رسالة "الأونروا" الأخيرة إلى الفلسطينيين: تصحيح بيانات أو توطين مقنّع؟
رسالة "الأونروا" الأخيرة إلى الفلسطينيين: تصحيح بيانات أو توطين مقنّع؟
جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة
Monday, 27-Jan-2025 06:52

كتبت فلسطينية متزوجة من لبناني وتعيش في بيروت، معلّقة على رسالة صادرة عن وكالة "الاونروا" أخيراً، تدعو جميع الفلسطينيين إلى التسجيل في منصة رقمية جديدة، بذريعة تنظيم الأرشيف وتحسين عملية تقديم المساعدات. وأضافت "إنّ هذه الخطوة أثارت لديّ الكثير من التساؤلات والريبة، خصوصاً أنني استذكر الفترة بين عامي 2020 و 2022 حينما قامت الوكالة عينها باستبعاد الفلسطينيات المتزوجات من غير الفلسطينيين وأولادهن من تلقّي المساعدات التي اقتصرت حينها على الرجال الفلسطينيين. وما يزيد من استغرابي، أنّ هذه الدعوة تأتي في وقت تعاني "الاونروا" من أزمة مالية خانقة مع تقلّص في الخدمات، وتأثير ذلك على عودة التلامذة إلى المدارس في بعض المناطق". وتخلص السيدة الفلسطينية إلى القول: "يبدو أنّ هذا الإجراء لا يتماشى مع تصريحات الوكالة عن العجز المالي، مما يطرح أسئلة مشروعة حول الغاية الحقيقية من هذه الخطوة، وما قد يكمن خلفها".

ما هو دافع "الأونروا" إلى تسجيل رقمي جديد في لبنان، على ما أشارت السيدة الفلسطينية في مدونة لها؟ هل هو خطوة لتعزيز أعداد اللاجئين الفلسطينيين او مجرد تحديث بيانات؟ حتى الساعة لا جواب واضحاً عن هذا السؤال المشروع، الذي فتح الباب أمام تكهنات وتحليلات تتعلق بإعادة فتح باب التسجيل يومي 21 و 22 كانون الثاني 2025، وشموله جميع اللاجئين بمن فيهم اللاجئات الفلسطينيات المتزوجات من غير فلسطينيين، وهي فئة كانت مهمشة سابقاً ومنحاة تقريباً عن برامج وكالة غوث اللاجئين.

والغريب أنّ هذا الإعلان يأتي في خضم تناقضات كبيرة في الإحصاءات المتصلة بأعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. في آخر تقرير لـ"الاونروا" صادر عنها العام 2023 قُدّر عدد اللاجئين المسجّلين بـ 250 الفاً، في حين أشارت لجنة الحوار اللبناني ‐ الفلسطيني إلى 174 الف لاجئ في العام 2017، خلافاً لتقديرات سابقة ذكرت أنّ العدد لا يتجاوز 45 ألفاً. مع الإشارة إلى أنّ أعداد الفلسطينيين تناقصت بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان العام 1982، وما تلى هذا العام، وبلغت أوجها مع "إتفاق اوسلو" وقيام السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وعاصمتها الإدارية في "رام الله". علماً أنّ العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين في لبنان والمسجلين في القيودات الورقية لدى "الاونروا" في بيروت هو 493,201 شخص. والسؤال المطروح: هل تنوي وكالة الغوث إعادة تسجيل وتثبيت تسجيل من غادر من اللاجئين ليستقر رقم المستفيدين من خدماتها متطابقاً مع العدد المثبت في القيودات الورقية، ولأي غاية؟

يقول مرجع متابع لهذا الملف، إنه في ظل وجود ثلاثة مخيمات فلسطينية و13 تجمعاً ضمن نطاق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 تبقى مسألة التسجيل الرقمي موضع جدل. فهل هذا الإجراء هو لتعزيز ما يُطلق عليه باللغة الديبلوماسية "القوة التفاوضية" للاجئين الفلسطينيين في لبنان، أو أنّه مجرد إجراء تقني لتحسين توزيع المساعدات؟

على أنّ مصادر فلسطينية مطلعة تشير إلى أنّ التحقق الرقمي يتميز بتدابير صارمة لضمان الخصوصية، حيث شكّلت "الأونروا" فريقاً من موظفات للتعامل مع اللاجئات أثناء عمليات التحقق. لكن يبقى التساؤل قائماً حول مدى فاعلية النظام في مواجهة تعقيدات الواقع الفلسطيني في لبنان، وبين تضارب الأرقام وفتح الباب أمام فئات جديدة: هل تتحول الأرقام أداة سياسية أو أنّ "الأونروا" تسعى فقط لتنظيم بياناتها؟ خطوة "منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين" أثارت مخاوف جهات سياسية لبنانية من وجود قطبة مخفية تبيت اتجاهات توطينية بدعم دولي من الولايات المتحدة الاميركية، بريطانيا، ومساندة إسرائيلية واضحة، وإذا ما جرت متابعة دقيقة لطريقة تعامل تل أبيب الموغلة في عنفها الذي قلّ نظيره في غزة والضفة الغربية، يتبين أنّ الهدف هو القيام بـ" ترانسفير" فلسطيني في اتجاه الاردن ومصر، وليس مستبعداً أن يُستتبع ذلك بـ"ترانسفير" آخر يشمل عرب الـ48. وهكذا يسقط تلقائياً قرار العودة الرقم 194. فما يثير الريبة: كيف أنّ "الأونروا" كسرت يدها و"شحدت عليها" وتباكت من ضيق ذات اليد وعدم القدرة على الإحاطة بالحدّ الأدنى من الأعباء المترتبة عليها، توفّر لديها فائض من المال للتوسع في خدماتها لتشمل نصف مليون فلسطيني توافرت لهم الاعتمادات، على رغم من أنّ معظم القيودات هي على ورق؟ وما هي أسباب شمول المساعدات لفئات لم تكن مدرجة في لوائح المستفيدين؟ صحيحٌ أنّ هذا الموضوع يدعو إلى التساؤل، ويحتمل تفسيرات شتى، ولا يمكن إنكار مدى ما ينطوي عليه من خطر.

قد لا تكون هناك أجوبة حاسمة. كله يدخل في سياق التخمين، لكن الأيام المقبلة كفيلة بالكشف عن النيات الحقيقية لهذه الخطوة. من دون إغفال ما أدلى به رئيس المفوضية السامية للاجئين التابعة للامم المتحدة فيليبو غراندي من تصريحات مخيبة للجانب اللبناني خلال زيارته الأخيرة لبيروت، حول عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وتعداده العراقيل والمعوقات التي تحول دون عودة قريبة لهم إلى وطنهم الأم، بعد زوال الأسباب السياسية التي كان المجتمع الدولي يتذرّع بها لتبرير عدم اعادتهم إلى بلدهم، وذلك على الرغم من الموقف الصارم والواضح لرئيس الجمهورية جوزاف عون بوجوب إعادة هؤلاء النازحين من حيث أتوا في أسرع وقت. إنّ خطر تحول اللجوء إلى توطين شرعي غير مقّنع كما هي الحال راهناً، والنزوح إلى استيطان قسري، يبقي لبنان في دائرة الخطر، والتبدّل الديموغرافي، والتصدّع الاجتماعي. وهذا ما ينبغي التنبّه له ولما يمكن أن ينتج منه من تداعيات. وإنّ كلام الرئيس عون أمام غراندي، وإشارته في خطاب القَسَم إلى مبادرة السلام العربية في قمة بيروت 27 آذار 2002 التي تتضمن الإصرار على حق العودة، هو التزام بحق لبنان في الدفاع عن مصالحه الاستراتيجية والحيوية وهويته الوطنية. وإنّ قضية اللاجئين والنازحين هي في مقدّم التحدّيات الواجب مواجهتها بحزم.

theme::common.loader_icon