شراكات جيو- طاقوية ترسم مستقبل لبنان البترولي
شراكات جيو- طاقوية ترسم مستقبل لبنان البترولي
د. باسكال مزهر

باحثة في مجال إدارة قطاع النفط والغاز في مركز المشرق للدراسات والأبحاث

Thursday, 09-Jan-2025 06:21

يتوقّع أن تساهم الإكتشافات البترولية في منطقة شرقي البحر المتوسط، في زيادة جاذبية الإستثمار والتجارة في المنطقة، خصوصاً في ظل قربها من أسواق الإستهلاك الرئيسة في العالم، ونظراً لسهولة نقل الإمدادات، لاسيّما الغاز الطبيعي من مناطق الإنتاج إلى الأسواق، التي ستشهد في السنوات المقبلة طلباً متزايداً على هذه المادّة، بسبب منافعها العديدة. الأمر الذي سيعطي دفعة قوية لتجارة الغاز الطبيعي بنوعيها الأنابيب والمسال، خصوصاً في ظل تبدّل موازين القوى المستمر في المنطقة.

من هنا لا بُدّ من التطرّق إلى سلسلة مشاريع أنابيب الغاز الإقليمية والدولية وتأثيرها على واقع النفط والغاز في لبنان. فأين موقع لبنان من هذه المشاريع؟ وما هي التحالفات التي ستؤثر على تصدير الغاز اللبناني، خصوصاً في منطقتَي البحر الأسود - البلقان والشرق الأوسط؟

خط أنابيب East Med
إنّ أبرز المشاريع في هذا المجال وأكثرها جدّية يتمثّل بإنشاء تحالف إقليمي للطاقة في سبيل التخطيط لتصدير الغاز عبر البحر المتوسط إلى اليونان. في هذا الإطار، وقّعت كل من اليونان وإسرائيل وقبرص في كانون الثاني 2020، اتفاقاً لبناء خط أنابيب بحري لنقل الغاز الطبيعي من الحقول البحرية في شرق المتوسط إلى أوروبا عبر اليونان، على أن يُربط بمجموعة من خطوط أنابيب الطاقة في إيطاليا. ومن شأن المشروع أن يخفّف من اعتماد القارة الأوروبية على الغاز الروسي.
لخط أنابيب East Med، عند اكتماله، تأثير مباشر على تصدير الغاز اللبناني، إذ سيعرقل حرّية لبنان في التحرّك مع دول الجوار لتصريف غازه في حال لم ينضمّ إلى هذا المشروع.

مشاريع الغاز الروسية
أنشأت روسيا خط السيل الشمالي (Nord Stream) بهدف تغذية الجزء الشمالي من القارة الأوروبية، ويمرّ عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا. أمّا خط «السيل الجنوبي» (South Stream)، فكانت روسيا تنوي تنفيذه في البحر الأسود بهدف نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، لكن توقف العمل به.
وكبديل عن هذا الخط، دشّنت روسيا وتركيا خط الغاز «السيل التركي» (تورك ستريم) عام 2020، ومن شأنه نقل الغاز الروسي إلى تركيا ومنها إلى السوق الأوروبية عبر البحر الأسود.
إنّ اهتمام روسيا بشرق المتوسط، ولاسيما بلبنان، يعود في جزء منه إلى رغبتها في ترسيخ وجودها في المنطقة، ممّا يضعها في موقف المواجهة مع أي مشروع إقليمي لتصدير الغاز إلى أوروبا.

مشاريع الغاز الأميركية
إنّ خط أنابيب الغاز «نابوكو» هو مشروع أميركي أُلغيَ لاحقاً. فهو يبدأ من آسيا الوسطى، ليمتدّ عبر جورجيا وأذربيجان إلى تركيا ويتجاوز اليونان ليمرّ إلى بلغاريا ويصل إلى المصبّ في النمسا ومنه إلى باقي دول أوروبا. من جهة أخرى، فإنّ مشروع خط أنابيب «باكو تبيليسي جيهان» (BTC pipeline) أُنشئ بدعم أميركي، ومن أبرز أهدافه نقل النفط من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط. ويبدأ هذا الخط من مدينة باكو الأذربية ويمرّ عبر تبيليسي في جورجيا، وصولاً إلى ميناء «جيهان» في تركيا.
ويُعتبر مشروع إنشاء خط «نابوكو» المحرّك الرئيسي للأزمة في المنطقة، فهو تعرّض سابقاً لنكسات عدة أدّت إلى وقف العمل به. فنجاح هذا المشروع كان يعوّل على سقوط نظام «بشار الأسد» الذي تمّ في كانون الأول 2024. بذلك، تبقى العقبة الأخيرة أمام «نابوكو» متمثّلة بمعارضة النظام الإيراني الواقع حالياً أمام تحدّيَين، الأول إمكانية سقوطه والثاني «تجرّع كأس السمّ» مرّة أخرى.
في كلتا الحالتَين هناك حديث جدّي داخل أروقة الإدارة الأميركية الجديدة يقضي بوصل خطوط الغاز والنفط تبعاً لتبدّل موازين القوى الجديدة في المنطقة. وتُدرس إمكانية ربط خط «نابوكو» وخط أنابيب «باكو تبيليسي جيهان» بالإضافة إلى خط أنابيب دول «حلف بغداد» السابق، الأمر الذي يمهّد لإعادة إطلاق «حلف بغداد» جديد، لكن هذه المرّة على المستوى الطاقوي.

مشاريع الغاز التركية
تُعتبر تركيا لاعباً إقليمياً أساسياً على مستوى الطاقة وخطوط إمدادها. فبالإضافة إلى شراكتها مع موسكو على مستوى خط «السيل التركي»، تحتل تركيا موقعاً مهمّاً في مشروعَي خطوط أنابيب «باكو تبيليسي جيهان» النافذ و»نابوكو» المحتمل، لأنّهما يمرّان عبر الأراضي التركية.
بذلك تسعى أنقرة للتحوّل إلى مركز ليس إقليمياً فقط وإنّما دولي للطاقة، ما يدفعها إلى تعزيز وجودها في المنطقة، لاسيّما في شرقي المتوسط، حيث تتجلّى مشاريعها الطاقوية والعسكرية في كل من ليبيا وقبرص التركية.

مشاريع الغاز العربية
بدورها، تسعى دول عربية إلى إحياء مشاريع أنابيب لتصدير الغاز عبر المنطقة. وساهمت التغيّرات المتتالية في كل من سوريا ولبنان وفلسطين والعراق بتشجيع تلك القوى على البدء بالتخطيط لرسم تحالفات طاقوية في ظل تبدّل موازين القوى الحالية والمستقبلية.

خط الغاز القطري
بعد سقوط نظام «بشار الأسد» في سوريا، عاد الحديث عن إعادة إحياء «خط أنابيب قطر» لإيصال الغاز إلى أوروبا، وهو مشروع يبدأ من قطر ويمرّ بكل من السعودية والأردن وسوريا وصولاً إلى تركيا ومنها إلى القارة الأوروبية. ففي حينه رُفِض هذا المشروع من قِبل النظام السوري السابق بإعتبار أنّه ينافس إيصال الغاز الروسي إلى أوروبا.

الخطوط السعودية
بدورها، تسعى شركة النفط الوطنية السعودية (أرامكو) إلى إطلاق «مشروع حقل الشيبة» الواقع في صحراء الربع الخالي، والمتعلّق بتوسعة حقل النفط الخام بالإضافة إلى إستخلاص سوائل الغاز الطبيعي، هدفاً منها لتلبية الطلب العالمي على مصادر الطاقة.
في ما يخصّ خط أنابيب «التابلاين»، يمكن للبنان الدخول في شراكة إقليمية مع السعودية من خلال هذا الخط الذي يصل «القيصومة» في السعودية بصيدا في لبنان عبر الأردن، والذي أُغلِق وأوقِف العمل به في الثمانينات.

خط أنابيب «كركوك - بانياس»
يرى العراق ضرورة إعادة إحياء خط أنابيب «كركوك - بانياس» بهدف تنويع طرق تصدير النفط الخام من خلال تخفيف الإعتماد على خط الأنابيب التركي «جيهان»، وبالتالي توسيع نطاق الوصول إلى الأسواق الأوروبية والمتوسطية.
هذا الخط الذي اكتمل بناؤه في العام 1934، كان ينقل النفط الخام من الحقول العراقية الشمالية في «كركوك» عبر سوريا إلى ميناء طرابلس في لبنان وميناء بانياس في سوريا.

للبنان إمكانية اختيار الوجهة
في المحصّلة، إنّ الإهتمام الدولي، لاسيما الأميركي بالثروة البترولية اللبنانية يذهب إلى دراسة مدى إمكانية ربط غاز شرق المتوسط ومن بينه الغاز اللبناني بهذه الخطوط الرئيسة المنوي إنشاؤها، بهدف تأمين نقل الغاز بكمية كافية إلى القارة الأوروبية.
فمن بين المشاريع المتفرّقة، على لبنان وبعد التثبّت من حجم ثروته البترولية ودراسة الجدوى الإقتصادية من بيع الفائض من الغاز الطبيعي، الدفع جدّياً نحو قيادة سلسلة مشاورات مع القوى المعنية إقليمياً ودولياً. بإعتبار أنّ للبنان إمكانية إختيار الخط أو الخطوط التي من الممكن أن يشبك بها بهدف بيع غازه التي تحقّق أقصى منافع إقتصادية ومالية لأبنائه. فهل سينجح لبنان بهذه المهمّة؟

theme::common.loader_icon