بينما يستعد دونالد ج. ترامب لأداء اليمين الدستورية لفترة ولاية ثانية، يبدو أنّ كثيراً من العالم يخضع له، بينما يُعيد معارضوه المحبطون التفكير في المستقبل.
يتمّ الآن تشييد أكثر من 30 ميلاً من الأسوار المضادة للتسلّق في أنحاء العاصمة الوطنية. تُوضع الحواجز الخرسانية عند نقاط رئيسية، وقد أُغلقت بعض الطرق بالفعل أمام حركة المرور. وستملأ الطائرات المُسيَّرة سماء واشنطن.
لكن إذا بدت واشنطن وكأنّها منطقة حرب مجدّداً، فإنّ الشعور السائد لا يعكس ذلك بالضرورة. فعلى عكس المرّة الأخيرة التي أدّى فيها دونالد ج. ترامب اليمين الدستورية منذ 8 سنوات، حلّت المصالحة والخضوع محل التوتر الحاد والتحدّي الغاضب. لقد تلاشت «المقاومة» التي برزت في عام 2017، لتحلّ محلها «الاستقالة» في عام 2025.
يعكس المزاج العام قبل التنصيب الثاني لترامب مدى التغيّر الكبير الذي طرأ منذ تنصيبه الأول. يبدو أنّ معظم العالم يخضع إلى الرئيس الجديد. تدفّقَ عمالقة التكنولوجيا إلى «مارالاغو» لتقديم ولائهم، وبدأ المليارديرات في كتابة شيكات بملايين الدولارات للتنافس على حضور مراسم التنصيب. وبعض الشركات بدأت مسبقاً في التخلّي عن برامج المناخ والتنوّع لكسب وِدّ الإدارة الجديدة.
بعض الديموقراطيّين يناقشون التعاون مع الرئيس الجمهوري المستعاد في قضايا محدّدة، بينما يُعتقد أنّ بعض وسائل الإعلام تُعيد توجيه نفسها لإظهار مزيد من الاحترام. المعارضة الشعبية، التي دفعت مئات الآلاف من الأشخاص إلى شوارع واشنطن للاحتجاج على ترامب بعد يوم واحد فقط من تنصيبه في عام 2017، أنتجت نسخة أقل بريقاً يوم السبت الماضي.
واعتبر ديفيد أوربان، الاستراتيجي الجمهوري والمقرّب من ترامب أنّ «مقاومة الهاشتاغ تحوّلت إلى استسلام الهاشتاغ. قبعات القطط الوردية اختفت، وحلّت محلّها قبعات MAGA يرتديها السود والملوّنون».
المتظاهرون المصمِّمون الذين خرجوا في مسيرة «الشعب» يوم السبت، أكّدوا أنّهم يرفضون الاستسلام، لكنّ بعضهم تعاطف مع أولئك الذين عبّروا عن شعورهم بالإرهاق من فوز ترامب الأخير.
تساءلت ليزا كلارك (65 عاماً)، من مدينة أكرون بولاية أوهايو التي حضرت أيضًا مسيرة النساء في 2017: «لماذا يجب علينا أن نستمر في فعل ذلك؟ لكن، سنفعل. كنا هنا من قبل، وسنكون هنا مرّة أخرى إذا اضطررنا لذلك».
بالنسبة إلى اليسار التقدّمي والجناح المناهض لترامب في الحزب الجمهوري، فإنّ هذا التنصيب الثاني قلب جميع الافتراضات بعد 8 سنوات من القتال ضدّ ترامب. استراتيجياتهم ورسائلهم فشلت في إبعاده عن السلطة، والعديد منهم يشعر بالإرهاق والإحباط.
وأوضحت دونا برازيل، الرئيسة السابقة للجنة الوطنية الديموقراطية: «تعلّم القادة الديموقراطيّون أنّ التركيز على رجل واحد فشل في إحداث الفرق. إنّه أمر مرير، لكنّه ليس النهاية. سنعيد البناء. المقاومة ضدّ الترامبية لن تختفي أبداً، لكنّها ستظهر بشكل مختلف في فترة ترامب 2.0».
بالنسبة إلى فريق ترامب، يمثل هذا لحظة انتصار واحتفال. بعدما غادر ترامب منصبه قبل 4 سنوات منهزماً، ومتهماً مرّتَين، ويواجه احتمال تحقيقات جنائية عدة، لم يكن يبدو محتملاً أن يعود إلى البيت الأبيض بعد 4 سنوات فقط. لذلك، يشعر معسكره هذا الأسبوع بإحساس العدالة.
هذه المرّة، يصل ترامب إلى 1600 شارع بنسلفانيا، ليس كرئيس فاز بالكلية الانتخابية فقط، لكنّه خسر التصويت الشعبي، بل كرئيس منتصر في التصويت الشعبي، وإن كان بهامش من بين الأصغر منذ القرن الـ19.
وأضاف أوربان: «إذا كنتَ من أولئك الذين كانوا هناك في 2015، 2016، 2017، وأنت هنا اليوم، فأنت تشعر بالتبرير».
جزء من الخضوع الذي يظهر الآن تجاه ترامب من قِبل السياسيّين، الإعلام، وعالم الشركات ينبع من شعور أوسع بأنّ الرأي العام ربما كان أكثر دعماً لترامب ممّا كانوا يعتقدون.
أظهرت دراسة جديدة أصدرتها صحيفة «نيويورك تايمز» و»إيبسوس» يوم السبت أنّ العديد من الأميركيّين الذين لا يُحبّون ترامب يتفقون مع بعض تحليلاته لمشاكل البلاد ومع بعض سياساته البارزة، بما في ذلك الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الموثّقين.
وعليه، فإنّ المعارضين المحبطين يواجهون فترة من التأمّل الذاتي قبل العودة إلى الساحة. وأوضح باتريك جاسبارد، رئيس مركز التقدّم الأميركي: «الحقيقة المؤلمة لفوزه في التصويت الشعبي تتطلّب الكثير من التفكير الداخلي. الأمر مختلف لأنّنا فوجئنا عندما هَزَم ترامب وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في 2016، لكن لم نُفاجأ عندما هزم نائبة الرئيس كامالا هاريس في تشرين الثاني».
وأضاف «ردّ الفعل النشط يأتي عادة من صدمة للجسم - شيء يحدث، ويذهل الناس أو يربكهم أو يثير غضبهم، ويتحوّل هذا التفاعل الغريزي إلى حركة». وأشار إلى أنّ مشاكل بايدن السياسية وإصراره على الترشح لولاية ثانية قد استنزفت طاقة داعميه منذ فترة طويلة.