كل شيء سيَجْهز قبل 27 كانون
كل شيء سيَجْهز قبل 27 كانون
طوني عيسى
Tuesday, 14-Jan-2025 07:07
ثمة من يجزم بأنّ لبنان، قبل 27 كانون الثاني، ستكون له حكومة وتبدأ ممارسة مهمّاتها، إذ من دون حسم ملف الحرب مع إسرائيل ومصير اتفاق وقف النار لا يمكن تنفيذ أي عنوان من خطاب القَسَم.

ليس مصادفةً ما فعلته إسرائيل في الأيام التي سبقت انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وما فعلته عشية الاستشارات النيابية. ففي الحالين، ضبطت خطواتِها على الإيقاع السياسي اللبناني.

 

للإيضاح، كانت إسرائيل قد نجحت، تحت وطأة النار والقتل والتدمير، في فرض اتفاق لوقف النار غير متكافئ عملياً، ولو بدا النص الحرفي متوازناً.

 

فالفقرة 4 من الاتفاق، التي تنص على حق كل من الطرفين في الدفاع عن نفسه، تخدم واقعياً إسرائيل لا لبنان، لأنّها هي الطرف القادر فعلاً على استئناف الحرب والتمادي فيها فيما لبنان يتلقّى الضربات صامتاً، كما هو حاصل منذ نحو شهر ونصف شهر. فالإسرائيليون يفرضون وضعية الـ«ميني حرب» في الجنوب، منذ إعلان وقف النار، لكنهم ربما منحوا لبنان فرصة ليلتقط الأنفاس في الفترة التي جرت فيها الانتخابات الرئاسية. ثم عادوا، قبل ساعات من تسمية رئيس جديد للحكومة، إلى التذكير باستعدادهم لاستئناف الحرب في شكل مفاجئ وعنيف. وقد شملت غاراتهم ليل الأحد ـ الاثنين مناطق في شمال الليطاني لا جنوبه، في مناطق الجنوب والبقاع، وأطلقوا العنان لطائراتهم الاستطلاعية للتحليق بشكل نافر فوق العاصمة.

 

الرسائل السياسية لسلوك إسرائيل هي أنّها تنتظر من الحكومة اللبنانية أن تترجم التزاماتها الواردة في اتفاق وقف النار عملياً، لجهة سحب السلاح غير الشرعي، لكنها لن توقف الحرب قبل أن يتحقق هذا الهدف. بل إنّها ستواصل اعتماد هذا السلوك، بعد انتهاء مهلة الـ60 يوماً، إذ ستواصل توجيه ضرباتها، وبشكل استنسابي، إلى أي موقع تختاره في أي منطقة من لبنان، جنوب الليطاني وشماله. بل إنّها ربما تتعمد الإبقاء على احتلالها لبعض النقاط عند الحدود، متذرّعة بعدم التزام الجانب اللبناني.

 

لكن العامل الإيجابي في كل هذه المعمعة هو موقف واشنطن. فإدارة الرئيس دونالد ترامب التي تستعد للانطلاق في الحكم مطلع الأسبوع المقبل تصرّ على نجاح اتفاق وقف النار وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية. ولكن، واقعياً، لا تستطيع واشنطن منع إسرائيل من تنفيذ عمليات عسكرية في لبنان، ولو بعد انتهاء المهلة، إذا برّرتها بتقديم تقارير مسبقة إلى لجنة المراقبة التي يرئسها أميركي، كما تفعل اليوم.

 

ولذلك، قد تجد واشنطن نفسها أمام خيار تمديد المهلة شهراً أو اثنين، لئلا يضطر الجميع إلى الاعتراف بفشل اتفاق وقف النار. لكن هذا التمديد ليس خياراً مفضّلاً لدى ترامب المستعجل، لأنّه سيعوق انطلاق الورشة التي يجهز لها في لبنان وسائر الشرق الأوسط، والمبنية على منطق إنهاء الحروب وإطلاق الصفقات الكبرى. وهذا ما يبرر اليوم الضغوط التي تمارسها واشنطن، في لبنان كما في غزة، لإطفاء النار والتحضير للتسويات السياسية في غضون أيام قليلة.

 

واستناداً إلى رؤية واشنطن، يمكن إدراك الدور الذي تضطلع به في عملية إعادة بناء السلطة في لبنان. وبعدما نجحت في إيصال العماد جوزاف عون إلى موقع رئاسة الجمهورية، ببرنامج طموح جداً ويلبّي متطلبات المرحلة، هي تريد بالمستوى إياه من الإصرار تشكيل حكومة العهد الأولى بمواصفات مماثلة، والانطلاق في تنفيذ عناوين خطاب القسَم، من دون تأخير. وتعتبر واشنطن أنّ التزام الحكومة اللبنانية تنفيذ اتفاق وقف النار بكل مندرجاته سيؤدي تلقائياً إلى خروج إسرائيل من لبنان ووقف عملياتها العسكرية نهائياً. ولذلك، سيبذل الأميركيون ما في وسعهم، ومعهم سائر أركان الخماسية، لدفع الحكومة اللبنانية إلى التزام التنفيذ بشكل فعلي وكامل. وهذا الأمر سيكون الشرط المطلوب التزامه لمساعدة لبنان على النهوض.

 

من هذه الزاوية، يمكن القول إنّ نجاح عملية إعادة بناء السلطة والمؤسسات في لبنان مربوطة عضوياً بنجاح مسار وقف النار وتنفيذ القرارات الدولية، واستطراداً، بتكريس فك الارتباط بين لبنان ومحور طهران، والانفتاح فعلاً على الغرب ودول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية. وهذا الأمر بات سهل التحقيق بعد سقوط نظام الأسد في سوريا وقطع خط الإمداد الذي كان قائماً بين طهران وبيروت عبر دمشق وبغداد.

 

ووفق هذه الرؤية الطموحة، سيتمّ دعم الحكومة التي سيشكّلها الدكتور نواف سلام، والتي يفترض أن يتمّ اختيار وزرائها وإقرار بيانها الوزاري وتنال ثقة المجلس النيابي بمواصفات خطاب القَسَم الذي يحظى بتغطية عربية ودولية غير مسبوقة.

 

فالحل في لبنان هذه المرّة سيكون جزءاً من المتغيّرات المفصلية التي سيجري تكريسها بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وتشمل الشرق الأوسط بكامله، ولا سيما الملف الإيراني، كما تشمل الحرب التي طال أمدها بين روسيا وأوكرانيا. وثمة من يتوقع أن يدير ترامب «مقاصّة» يتمّ فيها إبرام الصفقات وتبادل المصالح والمكاسب بين القوى الإقليمية والدولية. وسيكون من الحكمة أن يجد لبنان موقعاً له في هذه «المقاصة»، لئلا يذهب «فَرْق عملة».

theme::common.loader_icon