لبنان وأوليغارشية الطوائف: فرصة للخروج من دائرة الفساد والمحاصصة
لبنان وأوليغارشية الطوائف: فرصة للخروج من دائرة الفساد والمحاصصة
د. إسحاق أندكيان

أكاديمي وخبير في إدارة الأزمات الدوليّة

أتلانتا - الولايات المتّحدة الأميركيّة

Tuesday, 21-Jan-2025 06:50

جرت العادة عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية في الولايات المتحدة الأميركية، أن يُلقي الرئيس كلمة وداع، يتحدّث من خلالها إلى شعبه ويلخّص الإنجازات والإخفاقات في كافة المجالات خلال إدارته البلاد، ويتمنّى التوفيق للرئيس المقبل.

تماشياً مع هذه العادة الرئاسية، كان للرئيس جو بايدن كلمة نهار الأربعاء الماضي، تطرّق فيها إلى الأخطار المحدقة بالولايات المتحدة، مسلّطاً الضوء على تنامي الأوليغارشية في الإدارة القادمة للرئيس ترامب ومدى تأثير ذلك على الحياة الديموقراطية والحقوق الأساسية والحرّيات في الولايات المتحدة الأميركية.

 

وحذّر الرئيس بايدن من تنامي دور «المجمع الصناعي التكنولوجي»، في إشارة إلى تنامي دور شركات ومنصّات التواصل الإجتماعي والثراء الفاحش لكبار المسؤولين التنفيذيّين فيها في الحياة السياسية الأميركية من دون أن يسمّيهم.

 

طبعاً، أشار الرئيس بايدن بشكل غير مباشر إلى إيلون ماسك الذي أنفق حوالى 200 مليون دولار لدعم حملة الرئيس ترامب وجيف بيزوس مؤسّس وصاحب شركة «أمازون» التي تملك «أمازون برايم فيديو»، وحصلت على حقوق الترخيص الحصرية لبث الفيلم الوثائقي الجديد للسيدة الأولى ميلانيا ترامب وإصداره في دور العرض، بالإضافة إلى مارك زوكربيرغ الذي يسعى جاهداً إلى تحسين العلاقات مع ترامب قبل عودته إلى البيت الأبيض من خلال استضافته لحفل عشاء مع المانحين الجمهوريّين الأثرياء الأسبوع المقبل بعد حفل تنصيب الرئيس ترامب.

 

تعريف الأوليغارشية

بتعريف بسيط، الأوليغارشية مصطلحٌ سياسي من جذور يونانية، يعني أنّ قلّةً ثرية من الناس تحكم البلاد. إرتبط مصطلح «الأوليغارشية» في الآونة الأخيرة برجال الأعمال الروس بعد سقوط الإتحاد السوفياتي واستلام بوريس يلتسن زمام الحُكم في روسيا والسماح للمتموّلين ورجال الأعمال الأغنياء السيطرة على الحياة السياسية في روسيا، والاستحواذ على المقدّرات الإقتصادية في روسيا، مع ما رافق ذلك من فساد وصفقات مشبوهة وسرقات واختلاسات للمال العام. وكما انتشرت الأوليغارشية في روسيا بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، انتشرت أيضاً في لبنان - لكن بنكهة طائفية - عقب انتهاء الحرب الأهلية وتوقيع إتفاق الطائف.

 

الأوليغارشية بين الولايات المتحدة ولبنان

إذا ما انتهجنا المنهج القياسي أو اعتمدنا المقارنة والتبايُن بين الولايات المتحدة الأميركية ولبنان من زاوية الأوليغارشية، نجد أنّ الأوليغارشية في لبنان لها مفهوم آخَر معكوس.

في حين أنّ الأوليغارشية في الولايات المتحدة الأميركية تتمثل بدخول وتدخّل الأثرياء ورجال الأعمال في الحقل السياسي، نجد أنّ الأوليغارشية في لبنان تتمثّل بدخول أهل السياسة إلى حقل الأعمال والتجارة والصفقات بغطاء وستار طائفي ليغتنوا بسبب «السياسة»، فتتحوّل السلطة معهم إلى وسيلة للإثراء الشخصي عبر المحاصصة والفساد.

فالأوليغارشية في لبنان لها طعمٌ طائفي مع ما يصحبها من محسوبية ومحاصصة وفساد مشترك (الأوليغارشية الطائفية)، يغتني المرء عبرها بعد دخول المعترك السياسي لا العكس كما في الولايات المتحدة.

 

فرصة للخروج من الأزمة

مع انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتسمية القاضي والسفير نواف سلام رئيساً للحكومة، تلوح في الأفق فرصة حقيقية وجدّية لكبح جماح الأوليغارشية الطائفية والتخفيف - حتى لا نقول القضاء - من شهيّتها المفرطة وشراهتها على المحاصصة والفساد كما جرت العادة.

يظهر ذلك جلياً من خلال أداء الرئيسَين عون وسلام لغاية الآن، ومقاربتهما للإستحقاقات الدستورية، لا سيما الإستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة بحرفية ونجاح، بالإضافة إلى خطاب القَسَم للرئيس وخطاب قبول التسمية من قِبل الرئيس المكلّف، والدعم الدولي وإصرار المجتمع الدولي للإحاطة بلبنان سياسياً واقتصادياً.

الطبقة السياسية التقليدية التي خذلت اللبنانيّين لسنوات وتسبّبت بالإنهيار المالي والإقتصادي وضياع مدّخرات العمر للكثيرين، تبدو أمام تحدٍ حقيقي. فالمواطنون يطالبون بإصلاحات جذرية لا بسياسات ترقيعية كما جرت العادة. ولم يَعد بالإمكان الإستمرار بالنهج القديم؛ لأنّ الواقع الجديد يفرض محاسبة الفساد وإنهاء هيمنة الأوليغارشية الطائفية.

يبدو أنّ الرياح للسنوات الستّ المقبلة لن تجري كما يشتهيه أوليغارشيّو الطوائف. فكما يُقال بالإنكليزية: It is not business as usual anymore.

 

theme::common.loader_icon