خرقت زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود للبنان أجواء التأليف الحكومي المتعثر بفعل الاتهامات المتبادلة بين الأفرقاء السياسيين بالتعثير، ودفعت الأوساط السياسية إلى التعويل عليها لتعجيل الولادة الحكومية التي يتوقع كثيرون حصولها قبل الأحد المقبل، حيث يجب ان تنتهي مهلة الـ60 يوماً بانسحاب الجيش الإسرائيلي من المنطقة الحدودية المحتلة ليبدأ تنفيذ القرار الدولي الرقم 1701.
«وأخيراً».. كانت الكلمة الأولى التي قالها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لدى استقباله له على رأس وفد سعودي رفيع، معبّراً فبها عن ترحيب لبناني بعودة المملكة بعد 15 عاماً من إدارة الظهر للبنان او الالتفات الخجول اليه. والكلمة نفسها ردّدها بن فرحان بعد عون، وفُهم منها، بحسب مصادر مواكبة للزيارة السعودية، انّه واخيراً اتخذت السعودية القرار بالعودة. وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية»، انّ هذه الزيارة لها مفاعيل عالية المستوى في السياسة، وأتت لتأكيد الدعم والانطلاقة الجديدة للعهد. وكشفت المصادر انّ بن فرحان اكّد جهوزية المملكة للمساعدة في أكثر من صعيد، خصوصاً في موضوع الإصلاح والإعمار ودعم مسيرة النهوض. لكن الاجتماعات التي عقدها بن فرحان لم تكن لها علاقة بتفاصيل تشكيل الحكومة المتروكة للرئيس المكلّف نواف سلام.
وعلى عكس ما يُشاع، أكّدت المصادر أن لا تأخير في الولادة الحكومية، فالرئيس المكلّف يأخذ وقته الطبيعي، وزيارة وزير الخارجية السعودي هي إشارة قوية للدفع قدماً، ولم يُرصد اي تدخّل مباشر له في عملية التأليف، إنما بطريقة غير مباشرة سُمع من المسؤول الرفيع كلام مشجع جداً على ضرورة استكمال الخطوات في اتجاه المرحلة الجديدة التي يدخلها لبنان، وهذا يعني انّ التشجيع من الخارج والتسهيل من الداخل...
وإلى ذلك، أكّدت مصادر مواكبة لـ«الجمهورية»، أنّ أركان اللجنة الخماسية وضعوا أنفسهم في حال استنفار قصوى لدعم الرئيس المكلّف في جهوده لتشكيل الحكومة الجديدة. والهدف هو الاستفادة من الفرصة السانحة لانطلاق العهد ومسيرة الإنقاذ، وفق ما عبّر عنه السفير المصري علاء موسى قبل يومين، بعد اجتماع اللجنة.
وقد تمثلت أمس دفعة الدعم الأكثر فاعلية بزيارة وزير الخارجية السعودي للبنان، وهي الأولى لمسؤول سعودي بهذا المستوى منذ 15 عاماً. ووفق المصادر إياها، إنّ هذه الزيارة تأتي تتويجاً للجهد الذي بذلته المملكة حتى اليوم في دعم انتخاب عون وتسمية سلام، وهي تحمل رسالة إلى القوى السياسية اللبنانية مفادها أنّ على لبنان عدم التهاون في استثمار اللحظة السانحة والدعم الدولي والعربي المفتوح، لبناء المؤسسات مجدداً. وهذا الإنقاذ هو السبيل الوحيد لحصول لبنان مجدداً على المساعدات والتغطية السياسية. وفي تقدير المصادر أنّ زيارة بن فرحان ستكون دافعاً معنوياً قوياً ومباشراً للرئيس المكلّف لكي يخرج من وضعية التردّد إلى الاستعجال في تشكيل الحكومة، ويتاح للبنان مواكبة التحولات الكبرى المقبلة على الشرق الاوسط.
جولة بن فرحان
وكان وزير الخارجية السعودي التقى كلاً من عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وسلام ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب يرافقه المسؤول عن ملف لبنان في الخارجية السعودية الامير يزيد بن فرحان والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري.
وشكر عون للسعودية الجهود التي تبذلها لمساعدة لبنان، لا سيما لجهة إنهاء الفراغ الرئاسي، معتبراً زيارة بن فرحان للبنان «رسالة أمل». واستذكر الروابط التاريخية بين لبنان والمملكة، آملاً في «أن تتعزز العلاقات الثنائية بين البلدين وتزداد قوة في المجالات كافة». وأشار إلى أنّ خطاب القَسَم كُتب ليُنَفّذ، لا سيما وأنّه عكس إرادة الشعب اللبناني وتحدث بلغته، آملاً في أن يعود الإخوة السعوديون إلى لبنان مجدداً. كما حدّد أولويات المرحلة المقبلة بعد تشكيل الحكومة بإعادة الإعمار، ومعالجة الوضع الاقتصادي، ودعم الجيش والمؤسَّسات الأمنية.
ونقل بن فرحان إلى عون تهنئة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز بانتخابه رئيساً للجمهورية، وتمنياتهما له بالتوفيق في قيادة لبنان نحو مرحلة جديدة من الازدهار والنمو والرخاء.
وأكّد «حرص القيادة السعودية على عودة لبنان كما كان نبراساً في المنطقة ونموذجاً للتعايش والازدهار»، منوّهاً «بقيادة الرئيس عون وبخطاب القَسَم الذي وضع البوصلة في الطريق الصحيح». وأكّد «أنّ المملكة ستكون إلى جانب لبنان وستتابع مسيرته الجديدة خطوة بخطوة، وستعمل مع شركائها في هذا الاتجاه. وشدّد على أهمية الإصلاحات التي تعتزم الحكومة الجديدة القيام بها بعد تشكيلها، لافتاً إلى أنّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منفتح على الاقتراحات التي تنقل لبنان إلى مستقبل زاهر، مشيراً إلى أنّ القيادة السعودية تتطلع إلى لقاء قريب مع الرئيس عون لوضع أسس التعاون بين البلدين، ومعتبراً أنّه «على رغم من التحدّيات المشتركة التي تواجهنا في المنطقة إلّا انّ المملكة تنظر بالتفاؤل إلى مستقبل لبنان، في ظل النهج الإصلاحي الذي جاء في خطاب فخامة الرئيس بعد تنصيبه، حيث أنّ تطبيق هذه الإصلاحات من شأنه تعزيز ثقة شركاء لبنان به وفسح المجال لاستعادة مكانته الطبيعية في محيطه العربي والدولي».
ولدى مغادرته القصر الجمهوري قال بن فرحان: «بداية أعرب عن سروري للوجود في بيروت واللقاء مع فخامة الرئيس جوزاف عون. وقد نقلت لفخامته تهنئة وتحيات خادم الحرمين الشريفين وصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لمناسبة إنتخاب فخامته رئيساً للجمهورية، وتمنياتهما له بالتوفيق في قيادة لبنان لتحقيق ما يتطلع إليه شعبه من استقرار وتقدّم ورخاء».
أضاف: «لقد بحثت مع فخامته مستجدات الأوضاع في لبنان والمنطقة، وأكّدت له باستمرار وقوف المملكة إلى جانب لبنان وشعبه الشقيق. كما اعربت له عن إيماننا بأهمية الإصلاحات التي تحدث عنها فخامته في سبيل تجاوز لبنان لأزماته. وثقتنا كبيرة بقدرة فخامة الرئيس ودولة رئيس الوزراء المكلّف بالشروع في الإصلاحات اللازمة لتعزيز أمن واستقرار ووحدة لبنان». وتابع: «كما تطرّقت خلال حديثي مع فخامته إلى أهمية الالتزام باتفاقية وقف إطلاق النار، بما يشمل الإنسحاب الكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية. وأكّدت على أهمية تطبيق قرار مجلس الأمن 1701 والقرارات الدولية ذات الصلة». وختم: «على رغم من التحدّيات المشتركة التي تواجهنا في المنطقة إلّا انّ المملكة تنظر بالتفاؤل لمستقبل لبنان، في ظل النهج الإصلاحي الذي جاء في خطاب فخامة الرئيس بعد تنصيبه، حيث أنّ تطبيق هذه الإصلاحات من شأنه تعزيز ثقة شركاء لبنان به وفسح المجال لاستعادة مكانته الطبيعية في محيطه العربي والدولي. ونحن متفائلون بتكاتف القيادة اللبنانية لاغتنام الفرصة والعمل بجدّية لتعزيز أمن لبنان وسيادته والحفاظ على مؤسساته ومكتسباته».
عند سلام
وخلال لقائه سلام قدّم الوزير السعودي له التهنئة بتكليفه، واكّد «وقوف المملكة إلى جانب لبنان»، متمنياً على «اللبنانيين تغليب المصلحة العليا على المصالح الضيّقة والسير في الإصلاحات الضرورية».
ومن جهته رحّب سلام بالوزير بن فرحان. وأكّد أنّ «هناك فرصة استثنائية للبنان يجب عدم تفويتها، وإنني اعمل بالتعاون الكامل مع فخامة الرئيس على ذلك». واكّد عزمه «السير في الإصلاحات السياسية والقضائية والإدارية والمالية المطلوبة»، معرباً عن التزامه «بإعادة لبنان إلى محيطه العربي الطبيعي، واستعادة دوره إلى جانب أشقائه العرب».
جرس الإنذار
من جهة ثانية، وعشية انتهاء مهلة الشهرين لاستكمال الإنسحاب الاسرائيلي من لبنان، ووسط تلويح تل أبيب باحتمال تمديد «احتلالها» لبعض الأجزاء من المناطق الجنوبية الحدودية، رنّ «حزب الله» جرس الإنذار تحذيراً من تبعات تأجيل الانسحاب الكامل إلى ما بعد مهلة الـ60 يوماً.
وقال «حزب الله» في بيان اصدره امس «إنّ فترة الـ60 يوماً لانسحاب العدو الصهيوني من الأراضي اللبنانية بشكل نهائي شارفت على الانتهاء، وهذا ما يُحتّم عليه تنفيذاً كاملاً وشاملاً وفقاً لما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار». واضاف: «إنّ بعض التسريبات التي تتحدّث عن تأجيل العدو لانسحابه والبقاء مدة أطول في لبنان، تستدعي من الجميع وعلى رأسهم السلطة السياسية في لبنان، بالضغط على الدول الراعية للاتفاق، إلى التحرك بفعالية ومواكبة الأيام الأخيرة للمهلة بما يضمن تنفيذ الانسحاب الكامل وانتشار الجيش اللبناني حتى آخر شبر من الأراضي اللبنانية وعودة الأهالي إلى قراهم سريعاً، وعدم إفساح المجال أمام أية ذرائع أو حجج لإطالة أمد الاحتلال». واكّد «إنّ أي تجاوز لمهلة الـ60 يوماً يُعتبر تجاوزاً فاضحاً للإتفاق وإمعاناً في التعدّي على السيادة اللبنانية ودخول الإحتلال فصلاً جديداً يستوجب التعاطي معه من قبل الدولة بكل الوسائل والأساليب التي كفلتها المواثيق الدولية بفصولها كافة لاستعادة الأرض وانتزاعها من براثن الإحتلال». وختم: »إننا في الوقت الذي سنتابع فيه تطورات الوضع الذي من المفترض أن يُتوّج في الأيام القادمة بالانسحاب التام، لن يكون مقبولاً أي إخلال بالاتفاق والتعهدات، وأي محاولة للتفلّت منها تحت عناوين واهية، وندعو إلى الالتزام الصارم الذي لا يقبل أية تنازلات».