عندما اتصل الرئيس الأميركي جو بايدن برئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو قبل أيام وتحديداً يوم السبت الماضي، ليقول له عشية موعد وقف النار في غزة، «إنّ الحرب انتهت في القطاع، وما عليك سوى القيام بما هو مطلوب منك اليوم»، يُنتظر ان يكرّر الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب في اتصاله المرتقب بنتنياهو عشية نهاية مهلة الـ60 يوماً للانسحاب من الجنوب ليقول له «إنّ الحرب في لبنان انتهت أيضاً، وما عليك سوى القيام بما هو مطلوب منك اليوم». وعليه، ما الذي يوحي به هذا التناغم بين الإدارتين والرجلين؟
بهذه المعادلة البسيطة عبّرت مراجع ديبلوماسية وسياسية مطلعة، عن اقتناعها بأنّها وللمرّة الأولى تلاقت رؤيتا الديموقراطيين الذين غادروا البيت الابيض بكل الطاقم الديبلوماسي والسياسي والعسكري الذي رافق بايدن على مدى 4 سنوات مع تلك التي يعبّر عنها الجمهوريون العائدون إليه بعد استراحة دامت 4 سنوات، استعدّ خلالها زعيمهم ترامب للعودة المظفرة اليه، وكأنّه قد تركه بالأمس القريب في عطلة قصيرة لم تدم أكثر من 4 سنوات، ليستكمل ما كان قد بدأه في الولاية الأولى وخصوصاً في منطقة ملتهبة كمنطقة الشرق الأوسط، التي تعبت من مسلسل الحروب المتجددة بمعدل عقد او عقدين من الزمن على الأكثر، كانا يفصلان بين جولة وأخرى.
وعلى هذه الخلفيات، تضيف هذه المراجع، انّ ما جرى من تلاقٍ بين إدارتي الديموقراطيين والجمهوريين تجاه ما يجري في المنطقة، يؤكّد وجود ما يُسمّى «الإدارة العميقة» في واشنطن، والتي لا يمكن لأي ساكن في البيت الابيض سوى ترجمتها، سواء استلزمت تلك الخطة خوض الحرب أو الغوص بحثاً عن السلام، لأنّ المهم أن تصل اي عملية منهما إلى النتيجة عينها.
وتضيف هذه المراجع، انّ ما تريده الولايات المتحدة الاميركية منذ عقد، ملخصه تقليص النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، وإعادته إلى حدودها الجغرافية المعترف بها دولياً، اياً كانت التكلفة التي يمكن ان يدفعها اي طرف من أطراف النزاع. فكيف وإن كان الثمن الذي دفعته الولايات المتحدة الاميركية الملتزمة بأمن اسرائيل وحلفائها في المنطقة وصولاً إلى دول الخليج العربي باهظاً؟ ولا سيما تلك التي تتعلق بهيبتها العسكرية، والتي لا تريد ان ينافسها احد في نطاقها، وقد سبقت جميع دول العالم بأشواط بعيدة لا يمكن ان يقترب منها او يطاولها اي طرف آخر مهما بلغت قوته على مختلف المستويات العسكرية والديبلوماسية كما الاقتصادية والتجارية.
وانطلاقاً من هذه المعادلة التي رسمتها الادارة العميقة في واشنطن، فقد كان واضحاً انّ أي رئيس اميركي اياً كان انتماؤه الحزبي من بين الحزبين الكبيرين، ما عليه سوى العمل لتحقيقها بالآليات الواجب اعتمادها بما يتلاقى والظروف المتوافرة، لأنّ المهمّ الوصول إلى النتيجة المحتومة. وانّ السعي إلى ما يدل إليها ليس صعباً للغاية. فتنفيذ القرار الذي اتخذه ترامب عام 2018 بتجميد العمل بالتفاهم النووي بين طهران ومجموعة الـ «5+1» لم يكن ليُنفّذ وتحقيق أهدافه بغير الحرب التي جاءت إليه على «طبق من ذهب». فالنتائج التي ترتبت على عملية «طوفان الأقصى» في غلاف غزة وفي قلب الدولة العبرية، كان يمكن تطويقها واستيعابها بسرعة قياسية لا تتعدّى ساعات قليلة. وهي الفترة التي أجبرت فيها اسرائيل من توغلوا في غلاف القطاع وعمقها الآمن وصولاً الى 20 كيلومتراً، بطريقة هدّدت أمن وسلامة الجبهة الداخلية التي كانت تتغنى بها إسرائيل بعمقها الآمن، لو لم يلاقهم «حزب الله» بحرب «الإلهاء والإسناد»، التي أفقدت شمال اسرائيل وعمق الجليل الاعلى والساحل الشمالي ما كان ينعم به المستوطنون فيه من أمن وهدوء امتد منذ قيامها عام 1948، على رغم من مجموعة الحروب التي خاضتها في لبنان والتي لم تلامس يوماً الأراضي الفلسطينية المحتلة كما حصل العام الماضي.
وتقول المراجع عينها، انّ ما حصل في شمال اسرائيل ووسطها وجنوبها الذي شملته الصواريخ البعيدة المدى، وفّر الظروف الفضلى لاتخاذ القرار الكبير بإنهاء أذرع إيران في المنطقة التي بناها الحرس الثوري الإيراني على مدى اكثر من 40 عاماً في عدد من دول المنطقة وتحديداً في لبنان وسوريا وامتداداً إلى العراق شرقاً واليمن جنوباً وصولاً إلى الحدود الجغرافية لإيران.
ولذلك كله، استطردت المراجع عينها لتقول انّ الوقت قد حان لتثبت الإدارة الاميركية العميقة التي يمكنها ان تتحكّم بقرارات البيت الابيض، سواء كان ساكنه ديموقراطياً او جمهورياً، ان تنفّذ ما رسمته للمنطقة من خريطة جديدة جعلت كل دولها ومن بينها اسرائيل التي ضمّتها إليها قبل سنوات قليلة إلى نطاق المنطقة الاميركية الوسطى في الجيش الاميركي، وآن أوان ضمّ لبنان اليها، وهو ما انتهت اليه مجموعة الحروب الاخيرة في المنطقة بما فيها تلك الحروب المتقطعة التي عاشتها الضفة الغربية وغزة في السنوات العشر الأخيرة .
وبناءً على ما تقدّم، تنتهي المراجع لتقول انّ على الجميع أن يدرك انّ ما جرى في الأشهر الاخيرة جعل المنطقة تحت رقابة اميركية متشدّدة، وانّ على اسرائيل كما بقية الاطراف من الخصوم، التخلّي عن طموحاتهم الخاصة وانتظار الضوء الأخضر الاميركي والالتزام بما تعهدت به واشنطن منذ أن تمّ ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل وصولاً إلى التفاهمات الاخيرة لفرض الهدوء على الحدود البرية. وهي قالت انّ الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة ممنوع وفي جنوب لبنان محظور ايضاً. وما على تل ابيب او غيرها سوى الإذعان لما تقرّره الادارة الاميركية اياً كانت هويتها ديموقراطية او جمهورية وفق معايير موحّدة تسري على الجميع، وهو ما سيحصل ومن ضمن المِهل التي وُضعت في واشنطن لا في تل أبيب ولا في الضاحية الجنوبية لبيروت كما كان يعتقد البعض، ولا في أي عاصمة أخرى، وانّ المنطقة باتت بكل مكوناتها تحت الرعاية الأميركية المباشرة.