لا يبدو أنّ جدول كرة القدم المتوسع باستمرار يهدأ كثيراً، لكنّ طبيعته الممتدة تتيح فقط بعض الوقفات العرضية للتأمّل. شهد الأسبوع الماضي مناسبات كبيرة في كأس الرابطة وكأس الاتحاد الإنكليزي. وسيقدّم الأسبوع المقبل وضعاً غير مألوف للمسابقات الأوروبية في شهر كانون الثاني. برنامج الدوري الإنكليزي الممتاز في منتصف هذا الأسبوع تسلّل تقريباً من دون أن يلاحظه أحد، ومع ذلك تغيّر الكثير منذ الجولة الأخيرة من المباريات: مدربون جاءوا وذهبوا في وست هام يونايتد (خروج جولين لوبيتيغي ودخول غراهام بوتر) وإيفرتون (خروج شون دايك وعودة ديفيد مويز لفترة ثانية)؛ بداية نافذة انتقالات شتوية غير عادية في مانشستر سيتي؛ وحالة من القلق المتزايد في أرسنال قبل دربي شمال لندن.
مع اجتيازنا منتصف الموسم، كيف كان موسم 2024-2025 في الدوري الإنكليزي الممتاز؟
إذا كنت من مشجّعي ليفربول، فالإجابة ستكون على الأرجح مزيجاً من الحماس الحذر. نوتنغهام فورست؟ إثارة غير متوقعة. بورنموث، فولهام، أو برينتفورد؟ متعة. نيوكاسل يونايتد؟ أفضل بكثير ممّا كانوا عليه قبل 5 أسابيع. تشلسي؟ أسوأ بكثير ممّا كانوا عليه قبل 5 أسابيع. مانشستر سيتي؟ كابوس كنت تعتقد أنّه أصبح من الماضي البعيد. مانشستر يونايتد أو إيفرتون؟ كابوس ظل يُطارد الحاضر لفترة طويلة. ساوثهمبتون؟ تجربة قاسية. أرسنال أو توتنهام؟ محبط، بطرق مختلفة، لكن اسألهم مجدّداً بعد الساعة العاشرة مساء اليوم.
تأخذ بعض المواسم شكلها منذ البداية. لكن هذا الموسم كان أكثر غرابة. انحدار سيتي في أواخر عام 2024 هو أحد الأسباب، لكن هناك أسباباً أخرى. فريق تلو الآخر بدا مثيراً للإعجاب على مدار 4 أو 5 أسابيع قبل أن يتعثّر في الصعوبات. الثبات الوحيد - الإيجابي - جاء من ليفربول، وإلى دهشة الجميع، نوتنغهام فورست.
ماذا نقرأ في هذا؟ هل ليفربول قوي حقاً كما تُوحي صدارته المريحة؟ هل فورست، الذي يملك أقل نسبة استحواذ على الكرة في الدوري، جيّد كما تشير سلسلة انتصاراته الـ6 المتتالية؟ ماذا نفهم من معاناة سيتي؟ وهل كل هذا يعكس دورياً عالي الجودة، تنافسياً للغاية كما نطالب؟ أم أنّه دوري انخفضت معاييره؟
إحدى نتائج الحقبة الذهبية لسيتي تحت قيادة المدرب الإسباني بيب غوارديولا هو أنّها شوّهت التوقعات. جعلت من غير المألوف أمراً طبيعياً.
من بين أعلى 8 نقاط سُجِّلت في عصر الدوري الممتاز، جاءت 7 منها في المواسم الـ9 الماضية: سيتي 3 مرّات (بما في ذلك رقم قياسي بلغ 100 نقطة في موسم 2017-2018)، ليفربول 3 مرّات (واحد منها فقط أهدى اللقب) وتشلسي مرّة واحدة (تحت قيادة المدرب الإيطالي أنطونيو كونتي في موسم 2016-2017). الفريق الوحيد الآخر الذي تجاوز 91 نقطة في موسم من 38 مباراة في الدرجة الأولى كان تشلسي تحت قيادة المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو في موسم 2004-2005 (95 نقطة).
هذا الموسم، حتى الآن، يبدو أكثر... طبيعياً. على رغم من أنّ ليفربول يبدو مثيراً للإعجاب بقيادة المدرب الهولندي أرنيه سلوت، إلّا أنّه لا يمتلك الهيمنة عينها التي أظهرها عندما حصد 97 نقطة تحت قيادة المدرب الألماني يورغن كلوب في موسم 2018-2019 (لكنّه أنهاه بفارق نقطة خلف سيتي) و99 نقطة في الموسم التالي. ذلك الفريق، مع المصري محمد صلاح، البرازيلي روبرتو فيرمينو، والسنغالي ساديو ماني في الهجوم، كان لا يَرحم. أمّا الفريق الحالي، مع صلاح ينضمّ إليه أي اثنين من الكولومبي لويس دياز، الهولندي كودي خاكبو، البرتغالي ديوغو جوتا، والأوروغوياني داروين نونيز، يبدو أقل قوة قليلاً.
لكن هذا هو الحال أخيراً. بين موسم 2009-2010 و2015-2016، لم يتجاوز أي بطل للـ«بريميرليغ» علامة 90 نقطة. ثم جاءت فترة بين 2016-2017 و2019-2020 عندما فاز باللقب بمجموع نقاط بلغ 93، 100، 98، و99 نقطة. البطولات الـ4 المتتالية لسيتي بعد ذلك تُوّج بها بـ86، 93، 89، و91 نقطة. ظلّ المستوى مرتفعاً للغاية، لكنّ من حيث النقاط، لم يكن مرتفعاً كما أشار كلوب في عام 2019 عندما اعتبر أنّ ليفربول سيحتاج إلى أن يكون «مثالياً» إذا أرادوا أن يكونوا أبطالاً.
حالياً، يَسير ليفربول على مسار 92 نقطة - وهو مجموع نقاط يمكن لأرسنال وفورست، أقرب ملاحقيهم، الوصول إليه فقط إذا فاز في 17 مباراة وتعادل في واحدة من مبارياته الـ18 المتبقية. كما أنّه فاز بـ6 مباريات من أصل 6 في دوري أبطال أوروبا، متغلّباً على ريال مدريد الإسباني، ميلان الإيطالي، وباير ليفركوزن الألماني بين آخرين.
لكن كما أشار سلوت يوم الاثنين، إلى أنّه من السذاجة أن نتخيّل أنّ النصف الثاني من الموسم سيعكس ببساطة النصف الأول، مضيفاً: «هناك المزيد على المحك. هذا ما تشعر به أحياناً. لهذا ترى أحياناً نتائج صادمة أكثر في النصف الثاني من الموسم، لهذا نحتاج إلى التحسن».
المطاردون يأملون أن يتمكنوا من تقييد ليفربول، الذي تعادل 2-2 مع ضيفه مانشستر يونايتد في مباراته الأخيرة. فورست، الذي يؤدّي بشكل يفوق توقعات ما قبل الموسم تحت قيادة المدرب البرتغالي نونو إسبريتو سانتو، يأمل أن يُضعِف زخم المتصدّر في ملعب «سيتي غراوند» الصاخب والعاطفي.
كل وكلاء المراهنات في المملكة المتحدة لديهم ليفربول بالفعل بأقل الاحتمالات للفوز بالبطولة - وهي نظرة يشاركها نموذج التنبّؤ «السوبر كمبيوتر» من «أوبتا»، الذي يُقدّر فرصهم بنسبة 88,9%.
لكن حتى أكثر مشجّعيهم تفاؤلاً قد يرى بأنّ هذا يبدو متسرّعاً بعض الشيء نظراً لأنّهم سيواجهون رحلات إلى ملاعب 8 من أصل الفرق الـ10 المصنّفة تحتهم مباشرة في الجدول حالياً. يمكن لكل من سيتي وأرسنال أن يشهدا على صعوبة الرحلة إلى بورنموث. في كلتا الحالتَين، كان من الصعب تجاوز النكسات غير المتوقعة في ملعب «فيتاليتي».
معاناة سيتي كانت شديدة للغاية، إذ فاز بمباراة واحدة فقط من أصل 13 في جميع المسابقات بين أواخر تشرين الأول وأواخر كانون الأول، لدرجة أنّ «أوبتا» قدّرت فرصهم في الفوز بلقب الدوري الخامس على التوالي بنسبة 0,2%. وكان غوارديولا أقل تفاؤلاً حتى: «لا فرصة».
المدرب الإسباني ميكيل أرتيتا لن يقبل الحديث عن تراجع في معايير أرسنال، لكنّه يُقرّ بأنّ فريقه جعل نفسه في موقف صعب للغاية، وأنّه يجب عليه التأكّد من أنّه جاهز للاستفادة: «علينا أن نستمر مثل المطرقة، أن نكون هناك كل يوم، كل يوم، كل يوم» إذا تعثر ليفربول. حتى الآن في عام 2025، لم يبدو فريقه جاهزاً لتحقيق هذا الجانب من الصفقة.
كيف هي قوة الـ»بريميرليغ» حالياً؟ الإجابة المعتادة، في أي موسم معيّن، في أي نقطة من التاريخ، هي أنّه ليس قوياً، تنافسياً، أو ممتعاً كما كان عليه سابقاً - وجهة نظر حتمية، مَصحوبة برائحة الحنين العذبة، لكنّها تتعارض مع حقيقة القوة المالية المتزايدة للدوري، بالتالي القوة على أرض الملعب.
أرتيتا: «علينا أن نستمر مثل المطرقة، أن نكون هناك كل يوم، كل يوم، كل يوم» إذا تعثر ليفربول».