جنود إسرائيليون في إجازة يخضعون للتحقيق في جرائم حرب بغزة
جنود إسرائيليون في إجازة يخضعون للتحقيق في جرائم حرب بغزة
أماندا تاوب- نيويورك تايمز
Friday, 10-Jan-2025 06:18

غادر جندي احتياطي إسرائيلي البرازيل على عجل هذا الأسبوع، بعدما أمر قاضٍ برازيلي بفتح تحقيق حول ما إذا كان قد ارتكب جرائم حرب في غزة. وساعد مسؤولو القنصلية الإسرائيلية الجندي، يوڤال فاغداني، على مغادرة البلاد يوم الأحد، بعدما أصبح الأمر علنياً. وجاء ذلك بناءً على شكوى جنائية قدّمتها منظمة غير ربحية مقرها بلجيكا تُعرف بـ»مؤسسة هند رجب»، التي «تركّز على اتخاذ إجراءات قانونية ضدّ مرتكبي ومساعدي ومحرّضي جرائم الحرب وجرائم ضدّ الإنسانية في فلسطين».

أعلنت القوات العسكرية الإسرائيلية يوم الأربعاء أنّها لن تكشف عن أسماء الجنود في وسائل الإعلام «خوفاً من اعتقال الجنود في الخارج». ونُشِر فاغداني في غزة بعد هجمات 7 تشرين الأول 2023 التي نفّذتها «حماس»، وأدّت إلى غزو إسرائيل للمنطقة في حملة لهزيمة وتدمير «حماس».

وفقاً لشكوى مؤسسة «هند رجب»، نشر فاغداني مقاطع فيديو وصوراً على وسائل التواصل الاجتماعي من غزة، تظهر أنّه دمّر منازل مدنية ومباني أخرى. وتزعم المجموعة أنّ هذه الأعمال كانت محاولة منهجية لفرض ظروف معيشية لا تُحتمل على المدنيّين، في انتهاك للقانون الدولي.

قرّر قاضٍ برازيلي أنّ الاتهامات تستحق التحقيق، وأحال القضية إلى الشرطة الفيدرالية. وقُدِّمت شكاوى جنائية مماثلة ضدّ جنود إسرائيليّين كانوا في إجازة في الأشهر الأخيرة في قبرص، سريلانكا، الأرجنتين وتشيلي.

وصل فاغداني إلى إسرائيل الأربعاء، ولم تتمكن صحيفة «التايمز» من الوصول إليه للتعليق.

في مقابلة مع «كان»، هيئة البث الإسرائيلية العامة، أقرّ بأنّه نشر فيديو يظهر تدمير مبنى: «هذا ما رأوه وأرادوا التحقيق معي بشأنه. حوّلوا الأمر من منزل واحد إلى 500 صفحة، وظنّوا أنّني قتلت آلاف الأطفال ومَن يعلم ماذا بعد».

وذكر فاغداني أيضاً في حديثه لـ«كان» أنّه كان في مهرجان الموسيقى «نوفا» بالقرب من حدود غزة يوم 7 تشرين الأول ونجا من المذبحة هناك.

قلّل المسؤولون الإسرائيليّون من أهمية هذه القضايا، مشيرين إلى أنّ أياً من الشكاوى الجنائية لم تؤدِّ إلى اعتقالات. وأوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، المقدّم نداف شوشاني: «نفهم أنّ جزءاً من هذه الظاهرة مدفوع من قِبل نشطاء مؤيدين للفلسطينيّين ويستند إلى معلومات مفتوحة المصدر».

تشمل الأساليب المفتوحة المصدر المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تستخدمها الآن المجموعات المؤيدة للفلسطينيّين كأدلة لطلب توجيه اتهامات جنائية ضدّ الجنود عند سفرهم للخارج.

الاختصاص القضائي العالمي

يمكن أن تفتح وسائل التواصل الاجتماعي والسياحة الدولية، إلى جانب قانون دولي قديم، ساحة جديدة في القانون الجنائي الدولي.

الاختصاص القضائي العالمي، وهو أحد أقدم المبادئ في القانون الدولي، ينص على أنّ هناك جرائم معيّنة خطيرة للغاية، لدرجة أنّه يمكن لأي دولة في العالم فتح قضية جنائية ضدّ مرتكبيها. في القرن الـ18، استُخدِم هذا المبدأ في الجرائم مثل القرصنة؛ وفي الآونة الأخيرة، استُخدِم لمحاكمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب.

اعتمدت إسرائيل على الاختصاص القضائي العالمي لمقاضاة أدولف آيخمان، مسؤول نازي بارز، عن جرائم ضدّ الإنسانية ارتُكبت خلال الهولوكوست. واعتمدت إسبانيا عليه للمطالبة بتسليم أوغوستو بينوشيه، الديكتاتور التشيلي السابق، لمواجهة اتهامات بالتعذيب وجرائم أخرى. وفي أمثلة أكثر حداثة، اعتمدت دول أوروبية عدة على هذا المبدأ لمحاكمة مسؤولين سوريّين عن جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية. وحاكمت بلجيكا أشخاصاً روانديّين بتهمة المشاركة في الإبادة الجماعية عام 1994.

على مدى عقود، كانت هذه القضايا نادرة نسبياً، وتركّزت على المسؤولين الكبار. وأوضح يوفال شاني، أستاذ القانون الدولي في الجامعة العبرية في القدس: «كان هناك مَيل للتركيز على المستويات العليا لزيادة التأثير، وأيضاً لأنّ السلوك على المستويات العليا يكون أحياناً موثقاً بشكل أفضل مقارنةً بالمستويات الأدنى».

كان من الصعب على المدّعين المحليّين سابقاً الحصول على أدلة على جريمة حرب ارتُكبت في دولة أخرى. وتغيّر ذلك مع وسائل التواصل الاجتماعي. فاعتبر شاني: «تكنولوجيا المعلومات تسدّ الفجوة، لأنّك بمجرّد أن توثق نفسك ترتكب جريمة حرب، يُصبح من الأسهل مقاضاتك حتى في محكمة على بُعد نصف العالم».

ويرى الخبراء أنّ الجنود الإسرائيليّين نشروا مقاطع فيديو وصوراً لهم في غزة يظهرون فيها وهم يقومون بأعمال يمكن تفسيرها كأدلة على جرائم خطيرة، بما في ذلك تدمير منازل وممتلكات مدنية، والدعوة لطرد أو إبادة الفلسطينيّين.

على رغم من أنّ مقاطع الفيديو على وسائل التواصل يمكن إخراجها من سياقها أو تفسيرها بشكل خاطئ، وأنّ إسرائيل اتهمت «حماس» باستخدام البنية التحتية المدنية لأغراض عسكرية، يضيف شاني: «بعضها يبدو سيئاً للغاية. هناك إمكانية للمساءلة بدرجة لم نشهدها من قبل في الحروب، ببساطة لأنّه كان من الصعب جداً سابقاً إنتاج أدلة».

لكن على رغم من أنّ أدلة وسائل التواصل قوية، إلّا أنّها غير كافية بمفردها لتأمين إدانة ناجحة، كما أوضحت ريبيكا هاميلتون، أستاذة القانون في الجامعة الأميركية ومحامية سابقة في مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية: «منشور على وسائل التواصل الاجتماعي لا يكفي لإنشاء قضية جرائم حرب».

استراتيجية قانونية جديدة

تزعم مؤسسة «هند رجب» أنّها جمعت أدلة ضدّ حوالى 1000 جندي إسرائيلي. وتتابع أيضاً رحلاتهم الخارجية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعندما ينشرون عن عطلاتهم، تقدّم بسرعة شكاوى جنائية إلى الدول التي يزورونها.

وأكّد دياب أبو جهجاه، رئيس المؤسسة: «نحن لا ننظم حملة ملاحقة ضدّ الجنود الإسرائيليّين. نقدّم القضايا ضدّ الجنود الذين لدينا أدلة على أنّهم مسؤولون شخصياً عن جرائم حرب».

على عكس القادة الأعلى رتبة، لا يتمتع الجنود العاديون عادة بالحصانة الديبلوماسية أو الموارد اللازمة للتحقق من الاختصاصات التي قد تعرّضهم إلى خطر الشكاوى الجنائية.

بالطبع، تقديم شكوى جنائية من قبل منظمة غير حكومية ليس الأمر عينه الذي يدفع فيه مدّعٍ عام باتهامات فعلية، ناهيك عن الاعتقالات أو الإدانة.

اتخذت الحكومة الإسرائيلية إجراءات توحي بأنّها قلقة بشأن الشكاوى الجنائية. وشكّلت الحكومة، التي تصرّ على أنّ قواتها في غزة عملت وفقاً للقانون الدولي، فريقاً بين الوكالات لتقييم المخاطر القانونية للجنود والاحتياط في الخارج. وأصدرت وزارة الخارجية أخّيراً تحذيراً عاماً للإسرائيليّين بأنّ منشوراتهم على وسائل التواصل يمكن استخدامها لرفع دعاوى قانونية ضدّهم في دول أخرى.

قد لا تحتاج هذه القضايا للوصول إلى قاعة المحكمة أو حتى إلى اعتقالات لتؤثر. احتمال أن يكون الجنود غير قادرين على السفر للخارج من دون خطر السجن هو أمر قد تجده العامة غير مقبول.

وأكّد شاني: «السفر للخارج مهمّ جداً للإسرائيليّين. لذلك أعتقد أنّ هناك فكرة بأنّه خطر غير مقبول، وأنّ الحكومة/الجيش يجب أن يتدخّلوا لإنهاء الأمر».

theme::common.loader_icon