني مشابه صدر عندما رفضت إيران إعطاء الإذن لطائرتَي «الميدل إيست» اللتَين خصّصتهما الدولة اللبنانية لنقل اللبنانيّين المحتجزين في طهران في الساعات القليلة التي تلت الحادث الأول الخميس الماضي. فطهران هي التي رفضت توجّه أي طائرة من بيروت إلى طهران بأي مهمّة لها قبل أن يُسمح لطائراتها بالعودة إليها، لتتساوى المعاملة بين الشركتَين ومن الطرفَين.
ولمّا لم تحقق المفاوضات الجارية منذ 4 أيام على المستويَين الإداري والديبلوماسي بين البلدَين أي خطوة إيجابية تطوي الجانب الإنساني من القضية المتصلة بمصير لبنانيّين طالت إقامتهم بلا هدف في إيران لأسباب لم تتضح بعد، فقد اضطرّ لبنان أمس وفي حصيلة الاجتماع الذي عُقِد في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وحضور رئيس الحكومة نواف سلام والوزراء المعنيِّين بالأزمة من جوانبها الأمنية والديبلوماسية والإدارية، إلى تمديد قرار تجميد حركة الطيران المتبادلة بين البلدَين، قبل ساعات قليلة من نهاية المهلة الأولى التي كان من المفترض أن تنتهي اليوم إلى وقتٍ لم يُحدَّد. وباتت العودة عن هذه الخطوة السلبية رهناً بأي تطوّر إيجابي يمكن أن تقود إليه المساعي الديبلوماسية الجارية. ذلك أنّ ما نقلته وزارة الخارجية الإيرانية في بيانها صباح أمس عن وزير الخارجية عباس عراقجي من كلام «جميل» عند توصيفه لحصيلة اتصالاته بنظيره اللبناني يوسف رجي بقوله إنّها «محادثات جيّدة» ليس دقيقاً على الإطلاق. لا بل فإنّها لم تؤدِّ إلى أي خطوة إيجابية لمجرّد احتفاظ الجانب الإيراني بموقفه المتشدّد من أزمة الرحلات الجوية بين البلدَين. وكذلك فإنّ الإشارة في البيان إلى «حرص إيران على عدم وجود أو تدخّل أي فريق ثالث في العلاقات بين إيران ولبنان» أدّى إلى تعطيل المبادرة العراقية التي رغبت بترتيب الوضع بينهما لتسوية أزمة اللبنانيّين الإنسانية وتأمين عودتهم إلى بلدهم إلى أن تأخذ الاتصالات مداها على المسارات الأخرى الهادفة إلى أي حَلّ يُرضي الطرفَين.
وعليه، لا تُخفي المصادر الديبلوماسية عينها قلقها من إمكان تزايد الضغوط الأميركية والإسرائيلية على لبنان التي من شأنها - إن رُبِطت بمجريات العمليات العسكرية وما يتصل بمضمون اتفاق 27 تشرين الثاني الماضي – أن تتزايد إلى أن تدفع إلى مزيد من التأزّم في الداخل اللبناني تحقيقاً لرغبات إسرائيلية بالدرجة الأولى وإرضاءً لأطراف داخلية لا تنمو سوى على مزيد من التهديدات الإسرائيلية بمعزل عن انعكاساتها على بقية اللبنانيّين، وخصوصاً أنّها فئة لا تُريد أن تعترف بنتائج الحرب على الحزب ولبنان وحجم السيطرة الإسرائيلية على مناطقه ومنشآته الحيَوية كافة. وقد تصل الأمور إلى ما تُريده واشنطن وتل أبيب إن قُطِعت العلاقات بين لبنان وإيران، لتزداد انعكاساتها السلبية على فئة لبنانية كبيرة قد تدفعها إلى مزيد من الخطوات التي تُهدّد الأمن والاستقرار في الداخل لتلمّسها ضرراً كبيراً قد يَلحق بها من أي تطوّر سلبي على مسار العلاقات بين البلدَين.
ولذلك، لا ترى المراجع حرَجاً في الاعتراف بأنّ واشنطن وتل أبيب مستعدتان لممارسة أقسى الضغوط على لبنان وأي طرف آخر يمكن أن يسانده، بهدف إبعاد إيران عن لبنان في اعتباره آخر بقعة لها في المنطقة وليتساوى وجودها فيه بما حَلّ بها على مستوى وجودها السياسي والديبلوماسي في سوريا الذي انعدم إلى مرحلة الصفر، وهي معادلة يتقدّم الحديث عنها يوماً بعد يوم. ولذلك، فإنّ ما جرى على طريق المطار ومناطق حساسة أخرى في وسط بيروت لا يعدو كونه محاولة لإعطاء ما جرى على مستوى حركة الطيران بين البلدَين أبعاداً لبنانية بحتة. وهي محاولة تُعتبَر «سخيفة» و«تافهة» أمام ما يمكن أن تؤدّي إليه الأزمة إن كان الهدف من تطوّرها إبعاد إيران عن شرق المتوسط ودوله، قبل المباشرة بأي مفاوضات تطاول ملفّها النووي، وهي عملية تلقى تأييداً عربياً وغربياً أياً كانت انعكاساتها السلبية على الساحة اللبنانية فهي لا تتساوى مع حجم مصالحها المحققة.
وتنتهي المصادر عينها إلى القول إنّ ما يَجري في لبنان قد يكون مؤذِياً جداً في بداية عهد رئاسي جديد لطالما تمناه اللبنانيّون، وقد تتجاوز سلبياته ما تحقق على مستوى إنهاء الفراغ الرئاسي وتشكيل حكومة كاملة المواصفات الدستورية ليكون حاضراً عند تقاسم النفوذ وتوزيع المغانم في المنطقة فلا تتجاوزه التطوّرات وتُفقِده حقوقه من كعكة الإنماء والإعمار في المنطقة بدلاً من أن تستمر حال المراوحة على ما هي ولا يصل اللبنانيّون إلى ما يتمنونه من ورشة الإصلاحات والإنماء والتعافي الإقتصادي والنقدي.







