عنف مع انتهاء المهلة للانسحاب الإسرائيلي من لبنان
عنف مع انتهاء المهلة للانسحاب الإسرائيلي من لبنان
كريستينا غولدباوم وإيوان وارد- نيويورك تايمز
Monday, 27-Jan-2025 06:34

بدت اتفاقيات وقف إطلاق النار في لبنان وغزة أكثر هشاشة يوم أمس، بعدما بقِيَت القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان متجاوزة المهلة المحدّدة بـ60 يوماً لانسحاب كل من «حزب الله» وإسرائيل، وأعلنت إسرائيل أنّ «حماس» انتهكت شروط الهدنة في غزة.

في لبنان، قُتل ما لا يقل عن 15 شخصاً وأصيب أكثر من 80 آخرين برصاص القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان، وفقاً لمسؤولين لبنانيّين أمس، بينما اندفعت آلاف العائلات اللبنانية النازحة بسبب الحرب نحو الطرق المؤدّية جنوباً للعودة إلى منازلها. وذكرت وزارة الصحة اللبنانية أنّ القتلى والجرحى كانوا يحاولون دخول قراهم على طول الحدود عندما تعرّضوا إلى هجوم من القوات الإسرائيلية.

تنصّ اتفاقية وقف إطلاق النار، التي وُقّعت في تشرين الثاني، ووضعت حداً لأعنف حرب في عقود بين إسرائيل و«حزب الله»، على انسحاب الطرفَين، على أن يُنشر الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لتأمين المنطقة. كان المفاوضون يأملون أن تصبح هذه الاتفاقية دائمة، لتعيد بعض الاستقرار إلى منطقة مضطربة. لكن مع مرور المهلة يوم الأحد، فشلت القوات الإسرائيلية في الانسحاب، ممّا أثار مخاوف من احتلال إسرائيلي مستمر وتجدّد الأعمال العدائية بين إسرائيل و«حزب الله».

أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أنّه أطلق «أعيِرة تحذيرية» بعد ما وصفه بـ»الاشتباه في اقتراب أشخاص من قواته». وأضاف أنّه اعتقل عدداً غير محدّد من الأشخاص ويجري الآن استجوابهم في الموقع.

في غزة، منعت القوات الإسرائيلية الفلسطينيّين من العودة إلى منازلهم في شمال قطاع غزة أمس، وأوضحت إسرائيل أنّ «حماس» انتهكت شروط اتفاقية وقف إطلاق النار التي دخلت حيّز التنفيذ قبل أسبوع. واتهمت «حماس» إسرائيل بالمماطلة.

وأعلن أفيخاي أدرعي، المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي صباح أمس: «في المستقبل القريب، سنستمر في إبلاغكم بالأماكن التي يمكنكم العودة إليها. وحتى إشعار آخر، تبقى جميع التعليمات التي نُشرت سابقاً سارية المفعول».

ودعت بعض بلدات الجنوب سكانها للتجمّع صباح أمس والتوجّه إلى منازلهم في قافلة، على رغم من تحذيرات إسرائيل. وذكر الجيش اللبناني أنّه كان يرافق المدنيّين العائدين إلى بلدات حدودية عدة لضمان سلامتهم. وأعلن الجيش في بيان أنّ أحد جنوده كان مِن بَين الذين قُتِلوا بنيران إسرائيلية.

كان هذا أحد أكثر الأيام دموية في لبنان منذ دخول اتفاقية وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ.

في بلدة عيتا الشعب الجنوبية، التي تحوّلت أجزاء كبيرة منها إلى أنقاض، بدأ الكثيرون بالعودة إلى منازلهم أمس، ليجدوا الشوارع مغطاة بالركام والمباني مدمّرة.

كان محمد سرور، رئيس بلدية البلدة، من بين العائدين بعد نزوح دام أكثر من عام. وأكّد أنّ الجنود الإسرائيليّين لم ينسحبوا بالكامل من البلدة بعد، وزعم أنّهم كانوا يُطلقون النار بشكل متقطّع على المدنيّين. ولم يُمكن التحقق من هذه المزاعم بشكل مستقل. ومع ذلك، ظل سرور ثابتاً في موقفه: «اليوم، تحتفل عيتا بالعودة المنتظرة منذ فترة طويلة. المنازل مدمّرة وسبُل العيش ذهبت، لكنّ إرادتنا في الحياة أقوى. سنبني من جديد».

في الأيام الأخيرة، استشهد المسؤولون الإسرائيليّون بمخاوف من أنّ «حزب الله» لا يزال نشطاً في جنوب لبنان، وشكوك في قدرة الجيش اللبناني على كبح جماح الحزب.

ولم يمكن التحقق من هذه المزاعم بشكل مستقل، ولم تُصدِر اللجنة المكوّنة من 5 أعضاء وتُشرف على تنفيذ وقف إطلاق النار، أي معلومات علنية بشأن التزام «حزب الله» بشروط الهدنة.

تمثل الحالة اختباراً للقيادة اللبنانية الجديدة، الرئيس جوزاف عون ورئيس الوزراء المكلّف نواف سلام، وهما يسعيان إلى استعادة السيطرة السياسية من «حزب الله»، القوة السياسية والعسكرية المُهَيمنة في البلاد، وبناء دولة فعّالة. وحثّ الرئيس عون المدنيّين على التحلّي بضبط النفس أمس، لكنّه شدّد على أنّ سيادة البلاد «غير قابلة للتفاوض».

قد يؤدّي أي احتلال إسرائيلي مُطوّل لجنوب لبنان إلى إنعاش «حزب الله»، الذي تأسس لتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، ويصوّر نفسه كالقوة الوحيدة القادرة على حماية حدود لبنان، وفقاً للخبراء.

كما يهدّد ذلك بتقويض الزخم السياسي الحالي في لبنان، إذ هناك لأول مرّة منذ عقود، دفع جاد نحو توحيد كل القوى العسكرية تحت مظلة الدولة والقضاء على مبرّرات «حزب الله» لامتلاك ترسانة هائلة.

يركّز لبنان الآن على «نزع سلاح «حزب الله» والانتقال من الحقبة التي كان يُنظر فيها إلى الحزب على أنّه يملك الحق في امتلاك الأسلحة. سيؤدّي أي احتلال إسرائيلي مستمر إلى إبطاء هذا الزخم، الذي يحدث بشكل طبيعي»، بحسب مهنّد حاج علي، نائب مدير الأبحاث في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت».

لم يردّ مسؤولو «حزب الله» على اتهامات إسرائيل بأنّ الحزب لا يزال نشطاً عسكرياً في جنوب لبنان، لكنّهم أكّدوا أنّهم «ملتزمون» بالالتزام بشروط الهدنة.

يوم السبت، أعلن مسؤولون في الجيش اللبناني أنّهم مستعدون لاستكمال انتشارهم في الجنوب. وأعرب الجنرال الأميركي المشرف على لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، هذا الشهر، عن ثقته في قدرة الجيش اللبناني على تأمين جنوب لبنان. وأضاف اللواء جاسبر جيفيرز في بيان: «يواصل الجيش اللبناني إظهار قدرته وعزمه وقيادته لتأمين لبنان والدفاع عنه».

قبل أكثر من عام بدأ «حزب الله» بإطلاق صواريخ باتجاه المواقع الإسرائيلية تضامناً مع حليفه «حماس»، المجموعة الفلسطينية المسلّحة في غزة، التي قادت هجوم 7 تشرين الأول 2023 على إسرائيل. وردّت إسرائيل باغتيال قيادة «حزب الله» وتدمير البلدات والقرى الحدودية وغزو جنوب لبنان.

حتى قبل موعد انتهاء المهلة أمس، كان الآلاف من اللبنانيّين الذين نزحوا جرّاء الحرب من منازلهم على طول الحدود الجنوبية، يستعدّون للعودة إلى ديارهم. يوم السبت، كانت الطريق الرئيسة التي تربط بيروت بجنوب لبنان مكتظة بالسيارات، على رغم من تلقّي الناس مكالمات هاتفية آلية من الجيش الإسرائيلي تحذّرهم من العودة إلى ديارهم.

يبدو أنّ القوات الإسرائيلية تواصل جهودها التي استمرّت خلال الهدنة لتدمير الطرق وعرقلة المرور بين بعض القرى في جنوب لبنان، وفقاً لوسائل إعلام محلية. وتشغل إسرائيل حالياً نحو 70% من المناطق التي احتلتها بعد غزوها لبنان في الخريف الماضي، وفقاً لقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان.

لم يُعلن «حزب الله» كيف يُخطّط للردّ على استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية. وتعهّد بعض نوّاب «حزب الله» بالردّ، لكنّ مسؤولين آخرين في الحزب حوّلوا مسؤولية الردّ إلى الحكومة اللبنانية. وأعلن الحزب في بيان يوم الجمعة أنّ الدولة هي المعنية «باستعادة الأرض وانتزاعها من قبضة الاحتلال».

يُعدّ هذا التحوّل في المسؤولية أسلوباً معروفاً لدى «حزب الله»، الذي دعا قبل بضعة أشهر الدولة إلى توفير الدعم لآلاف اللبنانيّين النازحين جرّاء حرب تسبّب فيها الحزب نفسه. ومع ذلك، يعكس التنازل السياسي من قِبل الحزب، الذي يقوم أساس تأسيسه على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، حالة ضعفه الحالية.

بعد 14 شهراً من القتال، تعرّضت صفوف الحزب العسكرية إلى الإنهاك، وقاعدته الشعبية الموالية له باتت مرهقة. كما أنّ راعيه إيران قد أُضعِف بسبب إسرائيل. وفي سوريا المجاورة، أطاح الثوار حليف إيران، الديكتاتور بشار الأسد، ممّا قطع الجسر البري الذي كان يستخدمه «حزب الله» لتلقّي الأسلحة والنقد من إيران.

هذه الضربات خفّفت من قبضة «حزب الله» الحديدية على السلطة السياسية في لبنان، ما أدّى إلى تغيير المشهد السياسي في البلاد لأول مرّة منذ عقود. هذا الشهر، انتخب النواب اللبنانيّون جوزاف عون رئيساً جديداً، بعد سنوات من الجمود السياسي الذي عزاه العديد من المحلّلين إلى «حزب الله». وبعد أيام، سمّى النواب نواف سلام، الديبلوماسي البارز الذي عارضه «حزب الله» طويلاً، رئيساً للوزراء.

مع ذلك، حذّر خبراء الشرق الأوسط من الاستهانة بثقل «حزب الله» السياسي. وإذا استمرّت إسرائيل في احتلال لبنان، فقد تعيد إحياء القاعدة الشعبية للحزب، المكوّنة في الغالب من الشيعة، التي تبحث عن راعٍ وحامٍ ضدّ القوات الإسرائيلية.

وأوضح سامي نادر، مدير معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت: «أعتقد أنّ كلا الطرفَين ليس لديهما مصلحة في استئناف الحرب، لكن طالما أنّ إسرائيل تحتل لبنان، فإنّها تعيد إحياء رواية حزب الله».

theme::common.loader_icon