لبنان يدفع «فاتورة حماية» حكومة نتنياهو كما في «جنين»؟!
لبنان يدفع «فاتورة حماية» حكومة نتنياهو كما في «جنين»؟!
جورج شاهين
Saturday, 25-Jan-2025 06:32

قبل 48 ساعة على نهاية مهلة الـ60 يوماً التي قال بها تفاهم 27 تشرين الثاني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للقرى الجنوبية، تلاحقت المؤشرات السلبية التي توحي برغبة تل أبيب بعدم الانسحاب، بحجة عدم تنفيذ الجيش اللبناني ما تعهّد به وسحب مقاتلي «حزب الله» إلى شمال مجرى الليطاني. وفيما لم تقل لجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق أي كلمة بعد، أوحت التطوّرات بأكثر من سيناريو، يحيي بعضاً منها مضمون ورقة الضمانات الأميركية لإسرائيل المرفقة بنص التفاهم. وهذه بعض النماذج منها.

حتى الأمس القريب كانت كل المواقف الأميركية والفرنسية والأممية تؤكّد أنّ جميع الأطراف المعنية بتفاهم 27 تشرين الثاني الماضي الذي وضع حداً للحرب بين إسرائيل و»حزب الله»، التي بلغت ذروتها في الأيام الـ66 الأخيرة التي تلت عمليات تفجير «البايجر» واللاسلكي وموجة الاغتيالات التي تلتها وطالت الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله وخليفته المحتمل السيد هاشم صفي الدين وأعضاء المجلس الجهادي وقادة المحاور، ستلتزم بمضمون المرحلة الأولى منه، التي تنتهي في 27 الجاري من دون أن يساور أي منهم القلق الذي كان يترقّبه المتضرّرون من الإتفاق في إسرائيل، بعد أن تعالت الصرخات بعدم تحقيق ما هدفت إليه الحرب في غزة ولبنان، على رغم من حجم الخسائر التي لحقت بالمدنيّين في المنطقتَين وشلالات الدم التي ترافقت مع القوافل من عشرات آلاف الشهداء المدنيّين والمقاتلين، ومئات الآلاف من الجرحى والمعوّقين وحجم التدمير الشامل لمساحات واسعة، عدا عن الأضرار المنظورة وغير المنظورة المقدّرة بعشرات مليارات الدولارات.

وبرأي مراقبين ديبلوماسيّين غربيّين ومحليّين ومعهم خبراء عسكريّون، فإنّهم لم يلحظوا ما يهدّد هيبة الولايات المتحدة الأميركية التي رعت التفاهمات في لبنان وغزة، قبل أن يتريّثوا في الحُكم على النتائج المرتقبة في الساعات القليلة المقبلة. فمن بينهم مَن لم يفقد بعد الثقة بالتوجّه الأميركي إلى وقف الحربَين معاً، بعدما تأكّدوا من وجود توافق عميق غير مسبوق بين الإدارة الأميركية الديموقراطية التي غادرت البيت الأبيض بعد أن أطلقت الإتفاقات، وتلك الجمهورية التي دخلته مطلع الأسبوع الجاري، قبل دخول الرئيس ترامب إلى المكتب البيضاوي وعدم القبول بما يربط بينهما من جديد، فلكل منهما ظروفه وأسبابه، وقد سعى الجميع إلى الفصل بينهما طيلة أشهر عديدة، قبل أن تثمر الجهود التي بُذِلت وتباهى بها السلف والخلف.

لذلك، فإنّ هؤلاء المراقبين لم يقطعوا الأمل بَعد من تدخّل أميركي عاجل للفصل في الساعات الأخيرة بين التوجّه إلى إعلان الفشل بشأن لبنان، ولم تنتهِ بعد الاحتفالات في واشنطن وغزة بوقف الحرب في القطاع وإحصاء العائدين من الأسرى لدى حركة «حماس» ونظيراتها الفلسطينية إلى منازلهم، وبدء الحديث عن المراحل اللاحقة، وهو ما دفع بهم إلى ترقّب الخلاف الذي يمكن أن يتنامى بين الحكومة الإسرائيلية التي أعطت أوامرها إلى الجيش الإسرائيلي بعدم مغادرة ما سمّته للمرّة الأولى بـ»المنطقة العازلة» في لبنان، والإصرار على ما ادّعته أيضاً بضرورة «تنفيذ الحكومة اللبنانية الاتفاق بشكل كامل»، مخافة تكرار ما حصل مع «سكان الشمال وعدم تهديد المستوطنات»، وإلّا «فإنّهم لم يتعلّموا من دروس 7 تشرين الأول 2023».

واللافت أنّ هذه المواقف، جاءت في توقيت غير بعيد، تلى «الإشادة» الأميركية والفرنسية على لسان جنرالَيهما جاسبر جيفيرز وغيوم بونشان بصفتَيهما «من رعاة التفاهم» بين «حزب الله» وإسرائيل، بعد جولات ميدانية على مناطق انتشار الجيش و«اليونيفيل» في المناطق الجنوبية وما انتهت إليه أعمال تفكيك وإخلاء عشرات مراكز «حزب الله» جنوبي الليطاني. وهي مواقف أغدقت فيها التهاني ومدى الحرفية السياسية والعسكرية التي عبّرت عنها قرارات الحكومة اللبنانية والإجراءات الفورية التي قام بها الجيش في القرى والمناطق التي أخلتها قوات الاحتلال في القطاع الغربي كاملاً وفي أجزاء من القطاعَين الأوسط والشرقي وكفرشوبا. وكل ذلك جرى بعد أن تبنّت هذه الحكومة ما قال به التفاهم بين طرفَي الحرب، بعدما تبلّغت بمضمونه من الجانب الأميركي مباشرةً ومعها الجيش اللبناني الذي تعهّد قائده بتنفيذه نصاً وروحاً قبل أن يُنتخب رئيساً للجمهورية وتحوّله قائداً أعلى للقوات المسلحة.

على هذه الخلفيات، عبّر هؤلاء المراقبون عن استغرابهم اللامحدود للتصرّفات الإسرائيلية التي لم تستطع أن تقنع أحداً بوجود الأسباب التي استندت إليها في تبريرها تأخير الإنسحاب والاحتفاظ بنقاط محدّدة في القطاعَين الأوسط والشرقي لدواعٍ أمنية، فيما استتبّت الأمور بالسرعة القصوى في المناطق التي أخلتها، وقيام الجيش بما يلزم لمنع تحوّلها مصدراً لأي قلق على أمن شمال إسرائيل، على رغم من حجم التدمير والتخريب الذي قامت به إسرائيل خارج ما قال به التفاهم الذي لم يلحظ وقف الأعمال الهندسية التي قامت بها وتدمير منشآت حيوية لا علاقة لها بأي مظهر عسكري.

وعلى رغم من هذه المؤشرات السلبية، فقد رصد هؤلاء المراقبون ما يفيض من الأسباب التي يمكن أن تؤدّي إلى تعثر التفاهم أو إنقاذه في اللحظات الأخيرة، بعد أن رصدت مؤشرات متشابهة من «طرفَي الحرب»، ما يشير إلى ما لم يكن متوقعاً. ولذلك فقد ربطوا بين إصرار «حزب الله» على عدم شمول الاتفاق منطقة شمال الليطاني للحفاظ على ما تبقّى لديه من أسلحة في مناطق بعيدة عنها في لبنان وتحديثها إن قضت الحاجة إلى مثل هذه الإجراءات، تزامناً مع إحياء كوادره العسكرية، مع إصراره المسبق على كل ما قامت به القوات الإسرائيلية من إجراءات تعوق التوصّل إلى إتمام التفاهم بكامل الخطوات المقرّرة، وخصوصاً أنّ أهم ما قال به التفاهم من نقاط غير معلنة كمَن في انتخاب رئيس للجمهورية للسهر على تنفيذ البنود في أفضل الظروف المؤدّية إلى قيام الدولة وسلطاتها بكامل مواصفاتها الدستورية، إيذاناً باعتبار ما حصل وكأنّه من آخر الحروب في المنطقة.

وما زاد من القلق، أن تعيد إسرائيل بسبب أزمتها الحكومية ربط الحلول بين أزمتَي غزة ولبنان لمجرّد أنّ ما قرّرت القيام به في غزة تنفيذاً لتفاهمات بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والوزراء المتشدّدين الذين يُهدّدون بقاءها في الضفة الغربية وتحديداً في جنين كما في لبنان، لحماية الائتلاف القائم بين المكوّنات الضامنة ثقة الكنيست بها. وهو أمر يَزيد من خطورة الوضع ويُعيد إحياء التعقيدات التي حاول العالم جاهداً لتفكيكها والفصل في ما بينها، ذلك أنّ أي مخرج لأزمة لبنان لا يتناسب مع ما هو مطلوب لطَي صفحات الحرب في غزة.

فاليوم التالي للحرب في لبنان قد تحقق بانتخاب رئيس الجمهورية ومشروع إحياء الدولة، فيما هو منتظر للوضع في غزة والضفة الغربية ما زال بعيد المنال، بانتظار إحياء مشروع الدولتَين وقيام الدولة الفلسطينية لتكون الحل النهائي المطلوب للحروب في الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

theme::common.loader_icon