أمثلة وعادات وتقاليد الميلاد والغطاس
أمثلة وعادات وتقاليد الميلاد والغطاس
دكتور جان توما
Monday, 06-Jan-2025 06:41

في مثل هذه الأيام الميلادية تكرّ عند العامة أمثلة شعبية مستقاة من واقع حال الطقس الذي لا يقصّر في التقلّب بين الكانونَين، خصوصاً أنّ أهل البحر يعرفون، وفق تقلّبات الموج والريح، كيف يكون الطقس في اليوم التالي، لذا جاء المثل «الميلادي» القائل: «بين الغطاس والميلادي، إياك تسافر يا غادي». طبعاً لا يُخفى على اللبيب تركيب هذا المثل والموازنة في الإيقاع بين «الميلادي» و»الغادي» ليستقيم المثل ويصير سائراً بين العموم وعبر الأيام، فالميلاد يسبق الغطاس وليس العكس، لكن يحقّ للقوّال ما لا يحقّ لغيره.

أمّا المثل الثاني، الذي يشبه المثل الأول في مضمونه لكنّه يصحّح وقوعات العيدَين، فيقول: «من المولود للمعمود بتوقف المَي عمود»، وهذا المثل يُضرب في شدّة البرد بين هذَين العيدَين، فيتحوّل الماء إلى جليد.

وقد ذهبت أقوال العامة إلى تحديد فعلي لواقع الطقس، عبر التجربة، فرأت أنّه بين عيدي الميلاد والغطاس يفضّل البقاء في البيت وعدم مغادرته تحسباً لتغيّر الطقس وشدّة القرّ.

 

لذلك يأتي المثل الثالث: «بين المولد والمَقْدِّس عند جارك لا تْقَرفِص، وإن قَرْفَصت لا تْبات، بتصبح عليك الثلج قامات». و«تبات» تعني «تبيت» و«قامات» أي مرتفعة بمقدار عدّة قامات وهي جمع قامة. هذا المثل يُضرب لدلالة مُناخية، بمعنى أنّ الأمطار الغزيرة والثلوج تتكاثر بين هذَين العيدَين، وتنقطع الطرق.

 

ولعيد الغطاس سلسلة من التقاليد الشعبية الراسخة، ومنها أنّ السيد المسيح يمرّ على المنازل عند منتصف الليل، فيبارك الأسر التي تكون في انتظاره، أي ساهرة حتّى منتصف الليل، ومن المعتقدات أيضاً أنّ الأشجار عامة تركع للمسيح عند مروره، ما عدا شجرة التوت، والبعض يقول شجرة التين، لذلك يأخذون من جذوعها شظايا لمواقدهم في تلك الليلة، عقاباً لها. من هنا جاء المثل الشعبي «ليلة الغطاس المسيح بيمرق ع كلّ البيوت وبيقول دايم دايم، وكلّ الشجر بيركع ما عدا التوت».

 

هذا في القرى، أمّا في المدن الساحلية، فإنّ تقليداً ما زال ساريا وخصوصاً عند العجائز، وهو أنّهم يعمدون عند منتصف ليل الغطاس إلى ملء وعاء من ماء البحر، يغسلون به أعيُنهم اعتقاداً منهم أنّ ماء البحر يحلو في منتصف هذه الليلة المباركة.

 

أمّا حلوى ليلة الغطاس وهي الأهمّ، فتقوم على صنفَين: العوّامة والقطائف. فالعوّامة ترمز إلى معمودية السيد المسيح في نهر الأردن، وهي مادة لزجة مصنوعة من الماء والطحين والخميرة، توضع على شكل كرات، وتسقطها ربّة البيت في طنجرة من الزيت المغلي، فتغرق ثم تخرج طيّبة المذاق وسهلة الاستساغة بعد مزجها بالقطر.

 

أمّا القطائف، فهي عبارة عن قطعة ناعمة من الطحين يوضع بداخلها لوز وزبيب وتخضع إلى القلي لتُعمَّد بعدها بالقطر المُحلى.

 

واستكمالا للعيدَين يُفضّل أن تكون الحلوى ولون الطعام في ليلة رأس السنة الميلاديّة باللون الأبيض تيمّناً بسنة بيضاء، لذا تغزو موائد المحتفلين مأكولات «اللبنية» و«الشيش برك» وغيرها.

 

كما يذكر كثيرون سلسلة من العادات والتقاليد الشعبية التي كانت تغزو بيوت المحتفلين بليلة الغطاس، منها مثلاً: وضع قطع نقدية فضية على حافة النوافذ أو على الشرفات ليتبارك البيت وتزداد نعمه وخيراته، وهي عادة تجد مثيلاتها في القرى، فيترك الناس في ليلة الغطاس أغطية سلال المؤن مفتوحة ليبارك الله تعالى مؤونة البيت ويكثّرها.

 

كما يعمد المحتفلون إلى إبقاء أنوار البيت مشعّة طيلة الليلة من أجل» بقرة السعد» التي تعطي البيت خيرات لم تكن متوقّعة.

theme::common.loader_icon