الميلاد حبٌ وثورة
الميلاد حبٌ وثورة
Sunday, 05-Jan-2025 17:23

كتب الأب أنطوان نصر

على باب الكون وقف قارعًا باب المغارة، ولدَ خاضعًا لشرائع الزمن، متغرّبًا في مزوده، ومستترًا تحت حجب البتوليّة، وحيدًا في سفر هو الأطول، جمع بين السماء والأرض...
لا مراقبين ولا معدّات ولا أقمار صناعيّة حتى ولا نفر...
كلُ ما قُدّم إليه: مزودٌ ومغارة، فأحدث بميلاده ثورة، ما انطلقت لا من ثكنة ولا من شارع، بل انطلقت من بيتَ لحم لتصل إلى كلّ بيت.
أنوار الميلاد أشعلها مع مريم ويوسف، لتتبنّاها كلّ العائلات.

 


أبطل بمثله الجشع والطغيان، وكان النصرُ للتواضع والزهد والأمان. اضمحلّت الأنانيّة والتسلّط، وارتفعت رايةُ الحقّ والوفاء. ثورةُ المحبّة العارمة تخطّت بمبادئها ثورات العلم،
أبطلت التمييز الطبقيّ، وساوت في الحقّ ما بين الفقير والغنيّ.
وبدل الحرب والمادّة والسيف، اتّخذت لها السلامَ والمحبّة والخدمة، مبادئ لانطلاقة ثورةٍ، مهدُها مزود وعرشُها مغارة.

 

ثورةٌ بشّرت بالروح قاعدةً وهدفًا، وبخيرات الأرض وسيلةً، وبالسماء عرشًا وبالعمر محجًّا لدنيانا،
وبالحياة الأبديّة مقرًّا لخلاصنا.
مالكُ السماء والأرض، جعل من التواضع رفعةً ودربًا ومملكةً يصل بها إلى الإنسان ويسكنُ فيها الله، وينيرُ منها لجميع خلائقه.

 

فصالحَ بثورة التواضع كلّ الكائنات مع بعضها البعض، ونقض شريعة الذين لا يرون في التواضع سماءً.
بثورته العداوةُ اضمحلّت، والشهوة انطفأت، والمغفرةُ عمّت نعمها الكون، لأنّ الحبّ تفجّر غفرانًا من مزود بيت لحم الذي أضحى سماءً، أطلّ منه اميرُ السلام حاملًا الطفولة والرقّة والحنان،
وهو الإله الذي قبل الدهور.

 


فانقلبت معه مفاهيم الثورة، حبث ثورةُ الميلاد هي اكتمال داخليّ وارتدادٌ لقلب الإنسان قبل يديه،
فيما تعصف الثورات جميعها خارجَ كيانه. هي سيرٌ دائمٌ لخليقة نحو الخالق، لا توقف له.

 

 

عمّانوئيل، إنّك معنا أمس واليوم وإلى الأبد. أمام مولدك اللطفُ يُجرح، والتواضع سكّين ينخر الكبرياء حتى العظام، والمغفرة تقطع جذور الخطيئة منذ أبوينا الأوّلين حتى اليوم. لأنّك طفلُ المراحم لا ثوب لك إلّا المحبّة، ولا قدّرة لك إلّا في المحبّة، ولا كيان لك إلّا المحبّة.
فأعطِنا يا طفل المغارة أن نكونَ ثوّارًا ينضموّن بكيانهم وأصواتهم إلى جنود الملائكة قائلين: المجدُ لحنوّك، المجدُ لتنازلك يا محبّ البشر وحدك.

 

 

المسيح وُلد فمجّدوهُ، المسيح على الأرض فارفعوهُ. أيّتها المسكونة ثوري على الظلم والفساد والطغيان، وليكن سلام المسيح ملك الملوك، كلًّا للّكلّ. نعم أيّها الطفل الإلهيُّ، أنت النّور السرمديّ، أنت الثورة الحقّة وأنت الفرح الحقيقيّ الذي تجسّد من البتول، فانتشلنا من الظلمة إلى النور، وأنقذنا مَن لعنة الخطيئة إلى النعمة بالإيمان بك، والعمل بمشيئتك لننعم بأنوار السماء السابعة، حيث الأفراح والأنوار الأبديّة تنير كلّ إنسان ولدَ حقًّا بمولدك الذي لا يُوصف.

theme::common.loader_icon