هل يحلّ شيعي من خارج «الثنائي» معضلة الميثاقية-المالية؟
هل يحلّ شيعي من خارج «الثنائي» معضلة الميثاقية-المالية؟
شربل البيسري
Friday, 24-Jan-2025 06:46

بين مطالب ثنائي «حزب الله» وحركة «أمل»، بالحفاظ على وزارة المال، ودعوات القوى السياسية الأخرى إلى كسر «احتكار الوزارات السيادية»، يجد اللبنانيّون أنفسهم أمام واقع سياسي مأزوم في ظل تناتش الكتل النيابية وتهافتها على تحصيل ما يمكنها تحصيله في حكومة الرئيس المكلّف نواف سلام.

مع كل استحقاق حكومي، يعود النقاش حول «الميثاقية بين المفهوم الدستوري والاجتهاد السياسي»، ومبدأ توزيع الحصص الطائفية إلى الواجهة. في هذا الإطار، قال الاستاذ الجامعي علي مراد، المرشح السابق للانتخابات النيابية عن دائرة الجنوب الثالثة بوجه «حزب الله»، إنّ مفهوم الميثاقية في الدستور اللبناني «يظلّ غامضاً وملتبساً، إذ لم يُعرّف بشكل واضح، كما لم تتح للمجلس الدستوري فرصة معالجته ضمن الطعون المقدّمة إليه».
بدوره، يوضح مسؤول العلاقات السياسية وعضو اللجنة التنفيذية في حزب «الكتلة الوطنية»، كميل موراني، أنّ الميثاق الوطني يُشكّل أساس الصيغة الدستورية الحالية القائمة على مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيّين، محذّراً من تجاوز الدستور أو اتفاق الطائف الذي يُعبّر عن هذه الميثاقية. وأشار إلى أنّ الميثاقية تعني، في جوهرها، «لا سلطة ولا شرعية لأي سلطة تتعارض مع ميثاق العَيش المشترك»، وهو ما يرتبط بتمثيل الطوائف، وليس الأحزاب التي تمثل هذه الطوائف بالضرورة.
وأوضح مراد أنّه إذا تمّ التمسّك بهذا الفهم، فإنّ الميثاقية لا تستوجب مشاركة حزب بعينه، حتى لو كان يمثل نسبة عالية من طائفة ما، بل تقتضي تمثيل الطائفة ذاتها. وأضاف أنّ الحكومة، وفق المادة 95 من الدستور أو الأعراف اللبنانية السائدة، لا تشترط مَن يكون ممثلاً لأي طائفة. ونظراً لطبيعة النظام البرلماني القائم على مبدأ الأكثرية والأقلية، فإنّ أي حزب يمكن أن يمثل طائفة ما دون أن يكون ذلك شرطاً لتشكيل الحكومة.
وأوضح موراني أنّ القرارات الحكومية تُتخذ وفق آليات دستورية، فتحتاج بعضها إلى النصف زائد واحد، وأخرى إلى الثلثَين، مشدّداً على أنّ الميثاقية لا تتعارض مع الدستور، بل تعكسه.
وأشار مراد إلى استقالة وزراء «الثنائي» من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة واعتباره أنّ الحكومة فقدت ميثاقيتها، معتبراً أنّ «هذا التفسير لا يحظى بإجماع دستوري، لأنّ الميثاقية، بحسب تفسيرها الصحيح، تتعلق بتشكيل السلطة، ولا تُفقِد الحكومة شرعيتها لمجرّد استقالة وزراء منها».
وفي ما يتعلق بوزارة المال، نفى مراد «وجود عِرف دستوري أو اتفاق مستقر يخصّص هذه الوزارة للطائفة الشيعية. إذا نظرنا بين عامَين 1990 و2008، يتضح أنّ عدداً من وزراء المال لم يكونوا شيعة». وأضاف أنّ مفهوم العرف يتطلّب ركنَين: مادياً وهو الثبات، ومعنوياً وهو شعور الجماعة بقبول هذا العرف، وكلاهما غائبان في حالة وزارة المال. وقال إنّ تمسك «الثنائي الشيعي» بحقيبة المال يعتمد على اعتبارات مرتبطة بحصولهم على التوقيع الثالث للمراسيم التنفيذية، مثل التعيينات وصرف الأموال. لكنّه رأى أنّ هذا المنطق لا يُشكّل ضماناً، بل يؤدّي إلى تعطيل في بعض الأحيان. واستشهد بتجربة وزير المال المحسوب على «الثنائي» حين امتنع عن توقيع تشكيلات قضائية وتعيينات مرتبطة بالهيئة العامة لمحكمة التمييز، معتبراً أنّ هذا الواقع يعزّز منطق التعطيل أكثر من ضمان المشاركة.
ويؤكّد موراني أنّ هذا المطلب يفتقر إلى أي أساس قانوني أو دستوري في اتفاق الطائف، معتبراً أنّ الادّعاء بوجود اتفاق شفهي في الطائف لم يُكتب نصاً هو دليل على عدم وجوده.
ورأى مراد أنّ «تخصيص وزارة المال للشيعة أدّى إلى احتكار الوزارات السيادية الـ4 (المالية، الداخلية، الدفاع، الخارجية) للطوائف الكبرى، ما يمنع تعيين كفايات من الطوائف الأخرى في هذه الحقائب». وأكّد أنّ هذا الوضع «يضرّ بمفهوم الكفاءة ويُكرّس هيمنة الطوائف الكبرى على حساب التنوّع الوطني. فمثل هذا التوجّه لا يتفق مع الدستور أو مبدأ الميثاقية، ولا ينبغي تكريسه كعرف في تشكيل الحكومات».

تمثيل خارج «الثنائي»
وشدّد مراد على أنّه لا يوجد ما يمنع تمثيل الشيعة خارج «الثنائي الشيعي» لأنّ النظام السياسي اللبناني، على رغم من طابعه الطائفي، هو نظام ديموقراطي برلماني في الأساس، لكنّ السمة البرلمانية تعرّضت للتعطيل لمصلحة الطائفية منذ التسعينات.
وتساءل موراني عن مدى جدوى إعادة تكليف وزراء من حركة «أمل» بوزارة المال، منتقداً الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها بعضهم في إدارة الملف المالي وحصول الأزمة المالية والاقتصادية في عهودهم. وشدّد على ضرورة التمييز بين الطائفة الشيعية كجزء أساسي من المجتمع اللبناني وبين الثنائية السياسية المتمثلة في «أمل» والحزب»، مؤكّداً أنّ هناك نخباً شيعية قادرة على تمثيل الطائفة بنحو أفضل، بعيداً من سيطرة «الثنائي». ووصف تخصيص حقائب وزارية لطوائف معينة، مثل وزارة المال للطائفة الشيعية، بأنّه «ليس مجرّد محاصصة طائفية، بل حزبية».
وانتقد مراد أن يكون رئيس الحكومة مجرّد «ساعي بريد»، مطالباً بإعادة الاعتبار لدوره في تشكيل الحكومة، مع احترام التوزيع العادل للحصص الطائفية من دون الانتقاص من صلاحياته وصلاحيات رئيس الجمهورية.
واختتم مراد بتأكيد أهمية أن يقوم التمثيل الوزاري على 3 معايير أساسية لضمان تشكيل حكومة قادرة على العمل:
أولاً، امتلاك موقف سياسي يتماشى مع خطاب القَسَم والبيان الوزاري.
ثانياً، الكفاية المهنية.
ثالثاً، القدرة على الإدارة الفعّالة.

حكومة اختصاصيِّين؟
وحول إمكانية تشكيل حكومة اختصاصيّين غير حزبيّين، أشار موراني إلى أنّ مثل هذه الحكومات «غالباً ما تتحوّل حكومات تخضع للأحزاب من خلف الكواليس، إذ يُعيّن كل حزب اختصاصيّين يُمثلونه». بدلاً من ذلك، دعا إلى تشكيل حكومة تضمّ سياسيّين ذوي اختصاص، يجمعون بين الفهم التقني والإلمام بالشأن العام والسياسي.
وأكّد أهمية أن تكون الحكومة متوازنة، أي «تضمّ معارضة إلى جانب الموالاة، لمواجهة التحدّيات الكبرى مثل بسط سيادة الدولة، معالجة الأزمة الاقتصادية، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي».

theme::common.loader_icon