لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب عادة متكرّرة لتسمية الشخصيات البارزة بتعبيرات مختصرة تعكس مشاعره تجاههم، سواء بالوِد أو الازدراء. ومن الواضح كَم يُحبّ حلفاء مثل رئيس UFC دانا وايت والمدير التنفيذي لشركة «تيسلا» إيلون ماسك، وكم يحتقر آخرين - مثل خليفته/سلفه في البيت الأبيض جو بايدن وحاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم. ويمكن الآن إضافة أقوى شخصية في كرة القدم إلى قائمة التحالفات.
ذُكِرَ رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جياني إنفانتينو بشكل متكرّر من قِبل ترامب منذ عودته إلى منصبه، مع حماسة جديدة للاحتفاء بكأس العالم للرجال 2026 الذي سيُقام في أميركا الشمالية.
حضر إنفانتينو حفل تنصيب ترامب يوم الاثنين، ونشر هذا الأسبوع 9 مرّات على «إنستغرام» عن الرئيس الأميركي الجديد، مرتدياً ربطة عنق حمراء في تجمّع ما قبل التنصيب يوم الأحد.
تجلّى دعمه في أوائل عام 2020، عندما كان ترامب، في السنة الأخيرة من ولايته الأولى كرئيس، يواجه قواعد محاكمة عزله الأولى التي حدّدها مجلس الشيوخ الأميركي.
في ذلك الوقت، أثناء تقديمه لعشاء مع المديرين التنفيذيّين في منتجع دافوس السويسري للتزلج، أشاد إنفانتينو بترامب بوصفه «رياضياً ومنافساً».
هذا الأسبوع، كوفئ إنفانتينو على وَلائه غير المشروط. عادةً ما تُخصَّص دعوات التنصيب لأفراد الأسرة، مسؤولي الإدارة، قضاة المحكمة العليا، قادة العالم الآخرين، وأقرب حلفاء الرئيس المنتخب.
في ما يتعلّق بالرياضة، انضمّ إلى إنفانتينو داعمو ترامب المخلصون، بمَن فيهم دانا وايت ومريم أديلسون، مالكة فريق دالاس مافريكس لكرة السلة وثالث أكبر متبرّع لحملة الرئيس المنتخَب. وفي بيان، أكّد «فيفا» أنّ «لا الاتحاد الدولي ولا رئيسه ساهما في لجنة التنصيب».
بالنسبة إلى كأس العالم 2026، تولّى ترامب دور المشجّع، مشيراً إليه كمثال على الأحداث المهمّة التي ستُقام في الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة. لكن الأمر يحمل احتمالية للإحراج.
بصفتها الهيئة الحاكمة لكرة القدم على مستوى العالم، تمثل «فيفا» 211 اتحاداً وطنياً. ستستضيف الولايات المتحدة البطولة بالتشارك مع المكسيك وكندا، وهما بلدان مجاوران هدّد ترامب بفرض تعريفات جمركية ثقيلة عليهما.
خلال حفل التنصيب، صُوِّر إنفانتينو يضحك بحماس عندما أعلن ترامب أنّ خليج المكسيك سيُعاد تسمِيَته إلى «خليج أميركا».
قد تكون العلاقة بين ترامب وإنفانتينو علاقة خاصة - أو كما أوضح «فيفا» يوم الخميس، فإنّها تتماشى مع قبول رئيس «فيفا» بانتظام لدعوات قادة العالم.
استضاف «فيفا» كأس العالم للرجال في روسيا عام 2018، على رغم من التدخّلات الأولى لفلاديمير بوتين في أوكرانيا قبل 4 سنوات. وفي عام 2019، منح بوتين إنفانتينو وسام الصداقة لـ»مساهمته الكبيرة» في البطولة.
قبل نسخة 2022 في قطر، كتب إنفانتينو إلى الاتحادات الـ32 المشاركة، طالباً منهم «التركيز على كرة القدم»، وتجنّب النزاعات السياسية والاجتماعية مثل ظروف العمل للعُمّال المهاجرين، حقوق المرأة، ومجتمع الميم. كما قام بزيارات متعدّدة إلى المملكة العربية السعودية، المضيف الوحيد لكأس العالم 2034.
لكن حتى بالنسبة إلى قائد رياضي يعتمد على الديبلوماسية السياسية، تبدو علاقة إنفانتينو بترامب وثيقة بشكل غير عادي. قد تكون مشاركة ترامب المكثفة أمراً إيجابياً لـ»فيفا». زار إنفانتينو واشنطن في أيار، لكنّه لم يحصل على فُرَص للتصوير أو الاجتماعات مع بايدن أو نائبته كامالا هاريس. لكنّه التقى بوزير الأمن الداخلي لمناقشة التأشيرات.
واجه «فيفا» صعوبات في إحراز تقدّم مع إدارة بايدن بشأن سرعة معالجة التأشيرات، ممّا أثار مخاوف من أنّ بعض زوار كأس العالم 2026 من الدول الـ48 المشاركة قد لا يتمكّنون من الحضور. على سبيل المثال، حتى مساء الخميس، كانت فترة انتظار موعد التأشيرة في السفارة الأميركية في بوغوتا بكولومبيا 700 يوم. مع بقاء 500 يوم فقط على بدء البطولة الأسبوع المقبل، قد يكون الأوان قد فات لبعض المشجّعين. وتشمل أوقات الانتظار المثيرة للقلق الأخرى: الدار البيضاء (المغرب، 332 يوماً) وأنقرة (تركيا، 560 يوماً).
مع استمرار ترامب في متابعة سياسات الترحيل، يبقى أن نرى مدى استعداد إدارته لفتح الأبواب لـ6 أسابيع من البطولة، خصوصاً إذا كان ذلك يعني تسهيل دخول الآلاف من زوار أميركا الوسطى والجنوبية.
مقارنةً بروسيا وقطر والسعودية، قد يأمل «فيفا» أن يواجه كأس العالم الذي سيُقام في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك مشكلات أقل في العلاقات العامة، مع توقعات بإيرادات تصل إلى 14 مليار دولار.
مع ذلك، فإنّ الطبيعة المشتركة لعام 2026 تقدّم تحدّيات، وقد تختبر سياسات ترامب قدرة «فيفا» على إدارة العلاقات. لدى «فيفا» اتفاقية لمدة 4 سنوات مع منظمة الصحة العالمية «لتعزيز أنماط الحياة الصحية والمساواة في الوصول إلى الخدمات الصحية عالمياً». وقد انسحب ترامب هذا الأسبوع من منظمة الصحة العالمية.
في أول أسبوع له بعد عودته إلى المنصب، وصف ترامب الكارتلات المكسيكية بأنّها منظمات إرهابية أجنبية، وأجاب «قد يحدث» عند سؤاله عن إمكانية إرسال قوات خاصة أميركية إلى المكسيك لاستهدافها. كما حذّر من أنّ إدارته ستفرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على المكسيك وكندا اعتباراً من 1 شباط.
في دافوس، بينما وصف ترامب الاتهامات الموجّهة ضدّه في 2020 (إساءة استخدام السلطة وعرقلة الكونغرس) بأنّها «خدعة تامة» - وتمّت تبرئته بعد أسابيع - قدّمه إنفانتينو في خطابه الخاص: «الرئيس ترامب بالتأكيد رياضي. أنا محظوظ بما يكفي في حياتي لمقابلة بعض من أفضل الرياضيّين المَوهوبين في كرة القدم. والرئيس ترامب من النوع عينه. إنّه منافس. يُريد التنافس، يُريد الفوز. يُريد أن يُظهر مَن هو الأفضل».
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنّ الدعم المستمر الذي يقدّمه إنفانتينو وضعه في موقع مميّز داخل دائرة ثقة ترامب. لم يكن الأمر يتعلّق فقط بتذكرة حضور حفل التنصيب. فقد أمضى إنفانتينو قرابة أسبوع في التقرّب من الإدارة الجديدة. زار ترامب في منزله في فلوريدا «مار-أ-لاجو» يوم الجمعة الماضي، وكشف عبر «إنستغرام» أنّ الاجتماع تركّز على كأس العالم، إلى جانب كأس العالم للأندية الذي سيُقام هذا الصيف في الولايات المتحدة.
في اليوم الذي ارتدى فيه إنفانتينو ربطة عنق حمراء وحضر تجمّع ترامب، ذكره الأخير علناً (على رغم من أنّه بدا وكأنّه خلط بينه وبين رئيس اللجنة الأولمبية الدولية). وبعد ذكر ترامب له، نشر إنفانتينو مقطع فيديو يشكره فيه.
في بيان صحافي صادر عن «فيفا»، أكّد إنفانتينو: «أود أن أشكر الرئيس ترامب، الذي تربطني به صداقة رائعة، وأؤكّد له أنّنا معاً سنجعل أميركا عظيمة مرّة أخرى، وأيضاً العالم بأسره، بالطبع، لأنّ كرة القدم - أو كما يُطلق عليها في أميركا: «سوكَر» - توحّد العالم». هذا مجرّد أحدث فصل من حلقات التقارب الأخيرة.
في كانون الأول الماضي، أثناء قرعة المرحلة الجماعية لكأس العالم للأندية، قدّم ترامب رسالة فيديو مسجّلة، وصف فيها إنفانتينو بأنّه «فائز»، وزعم الأخير أنّ ترامب كان «مسؤولاً بدرجة كبيرة» عن جلب كأس العالم إلى أميركا الشمالية. حضرت ابنة ترامب إيفانكا، زوجها جاريد كوشنر، وحفيد ترامب ثيودور، الحدث في ميامي، حيث أجرى الأخير أول اختيار احتفالي في القرعة.
في حين يحتفي ترامب بكأس العالم، فإنّ أحد الجوانب التي لا تحظى بالكثير من الاهتمام هو كيف أنّ أولئك الذين كانوا وراء عرض استضافة كأس العالم 2026 حاولوا التخفيف من المخاوف بشأن خطابه.
في وقت ما، كانوا يحاولون إقناع المصوّتين بأنّ ترامب لا يعكس القِيَم التي يُمثلها العرض، أو أنّه لم يَكن يعني ما قاله حرفياً، أو أنّ فُرَص كونه رئيساً في 2026 ضئيلة. الآن يبدو أنّه في قلب الحدث تماماً.
من المؤكّد أنّ إنفانتينو يأمل أن تستمر هذه العلاقة الوثيقة واهتمام ترامب الإيجابي طوال مدة البطولة. فمع بداية ولاية ترامب الثانية، ذُكِرَ إنفانتينو مرّة أخرى من قِبل ترامب في دافوس: «هنا في أميركا، لدينا أحداث كبيرة مقبلة. العام المقبل لدينا الذكرى الـ250 لتأسيس أميركا، وأيضاً كأس العالم. أفهم أنّ جياني موجود هنا. لقد كان له دور كبير في مساعدتنا في تحقيق ذلك - إنّه معكم هنا في مكان ما، أعتقد - وأريد أن أشكره على ذلك».
بحلول تلك الليلة، كان إنفانتينو قد عاد إلى «إنستغرام»: «شكراً لكَ، سيادة الرئيس»، مكرّراً مرّة أخرى أنّ #كرة_القدم_توحّد_العالم – في استمرار لعلاقة سياسية رياضية مزدهرة لا تزال تمضي بكامل سرعتها.